صفحات سورية

دمشق تستعرض جوقة «المداحين الجدد»: .. يقولون فينا ما لا نعرف أن نقوله في أنفسنا

null
«لا نثق بالرماديين ماسكي العصا من الوسط.. ويمكن للمعارضة أن تربح الانتخابات»
نبيل هيثم
دمشق:
«لسنا نحن من قتل الشهيد رفيق الحريري..
هم اغتالوه، من أجل ان يغتالوا سوريا، فباغتيالها تسقط، او تـُزال من طريقهم، آخر قلعة عربية تعيق مشروعهم..
لقد أرادوا إلقاء القبض على لبنان، على سوريا، على الأردن، على العراق، على ما تبقى من فلسطين، وحتى آخر الدنيا العربية!
الذين اغتالوا الحريري هم أصحاب المشروع، هم يعلمون ذلك، ونحن أيضاً».
تلك هي الصورة في دمشق..
تلك هي الحقيقة في دمشق، لا بل هي «ام الحقائق كلها»: «لقد قتله أصحاب المشروع.. قتلوه ليقتلونا… دخلوا من باب عريض، سلـَّم مفتاحَه حلفاء ضعاف.. أصلهم أشقاء لنا، هكذا نحن افترضنا. وتشاركوا في سفك دمنا، ورمونا بسهامهم وخناجرهم وسيوفهم فكانت أشد إيلاماً.. لم نقل: سامحهم يا أبتاه، لأنهم لا يدرون ما يفعلون، لأننا مدركون أنهم يدرون ماذا يفعلون..
لقد ارادوا خنق النفس المقاوم، وإعدام كل قوى الممانعة.. واما سوريا فقد اختارت، وأرادتها حياة عزّ وشهادة وصمود»..
تلك هي الصورة في دمشق..
«صرنا وحدنا، هـُدِّدنا، حوصرنا، قوطعنا،عـُزلنا، وما تراجعنا. وثبتنا وأثبتنا، أننا دولة استطاعت أن تصمد أمام اخطر مؤامرة مرت في تاريخ امتنا..
فوجئ اعداؤنا بنا.. قالوا ان سوريا لن تصمد، وستسقط سريعا. وقيل لبعض الضعفاء الداخليين «ابشروا.. لقد جاءت فرصتكم الآن، سنهدم الهيكل على رؤوسهم في دمشق! هكذا وعدوهم. قالوا لهم: ستذهب سوريا.. فراهنوا وانحرفوا، وزادوا فتورطوا وانزلقوا.
هم قتلوه.. وارداوا «الحقيقة» من غير مكانها، قالوا ان سوريا بمقتل الحريري ستلبس تهمة قتله، فانصاعوا واتّهموا»!
«تقدم اصحاب المشروع، وضغطوا، وارتكبوا الخطايا. واما الداخليون، فانغمسوا من اعلى الرأس حتى اخمص القدم.. انسحبنا من لبنان، وكان هذا قرارنا، فكانوا اول الشامتين والشتامين. ومنّوا النفس بنجاح المشروع.. «قريبا سيسقط نظام بشار الاسد»، وانتظروا لتقاسم المغانم والغنائم، ولما دقت ساعة الحقيقة والجد، كانوا أول الهاربين..».
«صمدنا، وفرقة الإعدام متعددة الجنسيات العربية قبل الغربية، تصوِّب علينا، بالسلاح، بالإعلام، بشهود الزور، بالاقتصاد، بالحصار.. صوبوا على رأس سوريا، وصوبوا على رأس المقاومة في لبنان. واما ادوات المشروع فوظفوها كمكبرات للصوت لمهمة تهويلية، وبعض هؤلاء أخرجوهم من السجون، وجندوهم فوراً».
تلك هي الصورة في دمشق..
«صمدنا، وانكسروا. وجاؤوا الينا ليس محبة بنا. مصلحتهم هي التي ضربتهم على أيديهم ورؤوسهم ليحدوا من خسائرهم، ولم يكن ذلك الا بسبب الظروف التي فرضت على اصحاب المشروع ان يعيدوا النظر في كل خطواتهم..
جاؤوا الينا، لا بل اسرعوا الينا، وتحدثوا معنا تارة بالفرنسية، وتارة بكل اللغات الاوروبية، وتارة بالانكليزية وأخيراً، وهذا ليس آخر بالأميركية. نحن فرضنا ذلك عليهم، نحن والمقاومة في لبنان. والاميركي الذي كان يجرّهم كلهم، وصل الى مرحلة وجد نفسه فيها عاجزاً عن ان يستمر بتلك السياسة، لقد نفّسنا حلم جورج بوش..
أراد الاميركيون الحوار معنا، فاستجبنا، جاؤوا الينا وتناقشنا معهم، وقلنا كلمتنا بقوة وثقة، نحن لم نتغيّر، هم تغيّروا، ولمسوا لمس اليد بأننا اقوياء ولسنا ضعفاء.. إنه صمودنا، انها «حرب تموز»، لقد انهزم المشروع، ارادوا «شرقهم» الاوسط الجديد، لكن «حرب تموز» أعدمت كل المشروع.. «حرب تموز» خلقت حالة ذهول في الوضع الأميركي والإسرائيلي وبشكل عميق، والعدو يعاني منها بشكل كبير جداً.. هو يكابر ويهدد، ولكنه يعاني..».
ذلك هو ما تقتنع به دمشق.
مطمئنون جدا في سوريا.. «أصلاً، ومهما قالوا وفبركوا، نحن خارج دائرة الاتهام». تعاونا الى المدى الأبعد مع لجنة التحقيق الدولية، والمعطيات المتوفرة في يد السوريين جعلتهم وتجعلهم غير عابئين بكل ما حيك ضدهم في لبنان.
يعتبرون في دمشق، أن المسألة بلغت حدّها الفاصل، وثمة عد عكسي قد بدأ. وينتظرون حدثاً حاسماً قريباً، ويجزمون «سيطلق الضباط الاربعة المعتقلون، قبل نهاية الشهر الجاري». هؤلاء الضباط أبرياء من دم الحريري.. سجنوهم على خلفية شهادة زور لإشراك سوريا بالجريمة. وأما الآن فقد ذاب الثلج، وستسلك القضية مساراً آخر، حتى أن أصحاب المشروع باتوا مقتنعين بأن الاتهامات ستذهب إلى وجهتها الحقيقية، الى المجرمين الحقيقيين في بلاد العرب والغرب!».
يقال الكثير في المجالس الدمشقية.. حول هذه المسألة، والسيناريو المنتظر قبل آخر نيسان يبدأ بقرار من مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بيلمار بالإفراج الفوري عن الضباط الأسرى..
يتذكرون، وهنا تنفع الذكرى، أن لجنة التحقيق الدولية وأثناء عملها في لبنان، نأت بنفسها عن قضية الضباط الأربعة، ولطالما اعلنت ان ليست لديها أي صلاحية للبت بمصير الضباط الموقوفين، ولطالما اكدت ان هذه الصلاحية عائدة للقضاء اللبناني.. لقد تم توقيفهم بناء لتوصية القاضي الألماني ديتليف ميليس. ولطالما تبرأ خلفاه سيرج براميرتز ودانيال بيلمار من خطوته، وأقرا بأن ميليس ارتكب مخالفة قانونية، ورفضا أن يماثلاها بمخالفة قانونية مثلها، تشرّع مخالفة ميليس، حتى ولو كان من شأنها ان تؤدي إلى إطلاق سراح الضباط.. وهناك حديث عن إخضاع ميليس للمحاكمة..
اما وان المسألة قد خرجت من يد القضاء اللبناني «الملتزم بتوصية ميليس». وأصبحت في يد من اعتبر أن ميليس ارتكب مخالفة، فإن الطبيعي جداً الا يشرع بيلمار مخالفة القاضي الالماني، وبالتالي يتخذ قراره ببطلانها وإطلاق سراح الضباط.
متفائلون في دمشق، وتفاؤلهم معزّز بـ«رأي لبناني» وقفوا عليه من شخصية عارفة ومطلة على تفاصيل بالغة الدقة في هذا الملف، تضع اطلاق الضباط في حكم المبتوت قريباً، وترى ان طلب اخذ الملفات الموجودة لدى القضاء اللبناني الى لاهاي، هو طلب شكلي، فلجنة التحقيق الدولية، لم تكن مكتوفة الأيدي خلال وجودها في لبنان، بل هي قامت بتحقيقاتها الخاصة، وكونت ملفاتها وأجرت تحقيقاتها من لبنان الى سوريا الى السعودية والى العديد من الدول الأخرى، وأبرزت ذلك في تقاريرها. وأصلاً عندما حققت اللجنة مع الضباط الأربعة، دخلت الى بيوتهم، وأخذت منها كل المتعلقات التي تريدها، وكل المستندات وجوازات السفر.. وأكثر من ذلك، أخذت كل ملفاتها معها إلى لاهاي. والأكيد أن مطالعة بيلمار قد تكون منتهية، والأكيد أيضاً انه كوّنها بناء على الملف الذي أعدّته لجنة التحقيق الدولية.. ثم أن العلامة الأكثر من ايجابية، هي ان لجنة التحقيق الدولية، وقبل افتتاح المحكمة مطلع آذار الماضي، طلبت الى القضاء اللبناني أن يسلـِّم فوراً كل متعلقات الضباط، وقد تمّ ذلك. وقد وردت هذه المسألة في سياق الرأي المذكور، على انها اشارة بالغة الدلالة ومقدمة الى اعلان براءة الضباط مما الصق بهم..
ولكن ماذا عن الادعاء الشخصي، هل يمكن ان يعيق اطلاق الضباط فيما لو قرر القضاء الدولي إطلاقهم؟
اهم ما تنبه اليه الشخصية العارفة، هو ان لا مكان للادعاء الشخصي، وفي ملف بات من صلاحية المحكمة الخاصة بلبنان. وتكشف هذه الشخصية، عما سمتها «معركة» حصلت قبل أسابيع بين «جماعة التوقيف»، وبين القاضي بيلمار، الذي رفض بشكل قاطع ان يكون احد غيره او غير قضاة المحكمة، المرجع وصاحب قرار البت بهذه المسألة.
خلاصة الكلام هنا، ان الضباط سيفرج عنهم، مواطنين كاملي الحقوق، ومن لبنان، ولن يتم نقلهم إلى لاهاي.. وعندها ستدخل الصورة مدار الوضوح الكبير «فقد استولوا على البلد بناء على كذبة، والبــناء الذي يقومون علــيه منذ الـ2005 وحتى اليوم، قائم على اساس كذبة، والطبيعي عندما ينهار الأساس أن يتداعى كل البناء».
الانتخابات في العين السورية
على مقربة من هذا النقاش، يبرز عنوان لبناني سوري، يحتل حيزاً مهماً وواسعاً وعلى اختلاف المستويات في سوريا..
طريق بيروت ـ دمشق، سالكة على الخطوط كلها، ولأن الموسم هو موسم انتخابات نيابية ونمر زرقاء ووجاهات، ترى «شبوبية طالعة» و«شبوبية نازلة» والعاشق يسبق المشتاق!
والعين السورية على الداخل اللبناني ملمة بأدق التفاصيل السياسية والانتخابية، والمتابعة حثيثة، وأما الأذن السورية، فتسمع: أسماء تطرح اسماء، واسماء تسحب اسماء، واسماء تعتب على اسماء، واسماء تفضّل اسماء على اسماء.. واسماء تضع فيتو على اسماء ، واسماء تشهّر باسماء، وهكذا..
العين ترى، والأذن تسمع، ولكن لا دخول، أو تدخل مباشراً، فالملف كله بيد الحلفاء في لبنان، هم المعنيون، هم يديرون، هم يقررون، وهم واثقون بأنهم سيفوزون في انتخابات 2009، فلقد حدث تغيير جذري و«أصبح عاليها واطيها».
تلك هي الصورة في دمشق..
«الأرقام، التحليلات، القراءات، المعطيات، الاستطلاعات، الواقع، الوقائع، الظروف، المناخ، كل ذلك يؤشر إلى أن المعارضة اللبنانية ستربح الانتخابات، ونحن نرى أن على المعارضة أن تربح الانتخابات، هي أمام امتحان، والسابع من حزيران هو اليوم المنتظر، لا بل هو اليوم الفاصل زمنين و«لبنانين». ونحن نعلم أن المعارضة ستخوض المعركة في كلّ الدوائر، وبوتيرة تنافسية عالية، لتربح، وإن لم تربح، فعلى الأقل تؤكد أن المكان ليس للآخرين وحدهم.
صحيح، أن الانتخابات، آتية بعدما تلقى المشروع الخارجي ضربة كبرى على رأسه في حرب تموز وغزة و7 أيار، وبعدما سلـّم الأميركي بأنه لم يعد يملك ان يفعل شيئاً لحلفائه، ولذلك يجب أن تربح المعارضة، وخسارتها ان وقعت، معناها إعادة الحياة لذاك المشروع، وفتح الطريق مجدداً لمحاولة جديدة للرهان عليه، ومن ثم العودة إلى دوامة الضغط على سوريا ولبنان والمقاومة من جديد.. ولذلك حذار التناقضات والخلافات في داخل المعارضة، ولا يجوز على الإطلاق أن يستمر التباين، او بالأحرى أن يكون هناك تباين في الأصل..
ونحن نعلم أن ربح المعارضة الانتخابات لن يجعلها تسترخي، فالربح مهم جدا، لكن الحفاظ على هذا الربح هي الأهم، بل ان ذلك اكثر من مطلوب وملح وواجب، وأياً كان حجم الربح، ممنوع النوم على حرير، ويخطئ من يعتقد ان المشروع قد انتهى بالكامل، فالهجوم الاول الذي تعرضنا له على الاقل منذ الـ2005، شُنَّ علينا، بعدما ظن أصحاب المشروع انهم انجزوا كل التحضيرات اللازمة من اجل تحقيق الهدف، ودخلوا علينا بهجومهم، ولكنهم فشلوا، لانهم قدروا واقع الأرض على غير حقيقته، لم يأخذوا واقع الارض في الاعتبار، نظروا اليه بمنظار سطحي ولذلك فشلوا. ومن هنا يجب الا ننام على حرير فقد يكون المشروع نائماً حالياً وفي طور إعادة الصياغة، ومن ثم اختيار الوقت وخلق المناخ للتنفيذ.. يجب ان نبقى مستعدين.. يجب ان تبقوا مستعدين، جاهزين، قد يحاولون تخديركم، قد يحاولون تبنيجكم، قد يحاولون الالتفاف عليكم، قد يحاولون خلق موترات وافتعال توترات في ساحتكم.. فانتبهوا وتحصنوا».
تلك هي النصيحة من دمشق..
العين السورية ترى دقائق التفاصيل اللبنانية، ترصد بعض «الاستدارات» اللبنانية، تقيّمها وتضع ملاحظاتها.. وأما أكثر ما يزعج سوريا في هذه الايام، فهم من تصفهم بالرماديين، الممسكين بالعصا في الوسط، وباتوا كثرا هذه الايام، ومن هؤلاء من خلع ثوبه ولبس ثوباً يتماشى مع السنوات الثلاث الأخيرة، ويحاولون اليوم لبس ثوب جديد، في العلن يرسمون حدودهم «نحن لا مع هذا ولا مع ذاك»، وفي الخفاء يتوددون ويراسلون ويسبقون حلفاءنا الطبيعيين في لبنان، ويقولون فينا ما لا نعرف ان نقوله نحن في انفسنا، ويحبوننا اكثر مما نحب انفسنا. انه امر مزعج جداً ان يغادر البعض موقعه، ويذهب الى الموقع الآخر، ويتبنى خياراته السياسية بل يسبقه في خياراته، وعندما يدور الدولاب، يأتي ويقول: «والله انتو يا ســوريين جماعة كويسين».. دمشق لا تثق بمن يمسك العصا في الوسط، دمشق تثق بمن وقف معها. وهم معروفون.
الخلاصة: سوريــا خرجت من عــــنق الزجاجة، وأما الآخرون، كل الآخرين، فقد علقوا فيها..
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى