صفحات سورية

الخـط المسـتقيم

null
جورج علم
أما الجديد في موقف وزير الخارجيّة وليد المعلم، هو ان المحكمة الدوليّة كانت مسيّسة في مرحلة من المراحل، وأن القاضي ديتليف ميليس سعى الى توريط سوريا. وأما العبر المستخلصة فأولاها ان العلاقة بين الرئيسين العماد ميشال سليمان وبشّار الأسد ممتازة ومميزة، لكنها لا تسري على تلك القائمة بين حكومتي البلدين، وأن استحضار الماضي للبناء عليه في الحاضر والمستقبل لا يتوافق مع الوعود والاستعدادات «الكلاميّة» عن علاقات شفّافة قائمة على الاحترام المتبادل، وإن تكليف زعيم الأكثريّة، ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري بتأليف الحكومة لم يحدث الصدمة الإيجابيّة المنتظرة، بل بقي القديم على قدمه، وبقي الرئيس فؤاد السنيورة في السرايا يصرّف الأعمال، ومعها اليوميات اللبنانيّة ـ السوريّة، وفق المسار الذي كان متبعا عندما كانت حكومته في عزّ فتوتها وشبابها.
طرأت متغيرات، منها قيام العلاقات الدبلوماسيّة وتبادل السفراء بين البلدين، لكن القديم بقي على قدمه، وتقدمت يوما المصالحة السعودية ـ السورية خطوات الى الأمام، إلاّ ان الحرارة في شرايين العلاقات حافظت على مستواها ما دون مقتضيات المصالح المتداخلة ـ المشتركة، وحصلت « فورة أمل» عندما تدافع الكلام عن زيارة يقوم بها الرئيس المكلّف الى دمشق فور صدور قرار تكليفه رسميّا، وإذ بالضغوط تنهال من كلّ حدب وصوب، من بلاد العم سام، وصولا الى بلاد الأهرام، ومرورا بعاصمة هذه الدولة او تلك، وكلّها رافضة ومحذّرة ومنبّهة من الانعكاسات والتداعيات.
ومضى شهران على حدث التكليف، من دون ان يتمّ التأليف، وبقيت الحركة على مستوى الداخل محصورة ببناء جسور الثقة، ولم ترتق مرّة واحدة الى المستوى الذي يمكن القول معه بأن الحكومة قد أصبحت على قاب قوسين او أدنى. وكان الرهان ولا يزال كبيرا على الخارج وفق توجهات بوصلة مشوّشة لم تدرك الاتجاه الصحيح، تارة كانت مرصودة على المصالحة السعوديّة ـ السوريّة، وتارة أخرى على التناغم الأميركي ـ المصري، ومرّة على دور فرنسي مقنع مع دمشّق ومنسّق مع الرياض، ومرّة أخرى على تطوّر إيجابي في الإطلالة الأميركيّة على الملفين السوري والإيراني. إلاّ ان الإسرائيلي كان ولا يزال يتصرّف وكأنه قد تمكن من سرقة كل الأضواء، وأثبت أن له اليد الطولى في كل ما يجري من تعطيل وتباعد وتنافر على الساحة الفلسطينيّة، وله بصمات واضحة في ما يجري في العراق، وبين العراق ودول الجوار، وله بصمات في ما يجري في صعدة ـ اليمن، وفي ما يجري من مدّ وجزر في التعاطي مع ما بات يعرف «بالحالة» في إيران وحولها، ودائما تحت شعار العمل على ضبط إيقاع الملف النووي، ومحاولة جعله دائما تحت السيطرة.
وأمام هذا المشهد العربي ـ الإقليمي ـ الدولي المأزوم ينظر بعض حلفاء دمشق الى هذا الخليط العجيب من العلاقات المتشابكة، والرهانات غير الموثوقة ليؤكد على النظريّة القائلة بأن الخط المستقيم هو أقصر المسافات بين خطيّن، فكيف إذا كان بين عاصمتين، وكيف إن كانت العاصمتان بيروت ودمشق؟
إن وضع عربة التأليف على هذا الخط ربما أفضت للوصول الى الهدف المنشود، لكن عودة شياطين التدخلات والضغوطات الى تحريك جلباب المحكمة ذات الطابع الدولي يعني أن فصلا جديدا قد فتح لكن على كيديات الماضي، وليس على تطلعات المستقبل، ليعود التحدي يطلّ من الباب الأوسع: هل المطلوب حكومة تعيش في كهوف الماضي أم تستشرف تحديات وتطلعات الحاضر والمستقبل؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى