صفحات العالم

أوباما في اختبار “الفيتو”

عبد الوهاب بدرخان
أخفقت إدارة أوباما في “ضبط النفس” الذي لا تنفك تدعو حكومات المنطقة إليه هذه الأيام، ولم تتوصل إلى اتخاذ القرار المناسب بالنسبة إلى مشروع القرار العربي في مجلس الأمن، بهدف إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وإلزام إسرائيل بوقفه.
وهكذا دخل أوباما نادي الرؤساء الأميركيين السابقين الذين تعاقبوا على ارتكاب “الفيتو” وحقن جرعات السم في شرايين العلاقات مع الشعوب العربية. فمثل هذا الموقف الكريه والتعسفي يدمّر الجهود التي بذلها أوباما لـ “تحسين صورة أميركا” وليس مؤكداً أنه سيرفع رصيده المتدني عند الإسرائيليين أو اليهود كافة. ذاك أن الأمر ينطوي على بساطة شديدة الوضوح عند أي عربي، سواء كان مسؤولاً سياسيّاً أو مواطناً عاديّاً يسمع نشرة الأخبار: الاستيطان بالقوة ممارسة للظلم وسرقة علنية للأرض والحقوق، إذن فأميركا تُساند الظلم، للمرة الألف لا للمرة الأولى.
في غضون لحظة، قوّضت واشنطن كل المواقف والإيحاءات التي أبدتها خلال الأسابيع الماضية. ظهرت على حقيقتها المعروفة، التقليدية المزمنة، ولم يكن دفاعها عن حقوق الشعوب وحرياتها وطموحاتها سوى سراب وأوهام. فالوقوف مع الحق في المسائل الداخلية شيء، والوقوف مع إسرائيل ضد الحق شيء آخر، هذه هي السياسة الأميركية. من يصدق واشنطن بعد الآن إذا تحدثت عن ضرورة الاحتكام للقانون وبناء “دولة القانون” طالما أنها تساند انتهاك القوانين الدولية وتخالف إجماع دول مجلس الأمن.
قالت المندوبة الأميركية سوزان رايس إن “الفيتو” لا يعني أن الولايات المتحدة تؤيد النشاط الاستيطاني، مؤكدة أن المستوطنات “تفتقد إلى الشرعية”، لكن مشروع القرار ينطوي على المخاطرة بـ”تشديد مواقف الطرفين”. لابد أنها تعتقد أنها تخاطب مجتمعاً دوليّاً ورأياً عامّاً عربيّاً ساذجين وجاهلين. أما هيلاري كلينتون فاعتبرت أن اللجوء إلى قرارات الأمم المتحدة ليس السبيل الصحيح لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وترجمة ذلك، وفقاً لمختلف القواميس السياسية، أن على العرب والفلسطينيين وكل الدول المؤيدة لحقوقهم أن ينسوا “الشرعية الدولية” لأن إحدى ثوابت السياسة الخارجية الأميركية هي تعطيل تلك “الشرعية” واستثناء إسرائيل منها. أما البديل فقالت إنه “المفاوضات”، وهنا أيضاً لابد أنها تعتقد أنها تخاطب مجتمعاً دوليّاً ورأياً عامّاً عربيّاً ساذجين وجاهلين.
“شكراً أوباما”، هذا ما سارع إليه مكتب نتنياهو، وكذلك رئيس المؤتمر اليهودي العالمي “رونالد لودر”. منذ دخوله البيت الأبيض لم يسمع أوباما كلمة شكر من هذين المصدرين، على رغم التزامه المتكرر والثابت بأمن إسرائيل ومصالحها، ولكن مجرد اتخاذه مواقف نقدية جلب له أقذع الانتقادات وأشد الاستصغارات لموقعه ومكانته، حتى أن التحدي بلغ حد رفض أكثر عروضه سخاءً وتهوراً من أجل شهرين اثنين من دون استيطان.
فالإسرائيليون واللوبي الصهيوني يعتبرون أنهم سيحصلون على تلك العروض في كل الأحوال، لكن المطلوب أن يبرهن أوباما بالفعل لا بالقول أنه شخصيّاً وإدارته مستعدان لإعادة النمط التقليدي المنحاز بلا جدل ولا تردد لمصلحة إسرائيل، المطلوب أن يلوث أوباما يديه بمخالفات إسرائيل للقوانين وبسرقاتها للأرض وبالتستر على جرائمها، وهذا ما بدأه بالتعامل مع “تقرير جولدستون” ولم يبدُ كافيّاً، وهذا ما واصله بتغطية الهجوم على “قافلة الحرية” المتجهة إلى غزة ولم يبدُ كافيّاً، وهذا ما أكمله بـ”الفيتو” ضد وقف الاستيطان فاستحق الشكر، أي أنه أنجز أخيراً معمودية “التأسرل” في الوقت الذي يقول الإعلام الإسرائيلي إن نتنياهو يمر بعزلة دولية متأتية من كذبه المتواصل ومصداقيته المعدومة بشأن إقامة سلام مع الفلسطينيين.
لم يكن أحد يعتقد أن القرار الدولي ضد الاستيطان يشكل انتصاراً أو نهاية مطاف، ولكن “الفيتو” سيشكل نهاية المطاف لرحلة أوباما نحو تحسين الصورة. أما الشكر الإسرائيلي له فلا يعني أن الرئيس الأميركي أنجز نجاحاً حاسماً في الاختبار الذي يؤهله لدى اللوبي الصهيوني للفوز بولاية رئاسية ثانية.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى