المسألة الكرديةصفحات العالم

عندما يقطع الحزب أيادي الوطن

 

هوشنك بروكا

هل انتهى زمن الإقتتال الكردي ـ الكردي، كما أكد على ذلك رئيس الإقليم مسعود بارزاني، في خطبه الكثيرة، مراراً، بمناسبة وبدونها؟

شخصياً أشك في ذلك. ولهذا الشك، ألف سبب وسبب، لعل أبرزها تهديد سكرتير المكتب السياسي لحزب بارزاني، فاضل ميراني، الذي أعلن بدمٍ بارد، مؤخراً، وعلى الملأ، بأن حزبه “سيقطع كلّ يد تمتد إليه”. جاء ذلك في أول ردة فعل نارية للديمقراطي الكردستاني، عقب مظاهرات السليمانية التي انطلقت في السابع عشر من الشهر الجاري.

هكذا هددّ ميراني، المعروف بولائه للبارزاني، أكراده، ب”قطع يد” كل من “يستهدف”(أو يخرج عن طاعة) حزبه، وعرشه على فوق كردستان.

أياً كان القصد من كلام السكرتير هذا، سواء قصد به أحزاباً كردستانية معارضة، أو أيادٍ خارجية “أجنبية عدوة”، كما أكدّ في تصريحه، فإن الهدف من التهديد، يبقى واحداً لا شريك له، ألا وهو الدفاع عن “سلطة البارتي”، وبالتالي عن الحق “المقدس” لحزبه، في كردستان غصباً عن الذي يريد أو لا يريد.

كلّ هذا التمسك ب”كردستان للبارتي”، ربما من باب الإعتقاد ب”الوجود الضروري” لحزبه في “كردستان الضرورة”، لسببٍ أساس، ألا وهو لكون الحزب صنيع البارزاني الأكبر، وعموداً من أعمدة الثورة أيام كردستان الجبل. فمن شارك كردستان جبالها، لا بدّ أن يكون له الآن حرير مدنها، ومن عانى من نقمة تحت(ها) لا بدّ أن ينعم الآن بنعيم فوقها.

هكذا تسجل الثورات،على الأغلب، الأوطان بإسم قادتها، بعد كل صعودٍ لها، من التحت إلى الفوق، أو كلّ خروجٍ من تاريخ المقاومة، ليعقبه دخولٌ في تاريخ المال والجاه والسلطة.

مبدئياً، وفق “الشرعية الثورية”، في كونها “شرعية سائدة”، لا يُنكر، أن من قام بإشعال “كردستان الثورة”، له الأولوية في إدراة دولتها أيضاً، ولكن ليس كما يشاء، وأن يجعلها نعمة تحت الطلب في فم من يشاء، ويقطعها عمن يشاء.

الثورة، عملياً تسقط، عندما تأكل أبناءها، كما هي القاعدة في كل زمانٍ ومكان، وكما هو الحال في كردستان الآن.

والثوار يسقطون أيضاً، عندما يصبحون حكاماً وطغاة، يحوّلون الثورة من بندقية لأجل صناعة وطن، إلى بندقية في صدر الوطن.

انظروا إلى القذافي فاتح الثورة الليبية، الذي حكم ليبيا أربعة عقودٍ ونيف، بإسم الثورة.

انظروا إلى “جنونه الثوري”، وهو الصانع ل”ليبيا الثورة”، كيف جاء على أكتاف الشعب إلى رأس الثورة، ويدوس الآن بذات الثورة وآلتها على رؤوس أبناء الشعب.

انظروا إلى ثورته، كيف تحوّلت من حربٍ شعبيةٍ لأجل تحرير الشعب، إلى حربٍ همجية لإفقار وإذلال وتحقير وإعدام الشعب.

انظروا إليه، كيف يحوّل الثورة الآن، من “ليبيا تعيش”، إلى “ليبيا ليس لها إلا أن تُقتل وتُسحل”، فقط لأن الشعب وليبيا(هم) ما عادوا يريدونه:

إما هو يعيش، أو تسقط ليبيا!

إما هو يكون، أو تُعدم ليبيا!

إما هو إلى الأبد، أو لا ليبيا من بعده!

بهذه “الثورية النرجسية”، يدير القذافي، “ثائر ليبيا الأمس”، مع زمرته وأفراد عائلته وعشيرته، ليبيا اليوم في شوراعها الثائرة.

كلام ميراني، يشي بشيءٍ، قليلٍ أو كثير، من هذا القبيل.

ولما لا؟

فلا ننسى أنّ القذافي، كان “نبيلاً جداً” بمواقفه، زماناً ما، تجاه القضية الكردية، كما جاء على لسان وفد الاحزاب الكوردستانية، بمشاركة كلٍّ من دلشاد بارزاني ممثلاً عن رئيس إقليم كردستان، وبرزان فرج ممثل الإتحاد الوطني في فرنسا، الذي قام بزيارةٍ “أخوية” ل”للأخ” القذافي في مقر اقامته بالقرب من فندق ماريني بالعاصمة الفرنسية باريس، في ديسمبر 2007.

فمن يشيد ب”نبل” و”أخوية” القذافي تجاه قضيته، بالأقوال، من الطبيعي أو الممكن أن يقلّده أيضاً بالأفعال.

سياسة “قطع الأيادي” التي هدد بها ميراني أكراده، هي سياسة، فيها من الحرب أكثر من السلام، ومن “الأنا” أكثر من “النحن”، ومن الحزب في كونه يملك كردستان بالقوة والمال، أكثر من كونه حزباً يحكم بالديمقراطية، ومن الحزب بإعتباره حزباً فوق الحكومة، أكثر من كونه حزباً من الحكومة وضمنها.

أنها سياسة فوقية، استعلائية، نرجسية بإمتياز، تفوق وتعلو كلّ وطن.

ما أعلنه ميراني من استعداد حزبه ل”قطع كل يدٍ تمتد إليه”، هو برأيي رسالة واضحة، للشارع الكردستاني ولكل من تسوّل نفسه، الخرورج عن طاعة “كردستان الضرورة”، و”الحزب الضرورة”، و”العشيرة الضرورة”، و”القائد الضرورة”. فأعذرمن أنذر!

إذن، إما هو وحزبه في فوق كردستان، أو الخراب وقطع يد كردستان الشارع!

إما هو وحزبه في كردستان الفوق، أو الخراب لكل كردستان التحت!

القادم من كردستان الشوارع القادمة، سيكون محفوفاً بأكثر من خطر، لعل أبلغ الخطر على كردستان التي لا تزال تتراوح ما بين “بهدينان” و”سوران”، هو قتل “كردستان الدولة” ب”كردستان الحزب”، وضرب “داخل كردستان” ب”داخل الحزب”، وتصفية “مواطني وأبناء كردستان” ب”آل وأصحاب ورفاق وأزلام وأقلام وإعلام الحزب”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى