صفحات سوريةهوشنك بروكا

سورية الخطأ!

null
هوشنك بروكا
إثر هزيمته في حرب الأيام الستة سنة 1967، وتعرضه بصفته وزيراً للدفاع للنقد “الثقيل” من قبل الحزب والدولة، قام الديكتاتور الراحل حافظ الأسد بالإنقلاب على غريمه البعثي اللدود صلاح جديد (بقي في سجن المزة العسكري 23 سنة إلى أن توفي فيه في أغسطس 1993) ورئيس الجمهورية نورالدين الأتاسي (أمضى في سجن المزة 22 عاماً، وتوفي إثر إصابته بمرض السرطان في ديسمبر 1992)، وذلك في السادس عشر من نوفمبر 1970.
منذ حركة الأسد الأول الإنقلابية تلك، والتي تسمى في أدبيات النظام الرسمية ب”الحركة التصحيحية”، تعيش سوريا حالةً من العزلة شبه التامة، بين النظام والشعب، فضلاً عن حالة الطوارئ والأحكام العرفية المسلّطة على رقاب الشعب، منذ الإنقلاب البعثي في الثامن من آذار 1963، بحجة “التصدي لمواجهة العدو الضرورة”.
منذ “تصحيح” الأسد الأول لسوريا، قبل أكثر من أربعة عقودٍ من الزمان، وسورية تسير من السيء إلى الأسوء، ومن الخطأ إلى الخطأ.
منذ أكثر من أربعة عقودٍ من “التصحيح الواحد” بقيادة الحزب الواحد، وأمينه العام الواحد، وسوريا تسقط في مزاج القائد الواحد، الذي لا شريك له في الحكم إلا هو.
منذ أكثر من أربعين سنةٍ خلت من “المسيرة التصحيحية”، وسوريا ممنوعة من السير إلا إلى “صحيح” مزرعة الديكتاتور، و”صحيح” آل الديكتاتور، وزبانية الديكتاتور، و”بلطجية” الديكتاتور.
منذ أكثر من أربعين سنةٍ من “جمهورية آل الأسد”، ليس للسوريين إلا أن يقولوا “نعم إلى الأبد…بالروح بالدم نفديك ياقائد”.
منذ أكثر من أربعة عقودٍ من “سوريا التصحيحية”، والقائد يقرأ على الشعب “التفويض الإلهي”، بأنه الحاكم بحكم الله، “لأنه مع الله، والله مع الشعب”، حسب قول الديكتاتور الراحل حافظ الأسد.
منذ أكثر من أربعين سنةٍ، من دخول سوريا إلى “الوراء” و”ماوراء الوراء”، ليس لسوريا والسوريين إلا الهروب من المستقبل، والحلم على أطرافه النائية.
منذ أكثر من أربعة عقودٍ من الزمان الديكتاتوري الصعب، وسوريا تنزلق من قاعٍ إلى قاعٍ، ومن حضيضٍ إلى آخر، ومن هاوية إلى هاوية.
منذ أكثر من أربعين سنةٍ، وسوريا تمشي إلى الوراء.
كلّ شيءٍ فيها بات وراءً وخلفاً ورجوعاً: السياسة رجوعٌ، والإقتصاد رجوع، والثقافة رجوع، والإجتماع رجوع، والقيام والقعود رجوع، والحاضر والمستقبل رجوع.
بعد أكثر من أربعة عقودٍ من تطمين الديكتاتور الأسد الأول الراحل، ب”أن لا خوف على المستقبل، لأنه مع الحق”، ليس للسوريين الآن، إلا الخوف من الإنزلاق إلى اللامستقبل، والخروج من الجغرافيا والتاريخ في آن.
منذ أكثر من أربعة عقودٍ من “التصحيح”، ليس لسوريا النظام إلا الخطأ؛ الخطأ في الخطأ؛ الخطأ بالخطأ؛ الخطأ على الخط؛ الخطأ لأجل الخطأ: الرئيس الخطأ، والسياسة الخطأ، والدولة الخطأ، والحكومة الخطأ، والحزب الخطأ، والبرلمان الخطأ، والمؤسسات الخطأ، والأمن الخطأ، والإعلام الخطأ، والمال الخطأ، والقانون الخطأ، والإنتخابات الخطأ، والوحدة والحرية والإشتراكية الخطأ؛ والموالاة والمعارضة الخطأ، والصديق والعدو الخطأ.
منذ أكثر من أربعين سنةٍ من “تصحيح الأسد”، وسوريا تُقتاد إلى الخطأ.
“تصحيح” الصحيح، ليحل محله الخطأ.. كان هذا(ولا يزال)، هو العنوان الأبرز لسيد انقلاب “التصحيح”، منذ أكثر من أربعة عقودٍ، من “تربية” سوريا على الخطأ، وعلى تجميل وتبجيل، وتبرير وتمرير الخطأ.
“اخطأ..اخطأ..اخطأ..حتى يصدقك الرئيس بأنك نصير التصحيح”. تلك هي كلمة سر النظام و”حركته التصحيحية”، منذ ولادتها الخطأ بداية سبعينيات القرن الماضي، حتى سوريا الآن.
الكلّ يخطأ، ليبقى “صحيح” الرئيس، هو “الصحيح الباقي”.
الكلّ ينزل إلى الخطأ، ليبقى الرئيس وحده، هو “الصحيح العالي”.
الكلّ يرتكب الخطأ، ليظل الرئيس هو “الراكب الصحيح”، و”القائد الصحيح” ل”سوريا التصحيح”.
منذ أكثر من أربعين سنةٍ، وسوريا تمارس وتمتهن الخطأ، وتمتدّ وتستغرق وتتمادى في الخطأ، فهل من شارعٍ سوريٍّ قريبٍ، قادمٍ، منتفضٍ، يخرج بقيامةٍ شعبيةٍ، على هذا “التصحيح الخطأ”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى