صفحات سورية

كرة النار البوعزيزيّة تتدحرج

null
“إذا بدأتَ بحساب الخسائر مقابل صيحة الحريّة ، فإنكَ ستخسر الإثنين معاً ”
هوشّي مِنه
وهيب أيوب
من أكثر المشاهد المؤثّرة التي رأيتها في مجريات “ثورة الياسمين” في تونس، في لقطة تظهر فيها أم الشهيد محمد البوعزيزي، الذي أشعل النار في نفسه فأضرم الثورة، وهي متوجّهة إلى قبر ولدها، فاتكأت على قبره وقالت باللهجة التونسيّة طبعاً: الله يرحمك يا وُلِيدي محمد، فتحت البواب.
لقد ظنّنا، وأنا أحدهم، أن الأبواب موصدة في العالم العربي في وجه التغيير، ولكن جرى ما لم يكن بالحسبان، هكذا هي الثورات الشعبيّة أحياناً تُفاجئ الجميع، مهما احترفوا التحليل والتأويل واتّساع الرؤيا.
وحتى لا نكون متسرّعين في الحكم على الثورة التونسيّة، ولا تأخذنا العواطف وفيض المشاعر من هول ما جرى، فعلينا الانتظار سنوات قليلة لنرى ما إذا كانت الثورة التونسيّة قد بلغت مراميها، ومدى عمق الوعي السياسي والاجتماعي للنخبة والشعب التونسي في تسييرها بالاتجاه الصحيح.
ولكن الشيء المؤكّد، أن تونس والعالم العربي، لن يكون ما قبل اشتعال البوعزيزي كما بعده، ولن يكون اليوم وغداً كالأمس أو قبله.
وما هو مؤكّد أيضاً، أن ما قالته والدة البوعزيزي، أنّه فتح الأبواب، قولٌ لا ريب فيه.
فما كادت كرة النار البوعزيزيّة، تُنهي دورتها لتأتي على بن علي وأركان نظامه الباغي الفاسد، حتى تدحرجت لتصل مصر “أرض الكِنانة”، ومعنى الكِنانة، هو جعبة السهام التي كان المحارب المصري القديم يضعها فوق كتفيه.
وبعد أن غَفَت السهام المصريّة في جُعبِها ردحاً طويلاً من الزمن، أيقظها لهيب البوعزيزي والتوانسة الميامين، فاستلوا سهامهم التي أضناها الرقاد، وأطلقوها باتجاه رأس فرعونهم الطاغية الفاسد، وعصابته البلطجيّة المُجرِمة.
ما يجري على أرض الكِنانة اليوم، وما قد ينتهي عليه المشهد المصري في خواتيمه، مسألة إستراتيجية من الدرجة الأولى، في أبعادها وتردداتها الإقليمية والعربيّة والدوليّة.
إن عدم إسقاط النظام المصري برأسه ورمّته، سيكون له أفدح الأضرار على باقي الدول العربيّة وشعوبها، وإحباطات سوف تنال من عزيمة المتأهّبين الذين يرون في النموذج التونسي والمصري قدوة تُحتذى، وسوف يؤخّر ولو لزمن التغيير، أو الإطاحة بباقي العائلة الاستبداديّة من المحيط إلى الخليج. والعكس تماماً صحيح، فسقوط النظام المصري، وإرساء نظام ديمقراطي حقيقي، سوف يُعجّل بأجلِ الباقين.
ولا يجب الانخداع ببعض ما تحاوله باقي الأنظمة العربيّة، من تقديم إصلاحات شكلية لامتصاص نقمة المضطهَدين المسلوبة أموالهم وخيرات بلدانهم، والمداس على حريّاتهم وكراماتهم، عبر عقودٍ طويلة.  وذلك في محاولة اتّقاء تدحرج الكرة باتجاههم، وإجهاض الثورة قبل بدئها.
وبعض تلك الأنظمة، وأشهرهم النظام في سوريا، يُسمّي ما يقدّمه من مشاريع أو جزء بسيط من حقوق الشعب، يُسمّيها مكرمات وعطايا من الرئيس …!
لا أجد احتقاراً واستهتاراً بالناس أكثر من هذا، وكأن البلد ملكٌ لهذا النظام، يُعطي متى شاء ويُحجم متى أراد. وهذا يذكّرني بخطبة للخليفة أبي جعفر المنصور بعد تولّيه الخلافة، حين قال: لقد وُُلّيتُ عليكم، أرواحكم وأموالكم في يدي، إن شِئت قبضت وإن شئت بسطت.
الشعوب العربيّة تُمتحن الآن، فإما أن تأخذ بالفرصة وتنطلق لبناء أوطانها، بالحريّة والعدالة والديمقراطيّة، والتنميّة الحقيقيّة التي تنبسط على كلِّ فئات الشعب، وإما تنتظر فرج السماء….!
قال لينين بعد الثورة البلشفيّة بما معناه، لو حدثت الثورة قبل ذلك لما نجحت، ولو حدثت بعد ذلك لفشلت.
إن الظروف والأوضاع في العالم العربي متشابهة إلى حدٍّ بعيد، ودواعي التغيير متوفّرة وناضجة، وهذا وقتها.
يقولون، إذا أتت رياحك فاغتنمها، فها هي الرياح عاصفة، والخيول مُسرجة، تنتظر من يعتليها.
لكن المقلق بالأمر، سواء في مصر أو بعض البلدان العربيّة الأُخرى، هو تخلّف الأحزاب والحركات السياسيّة المعارِضة عن نبض الشارع وتطلعاته، وتقاعسهم عن اللحاق به، وتحقيق ما ينشده من تغيير جذري وحقيقي، لا بل أن بعضهم يحاول المساومة على قطعة من الكعكة، يشاركون بها النظام الحالي…!
إنّ الذين اضطهدوا شعوبهم، ونهبوا أموالهم، وداسوا على حقوقهم، وقتلوا وسجنوا وشرّدوا، ثم احتفظوا لأنفسهم بامتيازات وتحقيق مصالح فئويّة وشخصيّة، واغتنوا غناءً فاحشاً، هؤلاء لن يتنازلوا بسهولة عمّا اكتسبوه ونهبوه، ولولا واقع العالم اليوم المنفتح الذي يقوم بنقل كلّ صغيرة وكبيرة ممّا يحدث، لخرجوا على الناس بالدبابات والطائرات.
للحريّة ثمن يجب أن يُدفع، وإن مَن أفسد واستبدّ وطغى وسرق ونهب، لا يُمكن له أن يكون المصلِح، فلا يجتمع الظلم والعدل في رأسٍ واحد، ولا الفاسد والمصلح في ذات الشخص، ولا المجرم والقاضي في نفسٍ واحدة، ولا الماء والنار بذات الكفّ.
ولا يُصلح العطّار ما أفسده الدّهر…….
الجولان المحتل / مجدل شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى