ثورة مصرياسين الحاج صالح

أهؤلاء نحن؟ لا بأس بنا! أسابيع لا تصدق

null
ياسين الحاج صالح
18 يوماً من الاحتجاجات الشجاعة، المبدعة، الرفيعة أخلاقيا، تطيح حاكماً بالغ الفساد والقسوة والاستبداد والتبعية. قبله بأقل من شهر كان سقط طاغية آخر، لا يكاد يحسد طاغية مصر على شيء.
سيكون من شح النفس أن يكبح المرء جماح فرحه. ثورتا الكرامة أنتجتهما نفوس كريمة. وتُحْييان نفوساً كريمة.
الثورتان في بداية الطريق؟ أمامهما مصاعب كبيرة؟ بلى. لكن الطريق لا نهاية له. لم ينته عند أحد، ولا أحد واقف عند نهايته. هذا وهم البخلاء. والإبداع لا نهاية له. هذا ظن المغلقين والمتعصبين. ولقد أظهر المصريون، والتونسيون، إبداعا فذا. ما كان لهم أن يحرروا أنفسهم من أغلال الطغيان، لولا أنهم أحرار من الداخل.
تونس انتصرت مرتين خلال شهر واحد. يوم «14 جانفي»، ويوم «11 فبراير». التغير المصري يحصِّن التغير التونسي. ويفتح الباب لتحرر عربي أوسع. لدينا الآن مثالان إيجابيان. مثالان رفيعان في سير عملية الكفاح التحرري، وربما قريبا مثالان في النموذج الديموقراطي. فإذا تحررت مصر، كان محتما أن يؤثر مثالها في المجال العربي كله. كان ذلك لازما أيضا من أجل حماية التغير المصري.
الروح العظيمة التي أسقطت الطاغية، تطرح على نفسها فورا مواجهة إعاقات مصر المتراكمة. مساء 11 فبراير، وفي غمرة احتفالهم بكسب جولة أولى كبيرة، يتداول شباب مصريون هذه الكلمات: «من النهار ده دي بلدك انت، ماترميش زبالة، ماتكسرش إشارة، ماتدفعش رشوة، ماتزوّرش ورقة، إبدأ التغيير الذي تريد أن تراه في مصر… إبدأ بنفسك أولاً» (من الفيسبوك). هذه عناصر ثورة أخلاقية، هي مما يعطي للثورة السياسية مضمونها الإنساني والوطني الحي. وهي الروح التي تحتاجها مصر، والتي تسوغ أكثر من غيرها تضحيات شعبها وإسقاط حاكمها الصفيق.
تظهر الثورة المصرية، وقبلها التونسية، أننا عموما أرقى وأكرم من حكامنا ونظم حكمنا. أن بلداننا ليست بخير في أيديهم، وأننا لا نريد مع ذلك أن تكون في أيدينا نحن. ما نريده هو الحرية والكرامة والحق للجميع ولكل واحد. وقبل كل شيء العدالة. العدالة الاجتماعية والقانونية والسياسية. أننا أيضا نشمئز من جشع طُغم تراكم دون حدٍ ثروات بعشرات المليارات من الدولارات، وتودعها في مصارف أجنبية. أننا نحتقر منطق الاستثناء والامتياز وتسخير العدالة لحماية الأقوياء. أننا نريد أن نحكم بالعدل وأن تكون لنا كلمة في شأن من يحكموننا. أننا بشر أسوياء، على نقيض ما يفتي «فكر» يتعيّش منذ عقود على إخفاقاتنا، ويهنئ نفسه على عقله كلما غُمِرنا بالعفن.
لأنهم عادلون، انتصر المصريون. ولذلك أيضا انتصر التوانسة. ولذلك التغيير آت إلى بلداننا. إنه تقدمي. وحتمي.
(كاتب سوري)
قبل منتصف ليل 11 فبراير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى