صفحات ثقافية

جيرالد مارتن عن سيرة ماركيز: ليس مجرد سيرة ذاتية.. بل أكثر من ذلك

null
منى كريم
لا ينتهي الحديث عن ذاكرة ماركيز المتداعية
تتداول أوساط الثقافة العالمية رغبة ماركيز المخفية في التوقف عن الكتابة والتفرغ لكتابة سيرته الذاتية التي يعمل عليها جيرالد مارتن، وكانت كل هذه الحقائق تتأرجح بين النفي والتأكيد وبين ماركيز وناشريه في أوروبا وأميركا اللاتينية.
.. وفي حوار مع ماركيز قبل ثلاث سنوات أجاب الروائي الكولومبي على أحد الأسئلة قائلاً: «لا أتذكر، بإمكانك أن تسأل مارتن عن الأشياء المتعلقة بماضيّ!» في إشارة لكاتب سيرة حياته، حيث أمضى مارتن أكثر من 15 سنة في إنجاز هذا العمل الذي عبّر عنه قائلاً: «إنه ليس مجرد سيرة ذاتية، بل أكثر من ذلك».
وصرح مارتن مؤخراً لصحف أميركية وأخرى بريطانية أنه اختار نشر العمل باللغة الإنجليزية أولاً، وهو كتاب يتجاوز الثلاثة آلاف صفحة، كما أنه غير مكتمل بما أن ماركيز مازال على قيد الحياة ويعيش الكثير من الأفكار ويملك الهواجس المختلفة التي قد تقوده لكتابة رواية جميلة أخرى. وقد عنون مارتن الكتاب «غابرييل غارسيا ماركيز: حياة» ليقدم فيه ماركيز باعتباره أبا الواقعية السحرية، ويسرد تفاصيله ككاتب مؤثر ومختلف في نوعه أكثر من العوالم الخيالية التي لا ينفك الروائي عن العودة إليها من حين إلى آخر، حين يتحدث له.
الرجل الأمثل للكتابة
وتجد الأوساط الثقافية في مارتن الرجل الأمثل لكتابة سيرة حياة شخص بحجم ماركيز، بحكم خبرته في دراسات أدب أميركا اللاتينية خلال القرن العشرين وخاصة الرواية، كما أنه ترجم أعمالا شهيرة عدة منها أعمال ميغيل آنخيل، دون أن تفوته الكتابة عن تاريخ أميركا اللاتينية. وبذا تجد الساحة الأدبية المتلهفة لالتقاط هذا العمل أن مارتن يملك المواصفات المطلوبة خاصة وأنه على دراية كاملة بمغامرات ماركيز الثقافية والسياسية.
وتعكس المقالات التي تابعت مجرى كتابة العمل أن مارتن وصل لمرحلة حميمية جداً مع ماركيز ليناديه باسم «غابو» من دون أن ينسى الإشارة في كل مقالاته ودراسته لماركيز باعتباره «مارك توين من نوع آخر، وعراب الفكاهة الكولومبية بعصا الواقعية السحرية» ومبتعداً في ذات الوقت عن ربطه بأيقونات أدبية مثل فرجينيا وولف وسيمون بوليفار القريبة لماركيز أو حتى رموز الدكتاتورية ومن ضمنها فيدل كاسترو الذي يرتبط
مع الروائي بصداقة معلنة.
ظاهرة ماركيز الرهيبة
كما سلط مارتن الضوء على الظاهرة الرهيبة التي استطاع ماركيز أن يخلقها وهي حالة الفصل بين ذاته الروائية وآرائه الشخصية، فكل علاقات ماركيز- خاصة السياسية- والتي قد تؤثر في أي كاتب من ناحية شعبيته وانتشار أعماله، لم تستطع أن تؤثر في ماركيز، فلم يكن أمام صناع النشر إلا استخلاص حالة أسموها «ماركيز التسويق» بمعنى أنهم يبحثون دائماً عن كتاب لا يعتمدون على اللعب بآرائهم الشخصية المؤقتة والمتغيرة في حصد القراء بل على ثقل النص الجيد الذي يقدمونه.
وذكر مارتن في مناسبات عدة أن هذه السيرة ستذهل الجميع لأنها ليست سيرة حياة ماركيز فقط، بل إنها جزء من سيرة حياة أميركا اللاتينية خاصة الأدبية، وكان من أهم جوانبها حديث ماركيز عن ماريو فارغاس يوسا الذي لطالما كانت بينهما مناوشات خلقتها الصحف ودعمتها زوجة ماركيز، حسبما أكد الروائي لمارتن. كما يتحدث ماركيز في سيرة حياته عن الفترات التي كتب فيها أهم أعماله مثل خريف البطريرك، مئة عام من العزلة، والحب في زمن الكوليرا، وكيف يجد فيها تحديات متدرجة للسلطة.
الجدة ومئة عام من العزلة
وتسلط السيرة الذاتية في أقسام خاصة الضوء على حياة ماركيز العائلية، بداية من أجداده حتى أحفاده ومروراً بسنوات الطفولة والمراهقة والشباب، وكيف كان لجدته وجده الفضل الكبير في تكوين أسلوبه السردي في عمل «مئة عام من العزلة». كما يفرد مارتن أربعة تخطيطات لشجرة عائلة ماركيز والزيجات التي حصلت، ومن ثم الأيام الأوروبية في حياته خاصة حين عاش في هنغاريا كصحافي شاب تأثر بالمد اليساري المهيمن في تلك السنوات.
ولم ينس مارتن أن يتحدث عن أكثر ما يهم عشاق ماركيز بالنسبة لأفكاره حول الحب والجنس، وذكرياته الشخصية في هذا الأمر، حتى أنه دفع بماركيز لإفشاء كل أسراره وعلاقاته والالتقاء بأولى النساء اللواتي عاشرهن ماركيز وهي في عمر الـ 82، إلا أنه لم يستطع أن يستنطق ماركيز فيما يخص علاقة حب «مؤلمة»- كما يصفها الروائي- كانت قد حدثت معه حين عاش في باريس لفترة، فهو لا يسمح لأحد بطلب أية تفاصيل عن هذه التجربة. «إنها محاولة للإجابة عن الأسئلة التي تريد أن تعرف كيف منح ماركيز لبطله فلورنتينا الحب والحياة، وكيف حوّل من الواقعية سحرا ممتدا لا يقاوم» هذه هي كلمات جيرالد مارتن في وصف العمل الذي وهب له حياته بكل سعادة.
لمح جيرالد مارتن كاتب السيرة الوحيدة لماركيز الى غيرة ربما لا تكون أدبية فقط تسببت في انهاء الصداقة بين اكبر كاتبين في اميركا اللاتينية ماريو فارغاس يوسا وماركيز وذلك حين وجه الاول للثاني لكمة على الوجه أطاحت بتلك الصداقة وقد تطلب انجاز السيرة الرسمية الوحيدة للكاتب الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب غابرييل غارثيا ماركيز التي تقع في خمسمئة صفحة تقريبا، 17 عاما من العمل، غير ان كاتبها البريطاني جيرالد مارتن لا ينوي التوقف عند هذا الحد اذ يرغب في اصدار تكملة لها.
وخلال امسية ادبية نظمت في السفارة الكولومبية في واشنطن لمناسبة صدور الكتاب الذي يحمل عنوان “غابرييل غارثيا ماركيز اي لايف” (غابرييل غارثيا ماركيز، حياة) في الولايات المتحدة، لخص مارتن مضمونه قائلا “انها ببساطة قصة رجل نجح في القيام بكل ما رغب فيه طوال حياته”.
واضاف الناقد الانكليزي الذي يدرس الآداب الحديثة في جامعة بيتسبرغ (بنسلفانيا، شرق الولايات المتحدة) “انها نسخة مختصرة اما النسخة المطولة فتقع في الفي صفحة وتتضمن 600 ملاحظة في هوامش الصفحات. ومن المرجح ان استمر في الكتابة الى حين وفاتي”.
وقال انه لم يحتج سوى لساعات معدودة وبعض كؤوس الويسكي من اجل اقناع الكاتب الذي يلقب ب “غابو” بالسماح له التحقيق في تفاصيل حياته. قال له ماركيز صاحب كتاب “مئة عام من العزلة”، “حسنا على شرط الا تجعلني اعمل”.
وانكب مارتن بعدذاك على انجاز المشروع الذي “كان يزداد تعقيدا سنة تلو السنة” بسبب كم المعلومات المتواصل.
واعتبر مارتن ان ماركيز الذي يبلغ الحادية والثمانين وهو صحافي سابق لا يزال يبدي رأيه في مواضيع الساعة ومسافر فضولي لا يكل، “هو على الارجح اكثر كتاب الادب العالمي الاحياء شهرة”.
وقابل كاتب السيرة اكثر من 300 شخص بينهم والدة ماركيز والزعيم الكوبي فيديل كاسترو الذي تجمعه بماركيز علاقة صداقة وطيدة، فضلا عن بعض اصدقائه واعدائه، كمثل الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتس والبيروفي ماريو فارغاس يوسا.
وكان يلتقي سنويا مرات عدة بماركيز الذي قدم له روايته الاحدث “ميمورياس دي ميس بوتاس تريستيس” (ذكريات مومساتي التعيسات) كتابا له في الاهداء “الى جيرالد مارتن، المجنون الذي يلاحقني”.
وقال جيرالد في ابتسامة “يحلو لي ان افكر اني صديقه المفضل. في اي حال، يمكنني القول اننا صديقان”.
وكان الكتاب صدر بالانكليزية في العام الماضي، اما النسخة بالاسبانية فمن المتوقع صدورها في ايلول/سبتمبر.
وقبل شهرين، زار كاتب السيرة ماركيز الذي نال جائزة نوبل في العام 1982، في المكسيك من اجل ان يقف على رأيه في الكتاب.
كان الكاتب الكولومبي ينتظره وهو يمسك السيرة بيده. ويتذكر مارتن ان “تلك اللحظة كانت من بين اكثر تجارب حياتي اثارة للرعب”.
وروى مارتن ما جرى عندئذ “قال لي انه سعيد اني استطعت انهاء الكتاب لانه لطالما رغب في ان يصير ذائع الصيت!”.
وعلى الرغم من “بعض الاخطاء” والتحليلات التي لم ترقه، اعطى ماركيز موافقته “في الاجمال” على ما كتبه الانكليزي.
وتروي السيرة للمرة الاولى في اسلوب شامل مراحل مثيرة للاهتمام من حياة ماركيز، من بينها الحادث الذي جرى بينه وبين الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في العام 1976 في المكسيك وادى الى وضع حد لصداقتهما.
ومن اجل الاضاءة على هذا الموضوع، تحدث مارتن الى ستة شهود على الشجار الذي تلقى خلاله كاتب “الحب في زمن الكوليرا” و”حكاية موت معلن”، لكمة. غير ان البريطاني يلفت الى ان الكاتبين هما “الوحيدان اللذان يعرفان ما جرى فعلا”… فضلا عن باتريسيا زوجة فارغاس يوسا، التي ربما ساهمت في هذا الشجار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى