صفحات سوريةمعن عاقل

معن عاقل الصحفي السوري يحاور رئيسه الاسد

null
قرأت حديث السيد الرئيس بشار الأسد لصحيفة وول ستربت جورنال أكتر من ثلاث مرات وبتأن فائق وانتظرت أكثر من أسبوع لأتخذ قراراً بالكتابة والتعليق عليه وبصراحة:
أولاً: خوفاً…. لكن ليس من سيادته… وإنما من أجهزة أمنه.. وأنا هنا أحرص على التفريق بينها.
وثانياً: بسبب الفرق بين مصادر معلوماته المستندة إلى مؤسسات حكومية وأمنية وإعلامية وبين مصادر معلوماتي من خلال معايشة الناس البسطاء.
ثالثاً: بسبب تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة هيلاري كلينتون التي عادت للتبشير برياح الديمقراطية على المنطقة في صيغة تهديد كامنة لبعض دول الشرق الأوسط.
لكن بعض عباراته شجعتني: فاليأس بحسب سيادته مرتبط بعاملين داخلي وخارجي، الداخلي هو ما نلام عليه كدول ومسؤولين… وإذا كنت تريد المضي في الديمقراطية فيجب إشراك الشعب في صنع القرار وتبدأ بخلق حوار… والحوار ممارسة عليك أن تدرب نفسك على كيفية إجرائه… وعندما يكون لديك إصلاح لابد أن يكون إصلاحاً وطنياً.
عباراته تلك شجعتني لأن فيها أولاً اعتراف بأن هناك ما يلام عليه المسؤولون لا يصدر إلا عن رئيس مسؤول، ثانياً لأنني قررت أن أبدأ حواراً وأتعلم الحوار مستنداً إلى تاريخنا الوطني الذي هو تاريخ الحضارات وحوارها رغم مرور عقود من التباهي بهذه الميزة بالتزامن مع الانقطاع والتوقف عن ممارستها، ثالثاً، لأنه أكد على رابط الإصلاح بإشراك الشعب في صنع القرار.
بداية سأتناول شعور اليأس لدى الموطن السوري، وهو شعور لا ينبع جوهرياً من فشل عملية السلام ولا من الموقف الوطني المقاوم للسياسة السورية، وإنما هو ينبع أساساً من التناقض بين المواقف الخارجية المنسجمة مع الوجدان الشعبي، والسياسات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، ما جعل المواقف الخارجية في لحظات الأزمات تبدو معلقة في فراغ.
وسأروي هنا أربع وقائع توضح الصورة:
قبيل سقوط بغداد، دخلت إلى مقصف جريدة الثورة، فوجدت أحد الزملاء يفرك يديه ويتأفف ويتأوه، وعندما سألته عن السبب أوضح أنه قد يستدعى الى الخدمة الاحتياطية، فقلت له مستغرباً: وماذا في ذلك؟ إذا واجهت سورية محنة الاحتلال الأمريكي سنكون جميعاً في المواجهة داخل الجيش وخارجه، فرد علي بعصبية مفرطة وحرفياً: وإذا جرحت إصبعي فعلى حساب من؟ على حساب عبد الله الأحمر أم رامي مخلوف؟!!
ويوم سقوط بغداد دخلت الى معاون المدير العام وقال لي في نهاية الحوار: آخ آخ يا أستاذ أتمنى لو أستطيع العودة إلى قريتي لأربي عنزتين وبقرة!! رددت عليه عندئذ: جئت إلى دمشق، وعشت فيها كل هذا الزمن، ووصلت الى مرتبة معاون مدير عام، وفي لحظة، لحظة واحدة صارت أمنيتك أن تعود راعياً في قريتك!! سبحان الله مغير الأحوال.
أيضاً في أوج الضغوط الأمريكية على سورية، كنت في فرع هيئة مكافحة البطالة بحلب، جاء بدوي يحمل أوراقاً وطلب مني أن أساعده في الحصول على قرض، تفحصت أوراقه وسألته: كيف ستسدد القرض يا عم؟ أجابني: يا خوي أنا ماراح سدد القرض؟ قلت له: وهل هناك من يعطيك قرضاً دون أن يضمن سداده؟ فرد علي ضاحكاً: يا خوي، بكرة تجي أمريكا ويروح القرض معها.
ومؤخراً، بعد بداية الثورة المصرية، جلست مع مسؤول حكومي رفيع سابق، وهو صديق لبعض قادة الأجهزة الأمنية، قال لي حرفياً: أعطانا الشعب السوري الكثير من الفرص وتحملنا كثيراً، وأضاف في معرض الحديث عن إحدى المشكلات: لا يوجد إدارة حكومية في العالم تحتقر مواطنيها مثل الإدارة الحكومية السورية.
بالتأكيد هذه ليست كل الوقائع التي يمكن سردها، لكنها الأكثر دلالة وقد اخترتها من سويات مختلفة متنوعة بحيث لا يمكن لأحد ردها إلى خصوصية ما، ولذلك يمكن القول إن المواقف السياسية الخارجية الوطنية والمقاومة لا تكفي، وتحتاج فعلاً إلى مشاركة في صنع القرار، والاهم إلى إصلاح وطني، حتى لا يأتي يوم نكتشف فيه أن الأثقال التي نرزح تحتها في الداخل من فساد وفقر وغياب للعدالة قد أزهقت في مواطنينا كل روح وطنية ومقاومة.
في حديث سيادة الرئيس تطرق إلى ما يمكن تسميته شروط التغيير والإصلاح، ومنها الركود وما يرافقه من تلوث وميكروبات، وانغلاق العقول وما يقود إليه من تطرف، والارتباط بمعتقدات الناس وثقافتهم ومصالحهم وبناء عليه، استنتج سيادته أن من الواقعية انتظار الجيل المقبل لجلب الإصلاح الذي نطمح إليه.
وبما أنني اليوم بدأت أتعلم الحوار أولاً، مع سيادته بوصفه رئيساً للجمهورية، وثانياً، بوصفه موطناً سورياً من الشعب كما قال في خطاب القسم.
فإنني أسمح لنفسي بالتعبير عن رأيي والقول إن الشعب السوري فعلاً عاش فترة من ركود طويلة وأن مستوى التلوث والميكروبات ارتفع، لكن لماذا الخشية من الفيضان؟ ولماذا لا يقود سيادته هذا الفيضان؟ ألم يكن من فيضان النيل والفرات هو الذي يزيد خصوبة الأرض؟ أليست مكاسب الفيضان أكبر بكثير من المستنقعات؟ أليس الركود وانقطاع الفيضانات هو سر انغلاق العقول؟ أليسا هما سر الفساد المستشري؟
والمؤسف أن حياتنا اليومية والسنوية والعقدية مترعة بالأمثلة أفراداً وجماعات ومؤسسات فمثلاً: يدخل صحفي إلى مكتب رئيس التحرير ويقول له أريد أن أصبح أميناً للتحرير فيسأله لماذا؟ يجيب ببرود وثقة بصراحة لأنني أريد استلام سيارة، وبالفعل يصبح هذا الصحفي أميناً للتحرير في شأن لاعلاقة له به من قريب أو بعيد، فقط لكي يحصل على سيارة.
مثال آخر: مولت هيئة مكافحة البطالة نحو 20 ألف مشروع، وجرى القضاء عليها في منتصف عمرها دون سبب وجيه وبعد أن أبدى المسؤولون الحكوميون إعجابهم بها على صفحات جرائدهم مؤكدين دعمهم لها، وأقول دون سبب وجيه لان ثمة باحث محايد من حماه قدم دراسة أكد فيها أن نسبة المشروعات التي استمرت دون احتساب المشروعات المنقولة من مكانها بلغت 65% أي نحو 13 الف مشروع، ودون استمرار رقابة الهيئة على المشروعات الممولة، لتتحول هذه الهيئة إلى هيئة للتدريب والتشغيل بكادر إداري لا عمل له، ولتتحول إلى مجموعة فرص عمل تستوعب بطالة مقنعة، علماً أن مخصصاتها لخمس سنوات كانت فقط 50 مليار ليرة سورية، أي نحو مليار دولار، والمصيبة أن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل كانت أول من امتدحت التجربة، وأول من انقضت عليها، وأول من ابتكرت هيئة بديلة للتدريب والتشغيل عملها، بحسب تعبير أحد مدراء فروعها، كش ذباب بعد أن كانت خلية نحل.
مثال آخر: منذ سنوات، جاءت هيئات أوربية مانحة لدعم الاطفال الذين يتعرضون للعنف وإنشاء مراكز لهم، فرفضت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بحجة عدم وجود عنف ضد الأطفال في سورية في حين أن بعض الجمعيات الأهلية في سورية تؤكد أن أطفال الفقراء يجبرون على العمل في الشوارع وأماكن أخرى، وهذا أول عنف ضدهم، تلتقطهم الشرطة وتضعهم في مراكز لإعادة التأهيل، وهذا ثاني عنف، يأتي ذووهم ويأخذونهم ويعيدونهم إلى الشارع وهذا ثالث عنف، لكن الوزيرة التي يبدو أن خط سيرها اليومي لا يمر في أحياء فقيرة أو أن زجاج سيارتها مغطى بالستائر، لم تكلف نفسها حتى عناء البحث لدى دائرة الإحصاء في وزارتها أو وزارة الداخلية، ولم تكلف خاطرها زيارة حتى أحياء الفئات المتوسطة، فما بالنا بالفقيرة!
بالتأكيد، الأمثلة لا حصر لها في جميع الوزارات والمؤسسات بلا استثناء، ووصل الأمر بأحدهم أن طلب مني متابعة ما يجري في منفذ السبينة الجمركي، حيث يأتي كل يوم قطار مؤلف من نحو ثلاثين قاطرة، يجري تخليصها من قبل أربعة موظفين فقط، ولمخلص جمركي بعينه، أي يجري تخليص نحو 15 بيان جمركي على الأقل في حين أن مراكز أخرى لا تخلص في الشهر الواحد أكثر من بيانين، مضيفاً أن هناك مبلغاً كبيراً يدفع على كل بيان جمركي، ومحذراً في الوقت نفسه من أن القائمين والمستفيدين من هذا المركز لن يتورعوا عن قتلي إن حاولت فضح الأمر لأنهم على علاقة بمراكز نفوذ كبرى!!.
إذاً اليأس وانغلاق الذهن يتغذى بشكل رئيسي من حياتنا اليومية، أو الأصح من الأنابيب الشعرية لحياتنا اليومية، من الفساد ونقص الحرية، وليسمح لي السيد الرئيس بالقول إن انغلاق الذهن وفزاعة التطرف هما النتاج الطبيعي للفساد ونقص الحرية، أما منة الأمن والأمان التي يلوح بها الكثيرون في وجوهنا، فهما مفهومان يحتاجان إلى شرح مستفيض، لأنه يجري على الدوام تقزيمهما إلى مظهر واحد من مظاهرهما دون الرجوع إلى جوهرهما، سيما حين نسمع البعض يقولون أننا نستطيع المشي في الشوارع والتنقل رجالاً ونساءً وأطفالاً بأمان، متناسين تماماً أن الأمن والأمان الحقيقيان هما تامين المأكل والملبس والمأوى بكرامة تليق بالمواطن وتامين الدواء المراقب والخدمات الصحية، والأهم تأمين الحرية في التعبير والرأي، وبهذه الطريقة لن نخشى على مستقبل أطفالنا ووطننا، ولن نخشى تحديات الخارج مهما عظمت، ولن نخشى على حقوقنا الوطنية من الضياع، ليبقى المشي في الشارع بأمان وفي كل الأوقات هو تحصيل حاصل، وليس نتاج خوف من أجهزة الأمن، وليس نتاج ثقافة خوف تتغلغل فينا أفرادا ومؤسسات، والدليل أن سيادته نفسه أفصح عن هذه المخاوف عندما تحدث عن الفيضان إن أجرينا تحولات سريعة.
على أية حال يعتقد السيد الرئيس بشار الأسد أن الأمر لا يتعلق بالوقت، إنما بالأمل وأن الناس صبورون في منطقتنا، وبالفعل أثبتت الوقائع أن الشعب غفور وأنه مستعد للتحمل، لكنه أثبت أيضاً أنه غفير، كما أثبتت التجربة ان اول شيء ينهار تحت ضرباته هي الأجهزة الأمنية، تلك التي تحصل غالباً على الحصة الأكبر من الميزانية ومن صفقات الفساد، بل وأكثر من ذالك.
في سورية، هي واحدة من الأدمات المولدة للفساد، لأن معظم المفاصل الإدارية الحكومية، كبيرها وصغيرها، تخضع لموافقتها في ظل تغييب شبه مطلق للجهات الرقابية القانونية والقضائية والتشريعية الخاضعة بدورها تعيناً ونظاماً ومصالح لتلك الأجهزة، وسأحرص هنا على إيراد من أمثلة معروفة جيداً للجميع، فذات يوم اقر السيد الرئيس بشار الأسد بوجود أخطاء في لبنان، ومع ذالك لم يحاسب أحد وأيضاً، في برنامج حقيقة ليكس على قناة الجديد وردت شهادات حول تورط ضباط استخبارات سوريين بصفقات فساد، ومع ذالك لم يحاسبهم أحد، ولم يكلف أحد نفسه عناء عناء إصدار بيان رسمي يوضح أن ما جاء في تلك الاتهامات غير صحيح، ومازالوا مؤتمنين على أمننا، والمشكلة الأكبر أن معظم السوريين حتى أكثرهم تأييداً وأكثرهم مصلحة في استمرار الوضع القائم والأكثر هم فساداً، يطرحون آراءهم وتذمرهم في الأورقة الخاصة، تلك التي لا يعبأ بها الإعلام، لأنه مشغول بترويج رأي عام زائف، قلة هم من يقرؤونه ويشاهدونه ويستمعون إليه لدرجة أن بعض العاملين في الصحف الحكومية والخاصة لا يقرؤون إلا ما يكتبون، وأحياناً حتى ما يكتبون.
في برنامج البلد بارك على قناة المشرق، وبعد أن قدمت إحدى الفنانات التشكيليات برتوكول الطاعة، اعترفت بالفساد المستشري ونوهت إلى أنه من حسن النظام السوري أن معارضته هي عبد الحليم خدام وجمال خدام، ولم تتجرأ على ذكر رفعت الأسد، فرد عليها مقدم البرنامج ان ذلك من سوء الحظ، وفعلاً من سوء حظنا أن المعارضة، إن صحت تسميتها، هي عبد حليم خدام وأبناؤه ورفعت الأسد وبعض أبنائه، لان هؤلاء لا يقنعون أطفالاً في سورية، لكن سوء الحظ يتحول إلى شبه كارثة في الداخل السوري، ففي أية انتخابات صغيرة أو كبيرة، نقابية أو تشريعية أو محلية أو حزبية، الفوز مضمون لرموز الفساد، لأنه جرى وعبر عقود تفريغ كل شيء من محتواه فلا قوى اجتماعية أو اقتصادية أو مدنية أو نقابية أو سياسية تواجه هؤلاء الرموز، ليس أمامهم أية تحديات في ظل ثقافة “من يتزوج أمنا نسميه عمنا”.
لا تحديات إمامهم إزاء أفراد لم يعودوا يشعرون بأنفسهم كمواطنين، إنما مجرد أفراد لا يحق لهم التفكير والحوار، لا يحق لهم تعلم الحوار لأنهم إن أصابوا أو أخطأوا سيطحنون فلا قضاء ينصفهم، ولا إعلام يتجرأ على تبني قضيتهم وسيتندر من يعرفهم بسيرتهم لأنهم تدخلوا فيما لا يعنيهم، وخرقوا قاعدة وضع الرأس بين الرؤوس، كأن الوطن مجرد قطيع رؤوسه متشابهة ومرعاه واحد، وثغاؤه واحد في كل القضايا وجميع الأمور، لدرجة أن إحدى السيدات عَلقت على أحداث مصر وسورية بأن لها مطلب واحد في سورية مطلب واحد وبسيط، أن تستطيع مقاضاة أي موظف يخل بوظيفته، فتصور يا سيادة الرئيس أي نفق نعيش فيه، وتصور أي ضوء ننتظره في نهاية النفق، وتصور كم دعوى قضائية قد ترفع هذه السيدة إن اكتسبت هذا الحق البسيط جداً وهل يحتاج هذا الأمل فعلاً إلى الوقت وإلى انتظار جيل قادم؟!!
وبالفعل كما قال سيادته، النقطة الأكثر أهمية في أي إصلاح هي المؤسسات، فلا ديمقراطية دون مؤسسات، وحقاً إذا كنا نريد التحدث عن الديمقراطية والمشاركة ينبغي أن يكون من خلال المؤسسات لذلك لابد من تحسين وتطوير هذه المؤسسات.
لكن السؤال الجوهري هو كيف؟ فلدينا مؤسسات، والأصح تخمة مؤسسات، لكن ما مدى فعاليتها؟ ما مدى فعالية المؤسسات الإعلامية؟ ما مدى فعالية مجلس الشعب وما مدى قدرته على المحاسبة؟ وما مدى فعالية القضاء والسلطة القضائية واستقلاليتها؟ وما مدى فعالية النقابات والاتحادات؟ والحقيقة إن فعالية هؤلاء لا تساوي الحبر الذي يمكن أن نضع به صفراً على شمال أي عدد أو رقم مقارنة بفاعلية الأجهزة الأمنية وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، والأهم فاعلية مؤسسة الفساد التي أسميها مؤسسة الظل.
ما مدى فاعلية مشاريع التطوير والتحديث خلال السنوات العشر المنصرمة؟ وهل يمكن لأي مواطن أن يستفيد من مشروع أتمتة الجمارك مثلا؟ أو الإدارة المحلية أو المصالح العقارية أو غيرها؟ ألا يحتاج إلى معاملة وتعقيدات ربما تفوق أحياناً تعقيدات ماقبل الأتمتة؟ وهنا لن أسرد أمثلة لأنها أكثر من أن تعد وتحصى ولأن لدى كل مواطن يتعامل مع المؤسسات مثل هذه الأمثلة.
المشكلة إذاً، ليست في نقص المؤسسات، ولا في ضيقها أو سعتها، المشكلة هي أن هذه المؤسسات قامت على أسس عفا عنها الزمن، قامت على تجفيف منابع القوى الاجتماعية وتغييب المجتمع المدني، قامت على مفهوم الشعب القطيع وهتافات بالروح والدم نفديك قامت على تعليق كل مشاكلنا وهمومنا اليومية على شماعة الوطن والوطنية والتحديات الخارجية، قامت على صناعة ثقافتين، ثقافة ثقافية ملتصقة بالسلطة لا وجود لها هذه الأخيرة منذ المرحوم أحمد اسكندر أحمد وحتى الآن، وأخرى، اجتماعية اقتصادية تتمثل بإعادة إنتاج الثروة وتوزيعها بطريقة غير قانونية وغير شرعية، لكنها اكتسبت قوة العرف لدرجة أنها أصبحت أقوى من القانون والشرعية، وأضيفت إليها مؤخراً بالتزامن مع الانفتاح ثقافة الفهلوة والشطارة التي تجمع بين الثقافتين وختام المشهد فقر وإفقار واستبداد وانغلاق وتطرف، وفوق ذالك خوف من الفيضان، في حين أن ما يهددنا هو الطوفان…. لذلك أقول لكم يا سيادة الرئيس:
أنت اليوم ربان السفينة، والفيضان هو الحالة الوسط بين الطوفان والركود، فلتقد السفينة في الطوفان، ولتكن ربان الحركة التصحيحية الجديدة، ربان الحرية والخبز، فسوريا من أغنى البلدان العربية وهي تكفي الجميع، فيها ما يكفي لتبييض صفحة الماضي والحاضر وصناعة المستقبل، فيها مقومات الحوار والسلام والأمن، أما هتافات بالروح والدم نفديك فقد أثبتت الايام والوقائع انها مجرد ثغاء قطيع في لحظات الخوف، أما أجهزة الأمن المتضخمة والمتورمة فأثبتت أنها مجرد هياكل لا تحتاج إلى أكثر من أسبوعين او ثلاثة لتنهار، وأما الجيوش فهي لحماية الأوطان والشعوب، وأما الإعلام المطبل والمزمر فإنه في الأزمات ليس إلا ثرثرة وهذر أمام قناة الجزيرة وأما سقف الوطن فهو أعلى بكثير من تقارير مؤسساتنا وتصريحات مسؤولينا، بينما مشجب المقاومة والصمود والتصدي يدفع حتى بسطاء الناس للتساؤل عن سبب ازدياد ثروة القلة مع كل جولة مواجهة في حين يزداد فقر الأغلبية.
لتقد السفينة ولتكن الربان يا سيادة الرئيس فكل أموال الأرض لا تعادل الأيام الأخيرة التي عاشها مبارك وزين العابدين بن علي، ولا ندري من سيعيشها أيضاً، وصدقني يا سيادة الرئيس أن صديقك من صدقك القول وليس من صدقك، فسيادتكم حتى الآن رمز كرامتنا وبطانتكم رمز فسادنا، وحتى الآن الشعب والجيش معكم، فلا داعي للخوف من المستقبل، لا داعي لتضييع فرصة تاريخية لإجراء تحولات حقيقية تضمن أمننا وأماننا، تضمن أمن وأمان حتى أولئك الذين أفسدوا على نطاق ضيق، لأن التجربة أكدت أنه لا أمان لمال مسلوب خارج أو داخل حدود الوطن، ولا أمن لأولئك الذين اضطهدوا شعوبهم، وميثاق الشعوب والثقافات الخاصة لا يتناقض مع ميثاق الإنسانية وميثاق الأمم المتحدة، وجميع الشعوب لها معتقدات وثقافات خاصة، لكنها بالتأكيد تغتني وترتقي كلما تفاعلت مع عصارة الثقافة الإنسانية الشاملة.
لتقد يا سيادة الرئيس السفينة في الفيضان، فشعبك أذكى بكثير مما تصوره وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، وأذكى مما يعتقده الفريق الحكومي والأجهزة الأمنية، وأذكى من صفقات رجال الأعمال ومراكز النفوذ، لذلك يمكن أن تثق به كما يثق بكم.
أعلمُ يا سيادة الرئيس أن الأجهزة الأمنية ستعمل على اعتقالي بعد نشر هذه المادة، لأنها سبق أن فعلت، فقط بسبب سؤال صحفي، فتصور يا سيادة الرئيس هذا الوطن الذي يضيق بسؤال، تصور أن يبقى هذا السؤال يلاحق صاحبه طيلة حياته، أهذا هو الوطن الذي سنبنيه؟ أهذا هو ميثاق ثقافتنا؟ وبالمناسبة أتمنى على سيادتكم أن توافقوا على طلبي إجراء حوار صحفي معكم ولصحيفة الثورة حتى نعيد الاعتبار والثقة لإعلامنا فهناك الكثير من الأسئلة التي تمثل نبض الناس والشارع وتحتاج إلى إجاباتكم، هناك الكثير من التفاصيل التي تحتاج إلى حوار.
سيادة الرئيس، صندوق المعونة الاجتماعية ليس إصلاحاً ولا يقنع أحداً، لأنه لا يعادل إلا أكثر قليلاً من ربع اشتراكات شركة الخليوي خلال عام واحد، وتخفيض أسعار بعض المواد الغذائية دفعت الناس للتساؤل عن سر غلائها أصلاً إن كان هناك إمكانية لخفضها، والإصلاح المطلوب هو بالفعل الفيضان، فاختر السفينة ولتكن الربان المسؤول، لأن البطانة دوماً تحدثنا عن المواطن المسؤول والكلمة المسؤولة والإصلاح المسؤول، في حين لا يتطرق أحد إلى القائد المسؤول.
سيادتكم مسؤول أمام الشعب والتاريخ، ولهذا سمحت لنفسي كمواطن مسؤول أيضاً أن أصارحكم ربما بالوجه الآخر للحقيقة، حتى لا يأتي يوم نكتشف فيه أننا استثناء تاريخي مبكي ومثير للسخرية.
وبما أنكم تحدثتم عن ضرورة تعلم الحوار والبدء بالحوار، فها أنذا قد فعلت والله يستر.
معن عاقل
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى