ثورة مصر

ماذا ستروي شيريهان

نديم جرجورة
خرجت المرأة من عزلتها القسرية. المرض أثقل عليها. جعلها خارج المشهد أعواماً عدّة. دفعها إلى غياب لم تشأ المثول أمامه وفيه طوعاً. خرجت المرأة إلى العلن. أرادت أن تكون إلى جانب أولئك الشباب الذين ملأوا الأرض حراكاً من أجل حقّ ضائع، استعادوا جزءاً أساسياً منه. أرادت أن تكون في قلب الحدث. خلعت الحجاب. أبانت وجهها المتأثّر بندب المرض، من دون أن تخشى شيئاً. جمالها الخارجي ماثلٌ، أبداً، في قلوب محبّيها. ماثلٌ، أيضاً، في عقولهم وانفعالاتهم وأحلامهم الوردية. جمالها الداخلي أقوى. في خروجها إليهم، أشاحت عن نفسها جدار الابتعاد، ومشت نحوهم بخطى ثابتة، حاملةً معها قهراً دفيناً وفرحاً بانتزاع الحقّ من فم التنين.
لم يكن انتقاماً من التنين فقط. إنه مسعى حقيقي إلى الاندغام في شأن شعبي عام أيضاً. خروجها إلى الشباب في ذروة مقارعتهم التنين، دليلٌ على رغبة دفينة في قول متفلّت من أي قيد. هناك شيء من الثأر؟ لا بأس. التنين حاقد ومجنون ودموي. ما فعله بها، يتساوى إلى حدّ ما وأفعاله الدموية ضد شعب ومجتمع وبلد. لكن الثأر الفردي يتقوقع في زاوية ضيّقة، لأن الحراك الميدانيّ أبعد من أن يُختزل بمثله. الثأر الفردي جزءٌ من مشروع جماعي: الانتفاض ضد الطاغية، من أجل الحقّ الشرعي في حياة كريمة.
أقول المرأة، ولا أنسى الممثلة فيها. شيريهان لم تكن ممثلة مثابرة على الإبداع. أدوار سينمائية قليلة جداً جعلتها في مصاف الكبار. استعراضاتها الراقصة أكثر شعبية. حضورها على خشبة المسرح أيضاً. على الشاشة الصغيرة. لكن، هناك جانب آخر صنع بعض أسطورتها: حياتها. قبل إصابتها بمرض سرطانيّ نادر، عرفت شيريهان مساراً حياتياً بائساً. القهر والظلم لحقا بها منذ طفولتها المعذّبة. كلام كثير قيل، منذ طفولتها المعذبة تلك إلى مرضها والانتصار عليه. وبين المحطّتين، أخبارٌ لا تنتهي عن مأزق ونزاع وتعذيب ووحشية وعلاقات، وأشياء خفيّة سرت كإشاعات، قبل أن تنطق المرأة بشيء يسير منها. قالت إنها مستعدّة للبوح. البوح خطر. هذا جزءٌ من مواجهة سياسة نظام تهاوى عند أقدام شباب متحمّسين من أجل خبز معجون بالحرية، ومن أجل عيش كريم مبني على الهناء. شيريهان والنظام المصري: عنوان مفتوح على تاريخ من العلاقات المتداخلة بين السياسة والمال والنجومية. عنوان مفتوح على القهر السياسي، والفساد المالي، والانفتاح النجومي على الاحتمالات المتناقضة كلّها.
تُرى، ما الذي سترويه شيريهان عن علاقتها بعلاء مبارك؟ عن علاقتها بالنظام المتكامل الذي بطش بمصر ونكّل بها؟ عن «سقوطها» (اقرأ: رميها) من الطابق السابع؟ عن استعادتها حيويتها ونشاطها، قبل أن ينقضّ تنين آخرٌ على جسدها، متمثّلٌ بمرض سرطانيّ نادر؟ عن حقائق المسألة؟ عن أوهام وخفايا؟
رواية شيريهان فصلٌ من فصول بناء المرحلة المصرية الجديدة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى