جهاد صالحصفحات سورية

عشر سنوات من الطوفان …في سوريا قالوا لا

null
جهاد صالح
ويسقط القناع يوما بعد يوم.. أقنعة ملونة.. يقف بأقنعته أمام العالم العربي ويقول أنا هنا..أنا سليل عدنان وقحطان.. أنا بوابات دمشق التي تمانع وتتصدى لأسرائيل؟ يقف بعدها مع ظلاله أمام فارس ولحيته الغبارية، يتحالفان لأجل كسر ظهر بيروت ، وتخوين حلم عرفات، وهد الحلم العراقي بالارهاب..يجمع بعض عرب الأهواز المعارضين ويشحنونهم ألى سجون الخميني حيث مشانق الاعدام تنتظرهم. يزينون سماءاتهم بكلمات المقاومة، وهم الذين حولوا مفهوم المقاومة وتحرير الأرض لحصان وحشي يرهب به السلام والدولة وصوت الشعوب في الديمقراطية….باتت حقيقة العروبة وتحرير الأرض المحتلة خدعة سياسية شفافة!
أما الاصلاح والتغيير؟ فهما كابوس للحكومة السورية من القمة  وحتى  شرطي المرور..
ما زالت الأقنعة تعانق الوجوه.. فيما النظام حين يُحاصر رغم كل شيء، يجاهر باستبداده وحكمه البوليسي، ولا يعبأ بكل معاهدات حقوق الانسان التي وقعّها، ولا بكل الرسائل الدبلوماسية الخجولة. ولكن في الجانب الأخر أيضا نجد البعض من الملتحقين بركب المعارضة يمارسون سياسة االقناع، ودون أن يحرقوا أوراقهم في مخاضات من قالوا لا وألف لا، ويدفعون بأعمارهم وحياتهم ثمنا مقدسا على مذبح الحرية والوطن؟
طوفان في بلاد البعث
لم تأتي فكرة هذا الفلم الوثائقي من فراغ، لأن  المرحوم (عمر أميرلاي) عاشق الأمل والحرية، شهد حقب طويلة من القمع والظلم، وكيف تحولت سوريا من دولة برلمانية، إلى ساحة سجون وفساد وأرهاب وطني. الطوفان بدأ منذ الثمانينات، لتصلب مدينة حماه، ولكن بقي الطوفان يسير بخطى جريحة، وفي عام 1986 استقبل صدر  المواطن الكردي (سليمان آدي) رصاصة قناص من الحرس الجمهوري الرئاسي ، حين أمر حافظ الأسد حرسه بأطلاق الرصاص على المتظاهرين الأكراد ، اثناء أحتجاجهم لمنعم من الاحتفال بعيدهم القومي نوروز.
بقي الشعب في ضفته الضيقة والجافة، والنظام مع الحكومة في ضفة أدواتها القمع وعصا العقاب والتفقير، أضافة ألى استخدامه سلاح الدين بحديه، وبناء الألاف من المساجد، لأجل تدجين الشعب، وحصره في زاوية التدين والفقر والخوف ، وثقافة التبعية والصمت.
رغم كل القيود وعشرات الآلاف من رجال الأمن والبوليس، يشعر النظام حتى اللحظة في دمشق أنه يحكم بالقوة، بالحديد والنار،  ويختبئ في جلباب الطائفة العلوية، ويعاقب أبناء الطائفة بشدة، حين يحاول أحدهم أن يتمرد على قبيلة السيادة.
الطوفان يفرش جسده في كل بيت، وحارة، وزقاق، البعض يجاهر بصوته، والأخرون يهمسون متى سيسقط الظلم ورموزه؟
عشر سنوات من القمع ، ولكن كُسر جليد الصمت
عشر سنوات من حكم بشار الأسد لسوريا، ونجح في أن يتصدّر القائمة الأولى لمنتهكي حقوق الانسان في الشرق الأوسط، ورقم 12 من ديكتاتوريوا العالم، ورغم القمع والفقر والجفاف والفساد المنتشر داخل جسد الدولة، وجدنا أصوات شجاعة تنادي بالتغيير والحريات ودولة القانون والمؤسسات، ليفتح النظام أبواب السجون على مصراعيها، وتصل المحاكمات للذروة، غير عابئين بالضغوط الدولية، وبالتغيير من حولهم.
أستطاع الجسد الكردي في ظل سياسات التمييز العنصرية أن ينتفض، ويقول لا لكل شيء، فكانت مظاهرة  الشجاعة الوطنية بقيادة (حسن صالح ومروان عثمان 2002) أولى نسمات الثورة الواقعية داخل الشارع السوري، حين شهدت دمشق  أكرادها وهم يقولون لا للظلم .
بعدها ظلت دمشق وشوارعها تشهد احتجاجات ومظاهرات ، وهراوات الأمن تنهال عليهم بعنف، لم يلبس الشعب حذاء الصمت والخوف، لأن ربيع دمشق عام 2000 كان بداية لوضع أول حجر لسوريا ديمقراطية تعددية، الأكراد أسدلوا الستارة عن الظلم والاستبداد  تحت ضوء الشمس، وكسروا جليد الخوف والمهانة، فكانت العفوية وصوت الشعب أكثر تعبير شفاف في وجه ألة القمع السلطوية، حيث خرج أكثر من مليون كردي منتفضين بوجه قوات الأمن، التي استعانت بالجيش وتشاركا في أطلاق الرصاص على المتظاهرين المنتفضين وليسقط 45 شهيدا، وعشرة آلاف معتقل، ومئات الجرحى. وفي عام 2005 جاءت وثيقة أعلان دمشق، لتثبت للنظام والعالم أن الشعب في سوريا يريد دولة حرة وديمقراطية، لها سلطة قضائية مستقلة، وسيادة للقانون بعيدا عن التمييز والعنصرية وقانون الطوارئ والحكم الفردي، وضرب النظام الاعلان بقوة، وما زالت رموزه الشريفة والشجاعة طي المعتقلات.
المعركة بين قوى الخير والشر لم تنتهي، وما يوحي أن نظام دمشق يعيش عشر سنوات من الخوف والقلق، هو زيادة انتهاكات حقوق الانسان، والمحاكمات الجائرة، والاعتداء على النشطاء والحقوقيون، ومحاصرة عائلاتهم أمنيا وأقتصاديا.
وقف النظام في سوريا أمام ثورتي تونس ومصر مندهشا، ومرتعشا في دولته البوليسية، ليصل  بالرئيس أن يقول أن الحالة السورية تختلف عما يجري في تونس ومصر، محاولا ترقيع الهوة بين نظامه والشعب السوري،  فهو يدرك تماما أن 95% من السوريون لا يقبلون بسياساته ولا بنظام حكمه الفردي الأمني، الذي وضع سوريا بين كفي عفريت، دولة وشعبا.
صيد الحريات بصنارة فيسبوكية
يسألني أحد الأمريكيين عن يوم الغضب في سوريا؟
تتصل بي صحفية لبنانية مندهشة أن السوريون سيثورون؟
لا أعلم كيف وصلت السذاجة بالبعض في التعبير عن سخطهم على النظام من خلال دعوتهم لثورة سورية، وهم مجهولوا الظلال ، يريدون قيادة الشعب من وراء المحيطات، مستعملين سلاح التكنولوجيا والفيس بوك.
في تونس كانت هناك نار  ثورية روح البوعزيزي التي أحرقت سنوات المد والجزر بين اللا والصمت، لينفجر الشعب واحدا وجسدا في وجه القمع والديكتاتورية، ومن ثم جاء سلاح الفيس والنت كمتممان لجهود شبابية، نظمتها بعد ذلك التيارات والقوى السياسية والحقوقية من داخل تونس، ونجحوا في هد بيت الاستبداد. أما مصر فهي ليست بجديدة على التظاهرات والثورية من الشعب، فهو أعلن عن ثورته واعتصامه بعد تونس، وأجتمعت الأصوات الشبابية والرموز الثورية والشجاعة كلها، لصناعة ثورة ميدانية أسفلتية شجاعة، وكان النت وجوجل والفيس بوك أحدى أدوات التغيير الثورية التي شهدها العالم في ميدان التحرير.
في سوريا هناك قادة التغيير برجالاته وسيداته، هناك أصوات الحرية والتغيير التي تقود الشعب في المقدمة، غير خائفة، وتقضي أعمارها في سجون البعث، فكيف وصلت الفكرة باشعال الحرائق بالريمونت كونترول، والشعب السوري محروم في غالبيته العظمى من النت والتعبير عن النفس، ومحروم من الخبز والملح والسكروالحريات.
طبعا النظام عاش القلق ليس من ثورة الفيس الفرضية، ولكن  داهمته هواجس الخوف أن ينتفض الجسد الكردي السوري من جديد، خاف أن تستيقظ الرقة وحلب وحماه من صمت جراحتها، خاف أن تقوم القوى المعارضة في الداخل من التعبير عن غضبها بوجه الظلم والفساد والسجون ، ليتحول كل شيء لثورة شعبية على شاكلة مصر وتونس.
لم يستجب الشعب السوري لكل ما حدث،  بسبب أن قيادات التغيير سجينة داخل الوطن، وكل رموزه قيد الضغط وعصا المخابرات، ثم نحن ندرك أن النظام السوري يعيش ويستمر ويتنفس من حديقته الأمامية اسرائيل، ومن الفوضى التي يصنعها في فلسطين والعراق ولبنان، ويستعمل كل تلك الأوراق ليبقى مستمرا، مع الصمت الدولي على انتهاكات حقوق الانسان داخل سوريا، وارتباط مصير نظام الأسد مع لبنان وتركيا وطهران وفلسطين.
لكن المفتاح للتغيير في سوريا يكمن في قيام الشعب بانتفاضة عارمة تغيّر الجسد السوري كله وتغسله من حكم نصف قرن من الظلم والجلد، أو يغير المجتمع الدولي من سياسات النظام كحل ذهبي لاستقرار المنطقة وقيام دولة لبنانية مستقلة، وفصل سوريا عن طهران وتركيا ولبنان، ليتداعى كل رموز الشر بتتالية رياضية ، ابتداءا من نظام دمشق وانتهاء بحزب الله وحماس ونظام الملالي.
واشنطن
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى