صفحات العالمما يحدث في لبنان

طريق كليمنصو ــ قصر المهاجرين ازدادت آلاف الكيلومترات

غسان سعود
حرصُ النظام السوري على مشاعر شعبه ورغباته استثنائيّ هذه الأيام، إذ تشهد البلاد ديموقراطية لعلّها الأولى من نوعها في عصر آل الأسد في عاصمة الأمويّين.فبمجرد سؤال أحد المسؤولين السوريين أو الإعلاميين عن الموعد المنتظر لزيارة النائب وليد جنبلاط إلى الشام، سيشير بإصبعه إلى الناس المحيطين به، ويشغّل أسطوانة تشير إلى وجود رأي عام سوري رافض للزيارة، نتيجة استفزاز أبو تيمور له، عبر إهانته سوريا تاريخاً ونظاماً وشعباً. وهذا الرأي العام، بحسب ما ينقل هؤلاء عنه، غير مستعد أبداً للسكوت عن وضع جنبلاط قدمَيه على أرض الشام. ويشير بعض الإعلاميين السوريين في هذا السياق إلى أن جنبلاط أسهم في تعزيز لحمة النظام السوري والشعب على نحو غير مسبوق، ما ساعد النظام كثيراً. وكان له الفضل أيضاً، وخصوصاً بعد اغتيال سمير قصير، في فك الارتباط بين ما يسمّى المعارضة السورية وبعض الأكثريّين في لبنان، نتيجة شعور هذه المعارضة بأن مشكلة 14 آذار مع الدولة السورية أخذت طابعاً عنصرياً، معادياً للشعب السوري.
لكن لماذا إقفال الباب بوجه جنبلاط، والاحتفاء بالرئيس سعد الحريري، ما دام الأول كان جزءاً من مشروع رفع الثاني لواءه؟ الجواب نفسه يتردّد على الألسنة الناطقة باللهجة السورية: جنبلاط كان حليفاً وشريكاً قاتلنا لأجله في لبنان، وغطّيناه وتوّجناه ملكاً بنفوذ يتجاوز ما يسمح به حجمه الطائفي، ورغم ذلك طعننا في ظهرنا، وأساء إلى الدولة السورية على المستويات كلها. أما سعد الحريري، فوجد نفسه فجأةً أمام جثة والده، محاطاً بناس يصرخون «لا إله إلا الله سوريا عدو الله»، أقنعوه بأن النظام السوري يقف وراء تلك الجريمة، فلم يكن باستطاعته إلّا أن يصدّق، وخصوصاً أن لا خبز ولا ملح يجمعه والنظام السوري ليحسن الحكم. وبعد سجالات متفرقة، يتبين أن في سوريا من يستطيع إيجاد تبرير لما قاله أو فعله سعد الحريري، لكن لا أحد قادراً على أن يفتح بسهولة صفحة جديدة لجنبلاط.
الأكيد هنا أن الطريق بين كليمنصو وقصر المهاجرين ازدادت آلاف الكيلومترات، معظمها تضاريس صعبة. ولم تكن مصالحة الحزب التقدمي الاشتراكي على كل المستويات مع حزب الله إلّا خطوة من ألف، وكذلك صداقته المستجدة مع رئيس تيار التوحيد وئام وهاب، ومصالحة التقدمي والسوري القومي الاجتماعي، والمصالحة الشخصية بين جنبلاط والعماد ميشال عون، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وستمر هذه الطريق حتماً، وفق المصادر السورية، بقصر الرئيس إميل لحود في بعبدات، وبأعضاء القيادة القطرية لحزب البعث في لبنان، وبكل سياسي لبناني تعرّض لإساءة من جنبلاط في السنوات الأربع الماضية، لمجرّد أنه حليف سوريا، وبوضع الأسس الصادقة لإغلاق ملف المهجرين، وبأكثر من اعتذار إعلامي علني من جنبلاط للشعب السوري.
خلال الرحلة، يقول مصدر لبناني يقيم في الشام: قد يتعب جنبلاط فيقرر إعطاء دور أكبر لابنه تيمور في إدارة شؤون الطائفة الدرزية داخل الدولة اللبنانية، لكن سواء وصل هو أو تيمور فإن قصر المهاجرين سيرحّب في نهاية المطاف بالزائر. على الأرجح، لن يكون الاستقبال شبيهاً باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد للعماد ميشال عون أو للرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري، لكنه سيكون حتماً استقبالاً لائقاً، فالنظام السوري كما يعرف عنه، يتابع المصدر نفسه، يحترم لعبة الأقليات، ويعلم أن جنبلاط هو الزعيم الوحيد سواء أكان لدروز لبنان أم سوريا أم حتى فلسطين. وبالتالي، يمكن تحجيمه، لكن الاستقرار في لبنان، وإعادة ترتيب العلاقة اللبنانية ـــــ السورية يفرضان استيعابه.
ما يحكى في الشام عن جنبلاط يحكى مثله عن النائب ميشال المر. وهنا لا شعارات ديموقراطية ولا تفاعل بين النظام وشعبه. فبمجرد
أما سمير جعجع فقصّة أخرى، بالنسبة إلى السوريين: زيارته غير مطروحة أصلاً
السؤال عن موعد استقبال دمشق لإبي إلياس يبدأ المسؤولون السوريون والإعلاميون الكلام عن تقدير سوريا الأسد اللّامتناهي للرئيس إميل لحود، مشيرين إلى أن سوريا ـــــ الدولة حريصة على لحود الشخص بعد تضحياته، وهي لن تفتح أبوابها للمر ما دام لم يعتذر من لحود عن خطأ آخر العمر. إضافةً إلى أن «أبو إلياس، الخبير بلعبة الأمم أخطأ حين قرر وضع تاريخه وراءه، رافساً اليد التي ساعدته على بناء إمبراطوريته، ليمشي وراء إلياس».
الاثنان، جنبلاط والمر، خسرا وفق أحد الإعلاميين السوريين رهانيهما لاختصار المسافات، تارةً بواسطة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، بالنسبة إلى جنبلاط، والرئيس اللبناني ميشال سليمان بالنسبة إلى المر. وعليهما بالتالي احترام الشروط السورية للعبة.
أما سمير جعجع، فقصّة أخرى، بالنسبة إلى السوريين. زيارته غير مطروحة أصلاً. لا هو يفكر فيها ولا السوريون يتطلّعون إليها. في الشام، على موائد السياسيين، وفي جلسات الصحافيين، يبدو «الحكيم» بمثابة الشر الأعظم. وحين يصفه أحدهم بـ«الإسرائيلي» لا يستنكر أحد أو يجادل أو يستغرب. في نهاية الأمر، جنبلاط وأبو إلياس من أهل البيت، وكثيرون في سوريا اشتاقوا إلى جلساتهما، أما جعجع، فيبدو غريباً وغير مرغوب فيه.
الاخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى