صفحات ثقافية

العجز عن السخرية أمام سطوة الدم… والتشويش على الجزيرة أمام سطوة الحقيقة

null
محمد منصور
عذراً أيها القراء… فأنا رغم تفاؤلي بما يجري في هذا الفجر العربي الجديد… ورغم إحساسي العارم بالتشفي بكل الطغاة الذين يسقطون مثل أحجار الدومينيو، فلن أستطيع أن أكتب زاوية ساخرة أو ضاحكة عن أحوال الفضائيات أو قنوات الأرضيات… أو عما يبث على الشاشات أو عما خلف الشاشات من كواليس ومفارقات وأخبار.
وإذا ما تجاوزت الأحداث كلماتي، في المسافة الفاصلة بين زمن كتابتها ونشرها… وإذا ما انقلب الحزن فرحاً، والدم نصراً، والمجزرة خلاصاً، فأرجو أن تقرأوا كلماتي كما كتبت بكل حزنها وألمها وذهولها… وآمل أن تلمسوا ما بين السطور من غضب واشمئزاز ودهشة… فأنا لست قلماً يكتب، ولست عيناً تتفرج على الشاشات، ولست إصبعاً فضولياً يضغط زر جهاز التحكم كي يقلب بين المحطات، ولست في النهاية فكراً يحلل كي يكتب ويملأ بكلماته زاوية في جريدة يواظب على الكتابة فيها… أنا الآن مواطن عربي يرى أشقاءه الليبيين يقصفون بالطائرات بوحشية لا مثيل لها، ويقتلون في الشوارع، ويستهدفون بالمدافع المضادة للطائرات… ويحاصرهم المرتزقة بعد أن ثارت النخوة في عروق أبنائهم المنتمين للشرطة والأمن والجيش، فرفضوا أوامر القتل والجنون… فهل أستطيع أن أكون موضوعياً حين أكتب؟! وهل أستطيع أن أتحلى بأدنى درجات الحيادية الإعلامية كي أرصد ما يجري بكلمات باردة؟! وهل سيكون بمقدوري أن أتناول بالنقد والتحليل كيفية تعامل المحطات مع الحدث الليبي المشتعل… حين أرى هذا الشعب المسالم الأعزل يواجه طاغية يفصح عن أعتى درجات الجنون، وكل ذنبهم أنهم سئموا الذل والعبودية والفساد والقرارات المضحكة، وتقلبات المجانين، وعبثهم بصفحات ورموز تاريخهم، وتحكمهم في مصائر حياتهم وحاضرهم ومستقبل أبنائهم.
لقد جرب القذافي كل الأسلحة المحرمة بينه وبين شعبه… وجرب كذلك كل الدروس السابقة التي جربها أسلافه في تونس ومصر: اتهام المتظاهرين بأجندات خارجية، تسيير مظاهرات التأييد… بل والنزول وسطها لتأييد نفسه، استخدام البلطجية للاعتداء على المتظاهرين، قطع الانترنت والموبايل، استخدام الرصاص الحي… وأضاف على هذا السيناريو الذي سيتكرر مع كل طاغية عربي سيسقط، لأن أحداً منهم لا يريد أن يتعظ، أضاف عليه قطع الماء والكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية، واستخدام المرتزقة من خارج الحدود، ثم استخدام الطائرات والمدفعية لقصف المتظاهرين ولإضافة حمامات الدم على سيناريو اصطبغ أكثر من ذي قبل بلون الدماء… لكن هذا كله، لم يشف الليبيين من لوثة عشق الحرية، مع أنهم يعيشون في زمن لوثة الأخ القائد منذ أربعة عقود.
لقد أراد معمر القذافي أن يجعل حلم الحرية مكلفاً، وباهظ الثمن بالنسبة لأبناء شعبه، لكن الليبيين أحرقوا سفن العودة، وأوقدوا مشعل الحرية، ونذروا ما تبقى من عمرهم ومن شبابهم كي يكونوا جديرين بالحرية والحياة… فلا خط رجعة، لقد صاروا عنواناً للحرية، وضربوا مثلاً رائعاً لشعوب عربية أخرى لا يقل تاريخ أنظمتها في القمع إجراماً ووحشية عما يفعله القذافي الآن… وهذا الدرس ليس عبرة لتلك الشعوب كي تخاف، بل للأنظمة كي لا تزيد فاتورة الحساب عليها… لأن الحرية اليوم هي قدر مكتوب مثل الموت، فإما أن تموت الشعوب (وهذا لن يحدث) وإما أن يحيا الجلادون
احفظوا هذا الاسم جيداً
نفي خالد الكعيم وكيل وزارة الخارجية الليبي في اتصال مع (الجزيرة) وجود أي مرتزقة يستخدمهم النظام في ليبيا، ونفيه أيضاً لأي قصف جوي للمتظاهرين في طرابلس وبنغازي، فيما الدماء تسيل أنهاراً… يدخل في باب (جرائم الحرب) الأخلاقية والإعلامية… خصوصاً أنه قال إنه إذا ثبت ذلك فإنه سيحرق نفسه في الساحة الخضراء ولن يكتفي بالاستقالة فقط!
احفظوا اسم خالد الكعيم… إنه شاهد الزور، الذي باع ضميره وإنسانيته وشرفه، ولم تهزه الجرائم التي ترتكب بحق أبناء شعبه، ولا القتل المجاني المروع الذي رآه بأم عينيه وأنكره ببهتان لا مثيل له، يجب أن يكون على رأس قائمة الملحقين بالقذافي وعائلته، الذين يجب محاسبتهم وملاحقتهم.
واحفظوا اسم خالد الكعيم، لأنه في كل انتفاضة وثورة شعبية عربية قادمة، سوف يظهر لكم خالد كعيم جديد… ينكر ويكذب ويزوّر، كي يغطي على هتاف الشهداء وصور الضحايا ونداء الحرية!
جامعة الطغاة
فعل الزمان فعله في الجامعة العربية… فصارت اليوم آية في العجز، وفي بلاغة التفرج والتقاعس عن القول والفعل!
قبل يومين أصدرت الجامعة بياناً تدعو فيه إلى (وقف العنف في ليبيا) بيان مائع وهش يساوي بين الضحية والجلاد… بيان يعتبر التوق إلى الحرية (عنفا) مثله مثل جرائم القذافي… فأي إحساس باللحظة التاريخية، وبالدور التاريخي تتحلى به هذه المؤسسة، التي هي الآن جزء من نظام عربي متآكل ومتكلس وفاسد، تدوسه الشعوب تحت أقدامها.
على كل بلد عربي تنجح انتفاضته ويسقط نظامه أن ينسحب من الجامعة العربية… فهي لم تعد تشرف إلا الطغاة الباقين… وهي عنوان لزمنهم الذي ينتهي ليبدأ زمن الشعوب!
وعلى صعيد الصمت ذاته… قدمت منتهى الرمحي في (بانوراما) على قناة (العربية) تفسيراً غريباً وطريفاً لصمت السعودية على جرائم القذافي، حين أشار أحد ضيوفها، إلى أن قطر التي كانت تربطها علاقات جيدة بليبيا، لم تترد أمام هذه المجازر من بيان يدين ما ارتكب بحق الشعب الليبي، في حين أن أنظمة أخرى كانت هناك ملاسنات بينها وبين القذافي لم تنبس بكلمة إدانة!
منتهى الرمحي قالت إن أحداً لا يستطيع أن يتنبأ بالطريقة التي يمكن أن يتناوله بها القذافي فيما لو انتقدوا نظامه… طبعاً هذا التبرير يليق بحفل استقبال نسائي، وبتحاشي مشاجرة نسائية مع امرأة فاجرة … وليس بمسؤولية أخلاقية على هذا القدر من العار والجريمة… إنه العار يجلل كل الصامتين والمتفرجين… ويجعل منهم لا شركاء في الجريمة، بل مشاريع محتملة لمجرمين سيقمعون بالطريقة نفسها أي انتفاضة تحدث في بلدانهم… لأن بيوتهم من زجاج، ولذلك يدركون أن عليهم ألا يرجموا القذافي بالحجارة!
التشويش على الجزيرة!
صار التشويش على قناة (الجزيرة) جزءاً من سيناريوهات سقوط الأنظمة الديكتاتورية… فبعد نظام مبارك، ها هو نظام القذافي يشوش على (الجزيرة) التي بات المشاهد العربي يطارد بثها من قمر صناعي إلى آخر، ومن محطة متضامنة تنضم إليها إلى أخرى!
نعم… لا تقدم (الجزيرة) أداء حيادياً، وقد تخرق في أدائها بعض القواعد المهنية… لكن بئس المهنية إذا كانت في صف الطغاة… وبئس الحياد إذا كان يرى في الجرائم (عنفاً من الطرفين) الجزيرة اليوم هي شاهد على العصر بامتياز. وهي فسحة أمل في بحر من الإعلام العربي الذي يدعو لليأس والصمت ويتقن لعبة التزوير.
صحوة المجد… لا صحوة الموت!
والآن… ماذا سنكتب ونحن نعيش عصر الجريمة الكبرى… ماذا سنقول والحرية قالت كلمتها؟!
فلتجربوا كل أسلحتكم أيها الطغاة… ولتطلقوا وحوش القتل والدمار التي تعوي داخلكم كصراخ الذئاب على جيف الظلام.
فلتفتحوا أنهار الدمار كي تشرب كوابيس الجنون… فلن ولن… توقفوا رياح الحرية في هذا المدى المفتوح… وعلى شرفات هذا القلب العربي المفتوح وهي تقتلع العروش وتهد الصروح… وتقلب أمن الطغاة جنوناً… وجبروتهم نباحاً.
فالحرية أقوى… والشهادة أحلى… وحلم النصر أغلى وأعلى… والسماء أرحب… والتاريخ يكتب من جديد… ولن يفل الحديد إلا الحديد والرجال.
فسلام عليكم أيها الليبيون الرجال… سلام على شهدائكم يعلموننا معنى الشهادة… وسلام على دمائكم الطاهرة تطهرنا من الدنس والعار… وسلام على صحوة النائم في هذا الفجر العربي الباسق… كوردة الصباح
إنها صحوة المجد لا صحوة الموت… إنها القيامة حيث لا يخجل الشهداء حتى من صدفة الموت… ولا يندب الجرحى جراحهم… ولا تظلم القبور إذا ما توارت فيها أجساد الأبطال… من الحرية ينسلون… وفي الأجداث ينسلون كي نحيا… وكي نحب هذه الحياة.
ناقد فني من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى