سعيد لحدوصفحات سورية

نصيحة متأخرة جداً للديكتاتور

null
سعيد لحدو
بمناسبة ماحدث ويحدث في شرقنا الحزين بشقه الغربي على أمل التمدد شرقاً، أتجاسر أنا العبد الفقير لله وللوطن بتقديم نصيحة فات أوانها للديكتاتور المستشيط عناداً وهو ينظر (أو قد لا يطيق النظر) إلى جموع شعبه الغاضبة في ميدان التحرير وغيره من الميادين. أتجاسر وأقدم نصيحتي رغم أنني من رعايا الإقليم الشمالي الذي ظل يُنظر إليه على أنه الشقيق الأصغر المشاغب. ورغم أنني لم أتقلد يوماً منصباً رسمياً لا في الدولة ولا في أجهزتها الأمنية مع أنني لم أسلم من شظاياها. أود أن أقدم نصيحة لوجه الله لهذا الديكتاتور وأنا أعلم بأنها كإجراءاته التي اتخذها، فقد جاءت متأخرة جداً جداً جداً.
أقول: كون اسمك مبارك لايعطيك الحق في تركيع الشعب الذي بات هو السيد والمبارك الوحيد في عصر الإنترنت. ومع ذلك كان عليك التعلم من الشقيق الأصغر الإقليم الشمالي أو الشقيقة الصغرى سوريا ونظامها الذي مازال (حتى هذه اللحظة) مستقراً ومنذ مايقارب النصف قرن، رغم الهزات التي تصيبه من الإخوة والأعمام وأبنائهم بين الفينة والأخرى. وهذا من باب (الأقربون أولى بالمعروف) أو الخلافات العائلية التي ليس من حق أحد التدخل فيها. وقد جرى حلها بفائض أموال نفط أشقاء آخرين. وهم حاضرون لمساعدتك أيضاً لو أنك طلبت منهم ذلك. ولا أدري لماذا لم تفعلها حتى الآن.
ولعلك تتساءل سيدي الديكتاتور عن الأسباب والدوافع التي مكنت النظام الشقيق من الاستمرار كل هذه العقود رغم أنه فاق نظامك بأشواط بالفساد والقهر والظلم وكم الأفواه تحت عناوين لم تخطر ببال أحد مثل: إضعاف الشعور الوطني، ووهن نفسية الأمة. وكأنها أمة من ورق ليضعف شعورها وتوهن نفسيتها لمجرد أن يقول أحدهم رأيه في شأن عام. فكيف ستواجه هذه الأمة التحديات الكبرى وتحقق الممانعات التي طال أمد شعاراتها المرفوعة. ولكن دعك من كل هذا. فهذه تبقى شعارات. ولعلها جزء من (عدة الشغل) الضرورية لسياسة البقاء. وهاهي تؤكد نجاعتها (حتى هذه اللحظة). رغم أنك استعملت أحياناً كثيرة بعض هذه الشعارات ولكنها لم تتميز بالبريق ذاته الذي حرص النظام الشقيق على أن يبقيها لامعةً على الدوام.
ليس ذلك وحده هو سر البقاء المديد للنظام الشقيق (والبقاء لله وحده)، وإنما هناك أمور أخرى كثيرة كان يجب عليك أن تتعلمها من الشقيق الأصغر وتتقن استعمالها مثله. فلو كنت ممانعاً مثله ولو كان لك بعد نظر وحنكة مخابراتيه مما يمتلكه النظام الشقيق، لكان عليك بناء علاقات أفضل مع الحركات القاعدية وتفريخاتها المدروسة بعناية لإرسال (مجاهديها) إلى العراق أو لبنان أو أي بلد آخر فيه للغرب مصالح. حينذاك كان سيتوجب على الغرب المنادي بمبادئ الحرية والديمقراطية استرضاؤك عوضاً عن المطالبة بعدم استعمال العنف وبمزيد من الانفتاح على الشعب. ومقابل إيقاف تدخلاتك وتوليد ودعم مجموعات تدين لك بالولاء في بلد شقيق مجاور أو غير مجاور، لتحريكها كلما اقتضت الحاجة وبالاتجاه الذي يحقق لك مصالحك، أو تحديد تلك التدخلات على أقل تقدير، كان سيتم غض النظر عن مسألة حقوق الإنسان والاعتقالات التي تجري للمعارضين أياً كانت توجهاتهم. وربما كانوا سيقدمون لك النصيحة وحتى الدعم لتجنب غضب الشعب وثورته التي لاقدرة لأية قوة على أيقافها.
لقد كابرت ياسيدي الديكتاتور ونظرت بتعالٍ إلى الشقيق الأصغر ولم ترغب بالتعلم منه، رغم أن الإنسان بحاجة للتعلم حتى من الأطفال وحتى آخر لحظة من حياته. لقد أرسلت بلطجيتك لترويع المتظاهرين بعد أن تعدت أعدادهم الملايين، وليس لديك إلا بضعة آلاف من أفراد الأمن السري والموثوقين من أعضاء حزبك الحاكم. لقد تأخرت كثيراً. فالشقيق الأصغر لم ينتظر كل هذا الوقت. وكان أكثر منك حذاقة وحنكة. فبمجرد تجمع بضع عشرات من المتظاهرين أمام القصر العدلي للاحتجاج على اعتقالات المعارضين والمحاكمات الصورية التي نظمت لهم، أرسل على الفور بلطجيته من (شبيبة الثورة) للاعتداء على خيرة مفكري سورية ووطنييها من كتاب وسياسيين ورجال قانون، وإهانتهم. (وحتى هذه اللحظة) لم تتجاوز أعداد أية مظاهرة قامت ذلك العدد. هذا إذا علمنا أن الشقيق الأصغر لم يستخدم بعد إلا جزءاً بسيطاً مما بحوزته من إمكانات مواجهة الانتفاضات المحتملة للشعب. فهو مثلاً لم يفتح (حتى هذه اللحظة) أي باب لحرية التعبير مهما كان صغيراً. لأنه يعلم أن الشعب متى استطعم طعم الحرية فلن يرده عنها رادع. وها أنت ترى ماحصل لك ولغيرك في ميادين التحرير.
كذلك مازال يحتفظ النظام الشقيق بمئات الألوف من أفراد الحزب الحاكم من المتنفعين والفاسدين وطبقة من التجار الطفيليين ممن لهم ملفات مثخنة لدى أجهزة المخابرات التي سهلت لهم طوال سنوات عمليات النهب المنظم للمال العام والخاص. ويعلم أصحابها بأنها ستستخدم لإدانتهم في حال تخليهم عن النظام. وهذا يعتبر جيش إحتياطي يمكن للنظام زجه في المواجهة مع الشعب دون أن يتورط النظام ورجال أمنه بشكل مباشر. ورغم أنك ياسيدي الديكتاتور حاولت أن تقيم في أم الدنيا طبقة مشابهة، وقد أنشأتها بالفعل تحت إشراف قرة عينك جمال، فإنك لم تعرف كيف ومتى تستخدمها. وهذه نقطة ضعف منك وتسجل لمصلحة النظام الشقيق.
وعلاوة على كل هذا فإنك ياسيدي الديكتاتور لم تعرف كيف تربط مصير قادة الجيش بمصيرك بحيث يضطرون للدفاع عنك لأن مصيرهم ومصيرك باتا ملتحمين لافكاك لهما. وكان عليك هنا أيضاً أن تستفيد من سياسة الشقيق الأصغر الذي ضمن لنفسه مجموعة من القادة الأمنيين والعسكريين ممن لامستقبل لهم في غيابه. ولذلك فهم مستعدون لتنفيذ الأوامر وأكثر لأن في ذلك حماية لهم ولامتيازاتهم وعائلاتهم.
لكن الأهم من كل هذا وذاك أن النظام الشقيق عمل وبدأب وذكاء مفرط طوال أربعة عقود على تشتيت البيت السوري، وبناء حواجز مدعمة من الشك وعدم الثقة بين أبناء الوطن الواحد. وذلك من خلال تقريب البعض وتأليبهم على البعض الآخر. وكذلك منح امتيازات لطرف على حساب طرف آخر، ليعطي الانطباع بأن حلفاءه كثر في المجتمع السوري. لاعباً بخبث على الوتر الطائفي. مما أثار الشعور بالنقمة والانتقام، الذي لم يكن موجوداً من قبل. وهنا بات التخوف من التغيير حقيقة واقعة لدى الفئات الموالية للنظام والمستفيدة من استمراره. و (حتى هذه اللحظة) مازال نظام الشقيق الأصغر يستغل هذا الشعور بالخوف من أي تغيير. وهذا هو السر الأكبر لاستمراره كل هذه العقود رغم كل التغيرات الجارية حوله. فهل استطعت ياسيدي الدكتاتور فهم هذا السر الذي يجعل شقيقك الأصغر، رغم استصغارك له، أن يستمر في الحكم (حتى هذه اللحظة) في الوقت الذي بات رحيلك يعد بالأيام والساعات؟
لقد قدمت نصيحتي المتأخرة جداً لوجه الله ومرضاة لضميري الذي يؤنبني إن لم أفصح بما أعرفه وأتيقن من إدراكه. وليتعظ من أراد أن يتعظ لأن هناك شعب لم ينتفض (حتى هذه اللحظة). ولكنه حين ينتفض سيبطل مفاعيل كل أسلحة القهر والديكتاتورية. وحتى تلك اللحظة سأتشبث بنصيحتي هذه عسى ألا تأتي متأخرة مرة أخرى ولكن لشعب يريد أن يستطعم الحياة الحرة وليس لديكتاتور يسعى للأبدية.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى