ما يحدث في لبنان

حماقة وسخف وجنون” في لبنان

null
سعد محيو
معلومات الجنرال عون صحيحة. فالأسلحة (ومعها أجهزة الاستخبارات) تتدفق بكثافة على الشمال، وغير الشمال، اللبناني. وكذا عمليات التدريب والتجهيز.
والتقارير عن “التهجير الطوعي” للسكان في المناطق المختلطة صحيحة، وكذا الأمر بالنسبة للشحن الطائفي وإثارة المخاوف على الامن وحتى على الوجود، لدى بعض الفئات. وهو شحن لا يتجسّد فقط في الإعلام التلفزيوني، بل أيضاً في حرب الشائعات المدروسة التي تعتبر خلال الأزمات أنجع الوسائل لتعبئة “الجماهير” الطائفية.
أخطر هذه الشائعات الآن هو الحديث عن احتمال انقسام لبنان في 2008 أو 2009 إلى “شمال وجنوب” (بعد أن كان انقسم العام 1975 إلى “شرق وغرب”)، على أن يكون الخط الفاصل بينهما هو ذاته خط الصدع الزلزالي بين المشروعين الاوسطيين الكبيرين، الإيراني والأمريكي، في المنطقة. ضمن هذا السيناريو، سيتم تكرار تجربة انفصال غزة والضفة الغربية الحالية. فالشمال اللبناني (كما الضفة الفلسطينية) سيحوّل إلى هونغ كونغ مستقطبة للاستثمارات والمشاريع الاقتصادية، فيما الجنوب (كما غزة) سيتطور إلى هانوي ويكون في حال حرب دائمة مع “إسرائيل”.
ضمن هذا السيناريو أيضاً، ستكون ثمة حاجة لتصفية الحساب مع القوى السياسية المعارضة في كلا المنطقتين: تيار عون وسليمان فرنجية في الشمال، وتيار جنبلاط والحريري في الجنوب.
هل هذه الشائعة قابلة لأن تنقلب إلى حقيقة؟
ربما، فالشرق الاوسط يعج هذه الأيام بالمؤامرات والأحابيل التي تخطط لها مراكز التخطيط والأبحاث “الإسرائيلية” والأمريكية، والتي أدت حتى الآن إلى التقسيم الطائفي للعراق، والجغرافي لفلسطين، والمذهبي لكل الشرق الأوسط الإسلامي.
لكن، فلنحاول في ما يتعلق بلبنان أن ندفع المنطق إلى آخره لنتساءل: إذا ما انفجرت في النهاية الحرب الأهلية بين “الشمال والجنوب”، فماذا قد تكون محصلاتها المحتملة؟ في آخر نفق الحرب، ستكون هناك طاولة مفاوضات السلم، وعلى هذه الطاولة، وفي إطار النظام الطائفي اللبناني، (الذي هو أقوى واعتى نظام في العالم!)، سيكون ثمة بند وحيد: تقاسم السلطة بين الطوائف في إطار صيغة “لا غالب ولا مغلوب”، أو على الأقل “نصف غالب ونصف مغلوب”. وهذا يعني، مثلاً، المداورة في رئاسة الحكومة والبرلمان أو حتى رئاسة الجمهورية. وبالطبع، هذا لن يغيّر بشيء طبيعة النظام القائمة على المحاصصات الطائفية الدائمة.
فهل هذه الحصيلة ستستأهل دفع 50 ألف قتيل و100 ألف جريح على الأقل؟ وهل التسوية الطائفية “السخيفة” لحرب 1975 استأهلت دفع 150 ألف قتيل و500 ألف جريح؟
ثم، ثمة نقطة أخرى: التقسيم الجديد المحتمل سيضع الشمال تحت رحمة سوريا التي ترفض بشدة أية تقسيمات من هذا النوع لأنها تمس أمنها الوطني والقومي، والجنوب تحت سطوة “إسرائيل” التي لن تقبل بأن تبقى في حال توازن رعب مع مقاومة ألهبت عمقها بالصواريخ.
ثم أيضاً وأيضاً: الحرب الأهلية، في حال انفلاتها من عقالها، ستكون أساساً حول السياسة الخارجية التي يجب أن ينتهجها لبنان إزاء طهران وواشنطن. لكن، ماذا سيحصد اللبنانيون إذا ما توّصل هذان الطرفان فجأة إلى صفقة كبرى أو صغرى، خاصة أن هذا أمر وارد حتى بعد حرب، بسبب البراغماتية الشديدة للسياستين الإيرانية والأمريكية؟
سيحصد اللبنانيون أمراً واحداً: حق عد الخسائر الفادحة في الأرواح، كما تعوّدوا أن يفعلوا منذ مذبحة 1840 وحتى الآن.
وعدا ذلك؟ هناك حق آخر: شهادات دولية، وأخرى تاريخية، بالارتفاع الشاهق لمستوى الحماقة والسخف والجنون لديهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى