ثورة مصرصبحي حديدي

عمر سليمان: مبارك جديد… بأنياب اشد ضراوة

null
صبحي حديدي
حتى هذه الساعة، وبعد مرور أكثر من أسبوعين على اندلاع الإنتفاضة الشعبية المصرية ضدّ نظام حسني مبارك، ما يزال في وسع المرء أن يزور مدوّنة على شبكة الإنترنت، تتصدّرها عبارة ‘لا جمال ولا الإخوانô عايزين عمر سليمان’.
التحديثات طفيفة (مناقشة مبادرة محمد حسنين هيكل، التي طرحها في حوار مع جريدة ‘المصري اليوم’، على سبيل المثال)، لكنها تشير بوضوح إلى أنّ المدوّنة ليست ميّتة، بل هي حيّة تنبض بتأييد نائب الرئيس، ربما أكثر من أيّ يوم منذ إطلاقها.
الإفتتاحية، الركيكة لغة ومحتوى، ثابتة على حالها، حرفياً، وكأنّ 25 كانون الثاني (يناير) لم يمرّ على مصر، البتة! تقول سطورها الأولى إنّ ‘مشروع التوريث يُعدّ له على قدم وساق، وفى سبيله توحّش جهاز أمن الدولة (الراعي الرسمي لمشروع التوريث) وبات يقضي على أيّ أمل وأيّ فرصة لتغيير البلد’. لكنّ كاتب النصّ يسارع إلى قطع الشكّ باليقين، حين يعتبر المعارضة المصرية جزءاً لا يتجزأ من انسداد الأمل: ‘أصبح مجيء الإصلاح والتغيير على يد المعارضة المصرية مستحيلاً ودرباً من دروب الخيال، إذن نحن أمام معارضة تعيش حالة من العجز التام، ناهيك عن المصالح الشخصية والأمراض النفسية من حبّ للنفس والظهور واحتكار النضال واتهامات بالعمالة وما إلى آخره من الأسباب التى تجعل منها معارضة عاجزة حتى عن التفكير. وبالتالي علينا أن لا نعقد آمالاً كثيرة على معارضة بهذا السوء’.
ما البديل، إذا كانت الإنتفاضة، قبل كاتب الإفتتاحية، قد تكفّلت بإسقاط مشروع التوريث؛ والإخوان، وأحزاب المعارضة المصرية خارج اللعبة في نظر المدوّنة، التي لا تشير أبداً إلى أدوار الحركات الشبابية، مثل ‘كلّنا خالد سعيد’ و’حركة 6 أبريل’؟ إنه اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة السابق، ونائب الرئيس الحالي، بوصفه ‘الشخص الوحيد القوي والقادر على حفظ الأمن والإستقرار وقيادة البلاد فى هذه الفترة العصيبة… الشخص الذي لديه من المؤهلات والخبرات التي لم تتوافر حتى في الرؤساء السابقين عندما أتوا للحكم’.
إنه، أيضاً وأيضاً، ‘الشخص الذي بحكم سنّه يصلح للفترة الإنتقالية وبحكم سنّه لن يحكم لمدد كثيرة، كما يريد جمال مبارك، الشخص الذي لن يجرؤ اعلام جمال مبارك على التشكيك فيه واتهامه بالعمالة وعدم الوطنية… ولن يستطيع جهاز أمن الدولة الفاشي النيل منه وتحطيمه واغتياله معنوياً وتلفيق التهم له… الشخص الذي نعقد عليه آمالاً كثيرة لقيادة البلاد لفترة (انتقالية) ودفعها إلى الأمام وقيادة مشروع الحرية والديمقراطية وبناء نظام سياسي حقيقي قائم على التعددية الحزبية…’.
والمدوّنة، من جانب آخر، تمتدح قيام عدد من نشطاء الفيسبوك بإطلاق مجموعة جديدة تحت عنوان ‘الجيش المصرى (فيتو) ضد التوريث’، تطالب القوّات المسلحة بـ’التدخل لإنقاذ مصر من جمال مبارك الذي يسعى الي اقتناص السلطة بالقوّة’. وتمضي المدوّنة في اقتباس وصف المجموعة: ‘ياجيش مصر العظيم، فى ذكرى أكتوبر المجيدة، ماذا بعد مبارك؟ أتوريث للحكم وزوال للجمهورية؟ نعي جيداً دور المؤسسة العسكرية، وهي مؤسسة وطنية تدين بالولاء للوطن وليس للأشخاص، ونرفض إقحامها في صراع أي سياسي، لكن لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام وضع كهذا’.
وأيضاً: ‘ربما يكون بوسع المؤسسة العسكرية المصرية، وهي مؤسسة وطنية منضبطة، أن تقبل عن طيب خاطر نقل السلطة إلى رئيس مدني منتخب في إطار عملية تحول ديمقراطي حقيقي، أما أن يتم ذلك في إطار عملية توريث مخططة ومكشوفة يجرى الإعداد لها على قدم وساق منذ عشر سنوات، فلا نعتقد أن المؤسسة العسكرية، التي يرى كثيرون أنها ستظل صمام أمان فى مواجهة احتمالات فوضى يصرّ أنصار التوريث على دفع البلاد نحوها، يمكن أن تقبل به. كلّ ما نريده من المؤسسة العسكرية ألا ترضخ لمشروع التوريث ، كل مانريده فيتو ضدّ التوريث، ضدّ اغتصاب الوطن’.
كذلك تقتبس المدوّنة عبارات في تقريظ شخص سليمان، وتعيد نشر مقالات عربية وأجنبية تتحدّث عن حظوظ الرجل في سيناريوهات الوراثة، وتسرد شائعات هنا وهناك، تصبّ جميعها في تضخيم مكانة سليمان، وتقزيم موقع جمال مبارك. حمدين صباحي (وكيل مؤسسي حزب ‘الكرامة’): ‘لا يمكن بأيّ حال من الأحوال مقارنة اللواء سليمان بتاريخه الطويل بجمال مبارك، فالأول خدم مصر وله سجله العسكري المشرف’. المحلل السياسي ضياء رشوان: ‘سليمان هو خير المرشحين لخلافة مبارك في الوقت الراهن وذلك إذا أراد النظام الحيلولة دون حدوث حالة من الفراغ السياسي’. الكاتب فهمي هويدي: ‘ظلّ اللواء عمر سليمان من الشخصيات القليلة التي تحظى بالثقة والاحترام بين المتربعين على قمّة هرم السلطة في مصر. وهذه المواصفات تجعلنا نزن كلامه بميزان مختلف عن غيره من المسؤولين’. ابراهيم عيسى (رئيس تحرير جريدة ‘الدستور’): ‘هذا الترشيح لا يزال يلقى الترحيب من كثيرين في الساحة المصرية رأوا في السيد عمر سليمان مرشحا توافقيا لكل القوى المصرية من أول جهاز الدولة والحزب الوطني وحتى تيارات وأحزاب مصر الوطنية’. عادل حمودة (رئيس تحرير جريدة ‘الفجر’): ‘عمر سليمان هو شخص يلقي احترام الجميع، ويرأس جهاز المخابرات المطلع على كل الأسرار والخبايا بكل ما فيها من سلطة المعلومات ولكنه لم يتغير ولم يفقد صبره وهدوءه وتواضعه، كما أنه مرحب به من فئات وطبقات الشعب المختلفة، بجانب أنه مسؤول عن غالبية ملفات السياسة الخارجية وعلاقاته الاقليمية والدولية جيدة’…
وبمعزل عن السؤال الطبيعي حول الجهة التي تقف خلف المدوّنة ـ إذْ يمكن أن تكون بالون اختبار لجهاز سليمان السياسي الشخصي، أو لأجهزة أمنية أخرى، أو لأطراف في المؤسسة العسكرية التي احتكرت منصب الرئاسة منذ ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 ـ فإنّ توقيت تنشيطها كان قد ترافق أصلاً مع تلميحات صدرت عن مبارك، في حوار مع الإعلامي الأمريكي شارلي روز، صيف 2009. وقد اعتمد الرئيس المصري لغة مراوغة في الردّ على أسئلة كبرى، مثل احتمال تنحّيه قبل انتهاء الولاية الراهنة، أو حلّ مجلس الشعب، وبالتالي تقديم موعد الإنتخابات التشريعية، وتسريع خطوات تهيئة نجله للمنصب. لم يؤكد أيّ تفصيل في هذه المسائل كلها، ولكنه لم ينفِ أيّ تفصيل أيضاً: هل سيرث جمال، يسأل روز؛ إذهب واسأله بنفسك، يجيب مبارك؛ هل تريد لابنك أن يصبح رئيساً بعدك؟ لم يكن هذا في ذهني، ولكنّ الرئاسة مفتوحة لأبناء الشعب بأسره؛ وهل ستحلّ مجلس الشعب؟ يجيب الرئيس: البلد مليئة بالشائعات؛ هل ستجدّد لولاية سابعة؟ هدفي هو تحقيق البرنامج الذي أعلنته في حملتي الإنتخابية، وليس أن أجدّد أو لا أجدّد!
وقد يجوز أن توضع هذه المدوّنة، القديمة/ القائمة، في سياقات تلميع ثنائية الطابع، تستهدف من جانب أوّل ترقية المؤسسة العسكرية إلى دور الضامن للنظام الجمهوري، والرافض الرادع لكلّ برامج التوريث؛ وتستخلص، من جانب ثانٍ، أنّ سليمان هو الاسم والجهة والواجهة لذلك الدور. فإذا صحّ افتراض كهذا، ورُبط بسلسلة الوقائع التي أعقبت يوم 25 يناير (ابتداء من قرار مبارك تسمية سليمان نائباً له، مروراً بالتثمين الإيجابي العالي الذي حظي به النائب من ‘العالم الحرّ’ والولايات المتحدة خصيصاً، وليس انتهاء بلجوئه مؤخراً إلى استخدام مفردة ‘انقلاب’ على نحو يمزج التهديد بالوعيد)؛ فإنّ سليمان اليوم هو أحد أكبر الأخطار الجسيمة التي تتهدد الإنتفاضة الشعبية المصرية.
ثمة، في بُعد آخر من المسألة ذاتها، عوامل عديدة تشير إلى أنّ قرار تعيين سليمان في الموقع الأعلى الثاني من هرم السلطة لم يكن إجراء اتخذه مبارك طواعية، ولم يراوده منذ سنوات، بل بدا خياراً طارئاً وشبه وحيد إذا كان مبارك سيأمل في ‘مخرج مشرّف’ ودون مساس بافراد أسرته، وبالثروات الهائلة التي تُقدّر الآن بعشرات المليارات. ففي أواخر آذار (مارس) 2001، كانت الصحافية الأمريكية لالي ويموث، من أسبوعية ‘نيوزويك’، قد أجرت حواراً مطوّلاً مع مبارك أثناء زيارته للولايات المتحدة، فسألته في شؤون شتى تخصّ نظامه، وخليفته المحتمل، واحتمالات توريث نجله جمال. ولقد طرحت ويموث سؤالاً مباشراً: ‘لكنّ الناس يتساءلون عمّن سيكون خليفتك المحتمل؟’، فأجاب مبارك: ‘سوف نحاول العثور على نائب للرئيس. الأمر صعب. وأنا أستعرض بعض الأسماء’.
لم يكن سليمان في ذهنه، إذاً، كما للمرء أن يفترض؛ كما كان قد استبعد، عملياً، شخص عمرو موسى، وزير الخارجية آنذاك، لأنّ مبارك اختاره لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية؛ وبالتالي فإنّ التفسير المنطقي الأبسط قد يفيد بأنّ مدلول عبارة ‘الأمر صعب’ لا يعني سوى أنّ الأمر مستحيل، أو غير وارد، لأنّ الملفّ الوحيد المفتوح في هذا المضمار هو توريث جمال. وفي كلّ حال، لم يكن تعيين أيّ نائب كفيلاً بقطع برنامج التوريث، خاصة وأنّ المستبدّ العربي كان قد اقتدى بسابقة حافظ الأسد، الذي أطلق سيرورات توريث ابنه باسل، قبل أن يلاقي أجله فيخلفه شقيقه بشار، وذلك رغم وجود ثلاثة نوّاب للرئيس، كان أحدهم شقيق الرئاسة وعمّ الوريثَيْن!
المفارقة أنّ بعض ‘ثقاة’ التحليل السياسي الأقرب إلى الرجم بالغيب، بينهم عدد من راكبي موجة الإنتفاضة هذه الأيام، رأوا أنّ جميع الأسماء التي تتداولها الشائعات لمنصب نائب الرئيس المصري لا تبدو وكأنها تلبّي صورة المرشّح الذي يحمل خصائص رئاسية، سواء على الصعيد المصري الداخلي أو على الصعيد الخارجي العربي والدولي. هنالك مَنْ تحدّث عن شخصية عسكرية، فأتى على ذكر المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع، والمشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع السابق، بالإضافة إلى عدد من كبار ضباط الأمن الداخلي. المدهش أنّ اسم عمر سليمان لم يكن مطروحاً البتة، آنذاك، رغم أنّ تقنيات الرجم بالغيب عند أولئك ‘الثقاة’ كانت تفترض حضوره، قبل سواه، على رؤوس الأشهاد.
ففي شهر أيلول (سبتمبر) الماضي فقط، وحين كان سليمان يرافق مبارك الأب ومبارك الابن إلى واشنطن، ظهرت ملصقات في القاهرة تدعو إلى ترشيح سليمان للرئاسة؛ كما كشف موقع ‘ويكيليكس’ عن محتوى تلك البرقية التي أرسلتها السفارة الأمريكية في القاهرة، بتاريخ 14 ايار (مايو) 2007، والتي ترجّح أن يكون سليمان في قلب أيّ سيناريو للتوريث، خاصة بعد ‘خروجه من الظلّ’. وخير لشباب انتفاضة مصر أن يعيدوا قراءة هذه الخلفيات، وأن يضعوها في قلب حسابات المقاومة والصمود والتصميم على النصر الحقّ؛ ولن يضيرهم أن يترجموا، وأن ينشروا على نطاق واسع، تلك الفصول من كتاب جين ماير ‘الجانب القاتم’، حول المهامّ الأمنية القذرة التي لعبها سليمان لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض، في ولايات بيل كلنتون، جورج بوش، وباراك أوباما.
إنه، في أخفّ وجوهه وطأة، رجل المؤسسة العسكرية حين تقرّر تجميل الإستبداد؛ ولكنه، في أكثر وجوهه وفاء للواقع، حسني مبارك بوجه آخر، وتسمية أخرى، و… أنياب أشدّ ضراوة.

‘ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ياسيدي – الثورة المصرية سرقت وانتهى الأمر – عمر سليمان يسيّر الأمور من تحت لتحت – وأحمد أبو الغيط لايزال موجه السياسة الخارجية للدولة – فقط ماتغير في مصر هو ذهاب شخص حسني مبارك وذهاب مشروع التوريث معه – وماتبقى لايزال على حاله – الحفاظ على أمن إسرائيل وكامب ديفيد – ضخ الغاز لإسرائيل – لارفع لقوانين الطوارىء – لاإفراج عن المعتقلين السياسيين وعددهم يصل إلى عشرة آلاف كما سمعته اليوم من قناة فضائية محايدة – حكومة أحمد شفيق لازالت على حالها – – الثورة سرقت ياسيدي إن لم تقم ثورة أخرى في أقرب فرصة – ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً — ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد – وأرجو من كل قلبي أن يكون تحليلي خاطئاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى