صفحات الحوارصفحات سوريةعبد العزيز الخيّر

حوار مجلة مقاربات مع عبد العزيز الخيّر

null
من خلال المحور الذي قدمته مجلة مقاربات حول : “من داخل إعلان دمشق…. فن الممكن؟” والذي استطلعت فيه أراء العديد من المثقفين مثل حسن عبد العظيم سمير نشار صفوان عكاش عبد العزيز الخير عبد العزيز الجرف عبد الحميد درويش عبد الحفيظ الحافظ غالب عامر غياث عيون السود كبرائيل كورية ماجد حبو محمد عبد المجيد منجونة محمد محفوض منصور الأتاسي نايف سلوم نذير جزماتي هيثم المالح.
هذه الحلقة تخص الدكتور عبد العزيز الخير: من مواليد محافظة اللاذقية عام 1951 درس الطب في جامعة دمشق وتخرج عام 1977، لوحق لدوره في حزب العمل الشيوعي في مطلع عام 1982وبقي بسريه يمارس نضالة السياسي السلمي حتى تاريخ اعتقاله في عام 1992 .منذ ذلك التاريخ وبعد تعذيب شديد تعرض لمحكمة جائره ، حكمت عليه بـ 22 عاماً .
كان يسميه المعتقلون في سجن صيدنايا طبيب السجن علماً أن المنظمات وجمعيات حقوق الانسان ونفابات الأطباء في العالم تبنته باعتباره سجين رأي ، طالبت بالإفراج عنه دون قيد أو شرط .
أطلق سراحه في تاريخ في الثاني من شهر نوفمبر 2005

انتخب نائباً لرئيس المجلس الوطني الموسع لإعلان دمشق

السؤال الأول: ماهي الدوافع السياسية التي تقف وراء وثيقة إعلان دمشق؟
السؤال الثاني: برأيكم هل ارتبط إعلان دمشق بمواقف القوى المتواجدة على الساحة السورية أم بالمستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية، خاصة وانه قد كثر اللغط في حينه عن علاقة ما بين توقيت صدور وثيقة إعلان دمشق وتقرير ميليتس؟
السؤال الثالث: برأيكم لماذا سمي بإعلان دمشق وليس جبهة أو تجمع كما تم الاتفاق عليه مؤخرا، مجلس وطني؟ وهل تسميته “إعلان” تشكل  فرقا من حيث البرنامج وطبيعة القوى عن الصيغ الأخرى؟
السؤال الرابع: هل حقق المجلس الوطني بانعقاده النقلة من مرحلة “إعلان دمشق” إلى مرحلة جبهة عمل وطني؟
السؤال الخامس: ماهي النواظم المحددة للعلاقة بين القوى والشخصيات المنضوية تحت الإعلان في الداخل والخارج؟
السؤال السادس: هل هناك نوع من التنسيق والنقاش بين القوى والشخصيات في الداخل والقوى والشخصيات في الخارج في كل ما يصدر عن إعلان دمشق من مواقف، مثلا: الموقف من جبهة الخلاص وتحركات الحمصي..الخ؟
السؤال السابع: هل انعقاد المجلي الوطني هو بداية مرحلة سياسية جديدة للإعلان ام هو بداية انهيار وتفكيك لقواه؟
السؤال الثامن: أعلنت بعض القوى والشخصيات تجميد عضويتها إثر انعقاد المجلس الوطني، كيف تقرأون هذا التجميد، خاصة مع إعلان قوتين هما الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل، عن تجميد عضويتهما في الإعلان مما يعني غياب التيارين القومي والماركسي عن الإعلان الذي كان هدفه تجميع وتمثيل كافة التيارات السياسية؟ وما هي تداعيات هذا التجميد على الإعلان مستقبلا؟
السؤال التاسع: كيف يمكن قراءة قرارات التجميد في ظل الاعتقالات التي طالت شخصيات من الإعلان دمشق؟
السؤال العاشر: كيف تقيمون سياسيا حملة الاعتقالات الأخيرة، وهل هناك رابط مابين الشخصيات التي تم اعتقالها؟
السؤال الحادي عشر: هل تعتقدون بوجود توجه جديد لإعلان دمشق، أدى لتغييب قوى وشخصيات مهمة عن نتائج الانتخابات الأخيرة؟
السؤال الثاني عشر: هناك بعض المزاعم بوجود توجه جديد نحو النيوليبرالية كي يحصل الإعلان على دعم وشرعية خارجية، ما مدى صحة هذه المزاعم؟
السؤال الثالث عشر: هل وجدت معايير محددة تم على أساسها دعوة الشخصيات المستقلة لحضور المجلس الوطني لإعلان دمشق؟ وماهي هذه المعايير في حال وجودها؟
السؤال الرابع عشر: هل وجد خلال انتخابات المجلس الوطني لقيادته، نوع من مراقبة الانتخابات قامت به جهات مستقلة “شخصيات مستقلة او منظمات حقوق إنسان”؟
فأجاب بالتالي :
عبد العزيز الخير
مدخل:
تكاد الآثار المدمرة لشكل الحكم الديكتاتوري أن تكون غير قابلة للحصر. ومن أبرزها أنها تؤدي إلى تذرير المجتمع بتحطيمها وإعاقتها للروابط الاجتماعية والسياسية التي ينزع الإنسان إلى إقامتها مع أبناء المجتمع، بحكم طبيعته الاجتماعية ونشاطه. يصدق هذا كما هو ملموس في سوريا على مختلف الروابط السياسية والنقابية والثقافية، وحتى الفنية والرياضية والإنسانية منها. ويتم منع هذه الروابط من التجسد في علاقات منظمة أو شبه منظمة، إما بالقمع المباشر (إذا اعتبرتها السلطة معادية أو يمكن أن تكون معادية)، او بالقمع شبه المباشر عبر المنع الإداري والإعاقات البيروقراطية المتنوعة، والاشتراطات السياسية كأن يطلب وجود مندوب دائم للسلطة في كل هيئة يجري تشكيلها، بما يضع تحت الرقابة المباشرة ليس نشاطها فحسب، بل والأفكار والأحاديث التي تدور ضمنها، مما يجبرها بالتالي على تجنب أي حديث أو عمل قد لا يكون “موضع رضا” أجهزة الأمن، تحاشياً منها للمساءلة والعقاب الذي يكثر استخدامه لأبسط الذرائع.
في مثل هذا المناخ البالغ القسوة الذي يعيشه الشعب السوري منذ عدة عقود، ولد “إعلان دمشق”، الذي شكل وللمرة الأولى في العقود الخمسة الأخيرة توافق إرادات ووعي على ضرورة “التغيير الوطني الديمقراطي” بين التيارات والقوى القومية (العربية والكردية والآثورية) والشيوعية، والإسلامية المستنيرة، وما يعرف بالليبرالية، وهو الظاهرة الأحدث بين جميع هذه التيارات. ولابد من من القول أن
اجتماع هذه الاتجاهات على مثل هذا الهدف، وفي ظل المناخ الموصوف آنفاً، وطرحها مشروعها (بغض النظر عن المآخذ عليه) علناً، وقيام نشطائها بممارسة نشاطهم بأسمائهم الصريحة، كان أمرا جديد لا سابقة لهً في نصف القرن الأخير، ويستحق الكثير من التشجيع والثناء والدعم.
في الوقت نفسه تلعب الديكتاتورية وضغوطها تأثيرا أكيدا على وعي أولئك الذي يعيشون في ظلها، وعلى طاقاتهم النفسية وأمزجتهم، وعلى حساباتهم السياسية والعملية، وعلى لياقتهم ومهاراتهم ولغتهم وانفعالاتهم (السياسية)، فيخفض القمع عموماً من “نوعية” هذا كله، ويزيد من حدة الانفعالات والخطاب. وبالطبع، فليس القمع وحده من يخلق هذه التأثيرات السلبية، إذ ثمة أسباب أخرى يمكن أن تساهم سلباً في الأمر.
في ظل كل هذا يتعين على الناشطين أن يقدموا إجاباتهم على مختلف القضايا المطروحة، والتي تجسد أسئلة مجلتكم الموقرة نموذجاً منها. يستبطن الناشط المناخ القائم في البلاد، وقيوده ومخاطره، بصورة واعية أو غير واعية، مما يمكن أن يؤثر على درجة حريته في الإجابة، وعلى موضوعية الإجابة، بخفض متعمد لدرجة الدقة والوضوح تجنباً لمخاطر ومحاذير قمعية يمكن أن تترتب على وضوح أو دقة أعلى (تطاله أو تطال غيره أفراداً وقوى، لاسيما أن عدداً مهماً من النشطاء يقبع اليوم  في السجن في ظروف بالغة السوء، بسبب آرائه ومواقفه. وقد نجد إضافة إلى هذا لغة وتوتراً أو غضباً، في اللغة والمحتوى، يدل على درجة الألم الذي يعيشه الشخص المعني ويعاني منه، بل وقد يحدث أسوأ من هذا، حيث يوجه بعض النشطاء غضبهم وانفعالهم إلى ناشطين وأحزاب يقفون معهم في الائتلاف نفسه، ولكن بآراء مخالفة في هذه المسألة أو تلك، وينجرفون بعيداً في الاتهام والشكوك، بدجل أن يوجهوا هذا الغضب كما يفترض إلى الديكتاتورية المولدة لكل هذا ألألم والتوتر.
إن أحد الآثار المهمة للديكتاتورية المديدة والقاسية على العقل والممارسة السياسيين في سوريا، أنها تدفع ضحاياها نحو ممر ضيق الصدر وقلة التسامح تجاه الاختلاف، وتسهل الانزلاق نحو تضخيم الشكوك والنزعة التآمرية في الفهم والتحليل.
يمكن طبعاً استثناء بعض النماذج الإنسانية النادرة من هذه العلل، نسبياً وليس إطلاقاً، ففي ظل الديكتاتورية يعاني الجميع، ولكن انعكاس هذه المعاناة على الوعي والممارسة يتفاوت بين نموذج وآخر، حيث تصل عند البعض إلى درجة المرض فعلاً، في حين تبقى عند غيرهم مفهومة وقابلة للتحمل.
ما أرجوه هو أن يقبل ماسبق من جانبي باعتباره اعتذار مسبق عن ماقد يبدو لغة حادة، أو انفعالاً زائداً في غير مكانه، أو نقصاً في الإفصاح والدقة في بعض مواقع إجاباتي. وأعتقد أن عموم الناشطين السوريين يمكن أن يقولوا مثل هذا، باستثناء هؤلاء الذين لا يدركون تأثير القمع على وعيهم ولغتهم وأمزجتهم!.
السؤالان الأول والثاني:
تبين وثائق الإعلان المتتابعة، الدوافع السياسية الكامنة وراء ولادته من جانب، وتلك الكامنة وراء تحولاته أيضاً، وصولاً إلى اللحظة الراهنة، من جانب ثان. من الواضح ان كل المشاركين في “ائتلاف إعلان دمشق” أحزاباً وشخصيات، يريدون هدفاً أساسياً، هو “إقامة نظام حكم وطني ديمقراطي” عبر “مسار سلمي وتدرجي”،  لقد سئم السوريون من الديكتاتورية أشد السأم، وباتوا يتلهفون إلى اللحظة التي يستعيدون فيها مواطنيتهم وحقوقهم السياسية الأساسية، لا سيما وأنهم يرون المناخ الإقليمي والدولي العاصف والخطر جداً على بلادهم ومستقبلهم. في حين تغرق الحياة السياسية السورية الداخلية في ركود عميق، وتنزلق أوضاعها في كثير من حقول الحياة من سيء إلى أسوأ. ومما يزيد من قلقهم على بلادهم ومستقبلها، مايرونه بأم العين في فلسطين والعراق ولبنان، وماينذر به مشروع “الشرق الأوسطي الجديد” السيء الذكر.
وفيما كان اليأس من إقدام النظام على إحداث تحول في شكل وأدوات الحكم، نحو وضع أقل ديكتاتورية وأكثر حريّة، (كما وعد في خطاب القسم الرئاسي عام 2000) قد شكل أحد الدوافع لولادة الإعلان، فإن اللحظة والكيفية التي ولد بها تشير بوضوح إلى تأثر كثير من القوى والشخصيات التي وضعت تلك الوثيقة الأولى، بالأجواء التي أشاعها تقرير ميليس وغذتها الدعاية الأمريكية بوعي هادف. والتي كان فحواها أن النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط، ولابد من المسارعة لتكتيل القوى للعب دور فاعل في التطورات المنتظرة، أو بعدها على الأقل.
ولايبدو ذلك التأثر في العجلة الواضحة في إعداد الوثيقة وإصدارها فحسب، بل يبدو جلياً أيضاً في كثرة عيوبها وفي مصطلحاتها التي تبنت بقفزة كبيرة في المجهول المصطلحات والمفاهيم الايديولوجية والسياسية الأمريكية الراهنة، كما تبنت زاوية رؤيتها للمنطقة وتكوينها ومستقبلها، وماهو متقاطع معها من أهداف سياسية تهم الشعب السوري، دون غيرها من الأهداف الوطنية والقومية والاجتماعية!
وقد يكون هذا التأثر، أو المجاراة، “شطارة” في عرف البعض ووعيهم، وقد يكون انسياقاً غير واع وغير متعمد من قبل غيرهم، لكن الوثيقة الأولى بمحتواها وتوقيتها تشي به بوضوح كما يبدو لي. كما يبدو أن الأمريكيين قد ورّطوا بعض السياسيين اللبنانيين بالوهم ذاته وحشروهم بعد ذلك في مسارات قد لا تكون متطابقة مع مايريدونه بالضبط، أو مع ماكانوا سيمضون فيه لولا نجاح الأمريكيين في خداعهم!.
وإذا كان (وهم ميليس) المعزز أمريكياً قد زوّد بعض السوريين (قوى وشخصيات) بالأمل والاندفاع الضروريين كل الضرورة لتحقيق شكل ما من أشكال التحالف العريض، يفصح عن استعدادات سياسية ما، بوضوح نسبي، فلا بأس في ذلك إطلاقاً، ولا جديد فيه تاريخياً في الحقيقة، فلطالما اندفعت قوى وجماهير عريضة أيضاً، بفعل اقتناعها بوهم ما (وعي زائف ما، حلم طوباوي ما) إلى ميدان الفعل السياسي والتاريخي، لتنجز أو لتحاول إنجاز مهمة تتطلبها ضرورة اجتماعية أو سياسية أو تاريخية معينة، بصرف النظر عن علاقتها (الضرورة) أو عدم علاقتها بذلك الوهم أو الوعي الزائف، وبصرف النظر أيضاً عن محتوى النصوص وفحواها(*). ومايجعلني اليوم قليل المبالاة تجاه “وهم ميليس” قصر عمره، وافتضاح المحتوى الفعلي للمشروع الأمريكي في المنطقة، على ضوء الدرس العراقي الدامي والمروّع.
لاحقاً، عاد المحتوى الوطني والقومي المناهض للمشروع الأمريكي والصهيوني، والمميز تاريخياً للثقافة والمعارضة السياسية السورية، ليفرض نفسه بسرعة (ولكن ليس دون صراع داخلي طويل) على وثائق إعلان دمشق (وهو ماتجسد في بيان التوضيحات)، والذي أقر في حينه بإجماع المشاركين في الإعلان أيضاً. وبعد هذا، ونتيجة لصراع داخلي ليس أقل طولاً ولا إنهاكاً، عادت “صيغة توفيقية إلى حد ما” بين البيان الأول وبيان التوضيحات، لتتجسد في “الوثيقة السياسية” الصادرة عن المجلس الوطني الموسع، والتي يفترض أنها حسمت الجدل (من حيث الجوهر) بين الوثيقتين السابقتين.
لقد شكل بيان التوضيحات “ردّة الرّجل” وإعادة الاعتبار إلى المواقف التاريخية لمعظم القوى الوطنية السورية، على حساب القوى الحديثة العهد بتوجهاتها السياسية، والمتأثرة بالخطة الأمريكية الراهنة ومشروعها للمنطقة.
الأسئلة، ثلاثة وأربعة وخمسة وستة:
التسمية التي أقرها المجلس الوطني الموسع لإعلان دمشق هي، “ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”. وكلمة ائتلاف كما تفهم وكما هو واقع الحال، تشير إلى حالة من التفاهم والاتفاق بين قوى وشخصيات، على هدف سياسي مشترك، أو أكثر من هدف، وعلى درجة من الترابط وتنظيم العلاقة والمركزة بين مختلف الأطراف، أقل ضبطاً وأكثر حرية من الجبهة أو التجمع.
وقد أنجز المجلس الوطني الموسع: أ- إقرار وثيقة سياسية يفترض بها أن تشكل قاسماً مشتركاً بين قوى ونشطاء الائتلاف، يضبط توجهاتهم السياسية والبرنامجية المتعلقة بأهداف الإعلان وبكيفية تحقيقها أو التقدم على طريقها.
ب- وثيقة تنظيمية ولائحة داخلية تقرر دمجهما لتصيرا وثيقة واحدة، تنظم العلاقات والبنية التنظيمية بين مختلف هيئات الإعلان وناشطين في كل موقع (أعضاء، لجان مناطق، أمانة عامة، رئاسة مجلس وطنين ولجان تخصصية مختلفة المهام، وذلك داخل الوطن وخارجه)، وتوضح الوثائق صلاحيات كل هيئة وموقع للإعلان وتحكم العلاقة بينها.
لا يصادر “ائتلاف إعلان دمشق” حريّة نشطائه وقواه في إعلان الآراء والمواقف الخاصة المتمايزة عن موقف الائتلاف في هذه المسألة أو تلك. ويكون صاحب الرأي المخالف (ناشطاً أو حزباً) مسؤولاً عن رأيه الخاص. ولا يشاركه الائتلاف في تحمل هذه المسؤولية. كما يظل حق الرد والنقاش محفوظاً للنشطاء والأحزاب الأخرى، كما لهيئات الإعلان المختلفة. ويعتبر هذا جزءاً من حرية الرأي والتنوع الفكري والسياسي في واقع الائتلاف نفسه.
إلا أن هيئات الائتلاف المعنية هي وحدها المسؤولة عن التحدث رسمياً باسمه وعن تحديد مواقفه من مختلف القوى والشخصيات والأحداث السياسية. لقد حددت الأمانة العامة للائتلاف موقفاً واضحاً يرفض ادّعاء مأمون الحمصي تمثيله للإعلان أو علاقته به. ومن ثم فهو يتحمل وحده مسؤولية تحركاته وتصريحاته، كذلك حددت الأمانة العامة موقفها من (جبهة الخلاص)، ومن الإخوان المسلمين المنخرطين فيها بالتالي، حيث أوضحت أن (لا علاقة للإعلان بتلك الجبهة)، وإذا كان هناك من يشارك في ائتلاف إعلان دمشق ويقيم صلات معلنة أو غير معلنة مع هذا الطرف أو ذاك، فهو بذلك يعبر عن نفسه، ولا مسؤولية للائتلاف عن صلاته أو تصريحاته.
السؤالان السابع والثامن:
كان يمكن لانعقاد المجلس الوطني الموسع أن يكون خطوة رئيسية إلى الأمام في مسيرة ائتلاف إعلان دمشق، لولم تعترضه مشكلتان مهمتان:
الأولى: وهي الأسبق حدوثاً والأهم سياسياًن هي تركيبة المجلس الوطني التي طغى عليها تقريباً لون واحد مع مشتقاته، من الألوان الإيديولوجية والسياسية، من “المستقلين”. وواقع الحال أن معظمهم حزبيون سابقون في هذا التنظيم أو ذاك، وهم وإن كانوا مستقلين تنظيمياً، فإنهم غير ذلك إيديولوجياً وسياسياً.
أما كيف حدث ذلك، فلا مكان هنا للتفاصيل، لكن من الضروري والملزم توجيه نقد عميق وحازم للعقلية التي عملت على توليف هذه التركيبة التي لا تعبر إلا عن شريحة محدودة من الناشطين السوريين، تتناسب توجهات ومقاصد من رشحوها للمجلس كما يوجه النقد بالعمق والحزم نفسه إلى القوى الأخرى المشاركة في الأمانة العامة السابقة، والتي سمحت بحدوث ذلك (لم يكن الترشيح والقبول سوياً، بل تم بموافقة أعضاء الأمانة العامة على كل مرشح، كقاعدة قد يكون لها استثناء نادر!) والتي لم تقدم مرشحين آخرين من “المستقلين” ذوي ألوان سياسية وأيديولوجية أخرى، لتحقيق تمثيل أوسع طيف ممكن من النشطاء السوريين، ولتثقيل تمثيل طروحاتها وخطها في المجلس.
وسواء تم هذا الأمر جهلاً بأهميته (ولا نظن هذا)، أم لعجز عن ترجمته عملياً، فالنتيجة بالغة السوء في الحالين، ودلالتها ليست أقل سوءاً!!
وبالترافق مع تجاوز مبدأ التوافق المسبق لتمثيل الأحزاب والاتجاهات المختلفة في الأمانة العامة، عبر مقاعد تخصص لكل حزب، واعتماد مبدأ الانتخاب في المجلس بديلاً لذلك، لممثلي الأحزاب وللمستقلين على حد سواء(*). (وهذا خطأ منهجي في التحالفات التي لا تستهدف أن تصير حزباً، ولاسيما في المراحل الأولى لوجودها حيث يشكل التفاهم والتواثق والقبول المشترك شروطاً لازمة لا غنى عنها لترسيخ التحالف وتثبيت أقدامه وروابط المشاركين فيه)، بالإضافة طبعاً لما يمكن افتراضه من مناورات انتخابية وتوافقات مسبقة بين بعض الأطراف في الائتلاف حول الترشيحات، فقد أدت تركيبة المجلس السابقة وكل ماذكر آنفاً، إلى استبعاد فعلي لممثلي حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي وحزب العمل الشيوعي عن التمثيل في الأمانة العامة، وقد تزداد خلفية ماحدث وضوحاً حين نشير إلى عبارات تكررت كثيراً على السنة بعض قيادات “التيار الرابح” تقول صراحة “أنه يجب “تلقين” الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل درساً، وأن ذلك سيكون عبر “إغراق المجلس بالمستقلين”. وان أولئك القياديين قد (تعبوا من “غرور” الاتحاد الاشتراكي وسعيه لتمثيل متميز له في هيئات الإعلان القيادية، كما تعبوا من حزب العمل ومناقشاته وتدقيقاته التي لا تنتهي…الخ). وقد راهن البعض كما بدا واضحاً عقب انعقاد المجلس على أن “يمرر” الحزبان النتائج المترتبة عليه، لكن هذا لم يحصل فكان الوضع – المأزق الراهن، ثمرة كل ماسبق.
بمجرد أن ظهرت نتائج انتخابات الأمانة العامة، كان رأي رئاسة المجلس الوطني، والذي تم إبلاغه إلى الأمانة العامة في اليوم التالي مباشرة، هو: “أن نتائج الانتخابات تهدد الائتلاف، وأنها قد أوقعته في ورطة عميقة. ويطلب إلى الأمانة العامة بذل كل جهد لتداركها، ولتصحيح الأوضاع مع حزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل”. وها نحن اليوم نواجه مشكلة عميقة حقاً، وستكون لها تداعيات بالغة السوء مالم تجر معالجتها بصورة شاملة، لا تصحح النتائج فحسب، بل وتحض ضد الأسباب والممارسات (من مختلف الأطراف) التي أوصلتنا إلى هنا، وهو ما يجري العمل عليه حالياً، وما نرجو نجاحه.
أما المشكلة الثانية التي اعترضت طريق تثمير اجتماع المجلس الوطني الموسع، فقد بدأت بعد المشكلة الأولى بنحو أسبوع، ولم تكن مستبعدة من حيث المبدأ، وهي ردّ النظام على الاجتماع بالاستدعاءات والاعتقالات، لكن هذا الردّ جاء في الحقيقة شديد القسوة والتطرف، وشكل نقلة بالغة السلبية في موقف النظام من “حرية الأمر الواقع” التي كان يتغاضى عنها، وعودة إلى سياسيات البطش التي كانت معتمدة في بعض المراحل السابقة، وبالضرورة فقد أدت هذه الاعتقالات إلى تغذية مناخات الخوف والانكفاء التي يعرفها السوريون جيداً. ولا يحتاجون إلاّ لتذكير رمزي بها، ليعيشوها مجدداً!. كما أدت أيضاً إلى إضعاف هيئات الائتلاف، لاسيما المركزية منها، وإعاقة عملها إلى حد بعيد. (لقد اعتقل ثلاثة من خمسة أعضاء يشكلون هيئة رئاسة المجلس الوطني، واعتقل ثمانية من أصل سبعة عشر عضواً يشكلون الأمانة العامة، بما فيهم رئيسة المجلس، ورئيس هيئة الرئاسة في الأمانة العامة).
وبالنتيجة، فإن انعقاد المجلس الوطني الموسع قد تمخض عن عدد من النتائج الإيجابية الأكيدة، ولكن أدى بالكيفية التي تم بها (وفق ماعرض آنفاً) إلى أزمتين، أولاهما داخلية، وهي كبيرة الأهمية سياسياً وتنظيمياً ومعنوياً، وثانيتهما خارجية، تمثلت في السياسة المستجدة للنظام تجاه الإعلان، وهي تهديد مصيري لوجود الائتلاف وفعاليته.
ويشكل استمرار الأزمتين، وعدم النجاح في معالجتهما بطريقة أو بأخرى (وليس الأمر مرهوناً بالائتلاف وحده) تهديداً لمستقبل الائتلاف، ومستقبل القوى السياسية السورية القائمة اليوم، كما سيؤثر على مستقبل الوضع السياسي السوري عموماً بطرق متنوعة، ليس فيها ماهو إيجابي.
أما تجميد الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل لنشاطهما (وليس لعضويتهما، وثمة فرق مهم بين الحالتين) فقد شكل إنذاراً قاسياً للاتجاه المسيطر في الأمانة العامة بشكل خاص، وقد جرّب البعض لوهلة تجاهل ذلك الإنذار أو التقليل من أهميته، لكنه كان كمن يغمض عينيه عن قسوة الواقع، ليعود من بعد فيفتحهما على مصاعب الوضع الملموس التي جرب أن يهرب منها إلى وهم ما.
يشكل تجميد النشاط كما يجب فهمه رسالة مزدوجة: تحتج بصورة جديّة تماماً على جوانب في المجلس الوطني الموسع وما تكشف عنه انعقاده، من جهة، وتترك الباب مفتوحاً للحوار “ومعالجة الأوضاع” من جهة ثانية. وتتوقف تطورات هذا الوضع كما هو واضح على نوايا ووعي وممارسة كل الأطراف المعينة بالأزمة. كما تشكل في الوقت نفسه اختبارا لمدى نضج الوعي السياسي والتحالفي للمعارضة السورية الديمقراطية، وما إذا كان قد وصل إلى مستوى يمكنه من معالجة وضع مشكلٍ كهذا، بصورة تنقل الحركة بمجملها إلى الأمام، وتعزز ثقة النخب السياسية (والشارع السوري بالتالي) بقيادات الائتلاف والمعارضة عموماً، وبجدارتها بقيادة، أو على الأقل بالمشاركة في عملية الانتقال، التي يحلم بها ويتمناها معظم السوريين، نحو نظام حكم وطني ديموقراطي، أو أقله نحو الظفر بالحريات السياسية التي طالما ظمئ الناس واشتدت حاجتهم إليها.
أما الفشل في ذلك، فسيقوض على الأرجح البقية الباقية من الثقة المهزوزة أصلاً بتلك القوى وجدارتها، وسيخلق بانحسارها وفشلها، وإن يكن بعد زمن، الحاجة لبلورة بدائل لها وللرموز المسؤولة فيها، كما لبلورة بديل لائتلاف إعلان دمشق نفسه.
السؤالان التاسع والعاشر:
جاءت قرارات التجميد نتيجة سلسلة طويلة من الخلافات ذات المكونات السياسية والبرنامجية والتنظيمية بين قوى لائتلاف، وكانت وقائع “الانتخابات” في المجلس الوطني الموسع حلقتها الأخيرة الحاسمة، بما كشفته من شروخ في الالتزامات المتوافق عليها، وما سببته من أذى لروح التواثق والشفافية الضرورية كل الضرورة في ائتلاف من هذا النوع، ولا سيما في مراحله الأولى وقبل ترسخه وتمتن العلاقات بين أطرافه، ولم تفعل الاعتقالات (شأنها دائماً) سوى إرباك الساحة، وتقييد حرية وفاعلية أطرافها في متابعة نشاطها السياسي (تقارباً أو تباعداً، توافقاً أو تبادلاً للنقد والخلاف). فالجميع في ظل الاعتقالات يغير أولويات نشاطه، فيبطئ منه، ويصير الدفاع عن المعتقلين والحرص على عدم زيادة أعدادهم الهم الأول المشترك بين كل الإخوة المتخاصمين وغير المتخاصمين.
ومن مساوئ الاعتقالات أيضاً أنها تفتح باباً جديداً لمستويات معينة من الوعي والمصالح، لإثارة الشكوك والشبهات حول أسباب اعتقال فلان دون فلان، أو استهداف هذا الطرف دون ذاك.. الخ، وكأن الاعتقال ليس رهناً بإرادة وخطط واستهدافات أجهزة القمع (أمنياً وسياسياً) بل بإرادة الضحايا والمرشحين لأن يصيروا ضحايا! أو كأنة تعميق الشكوك وزعزعة الثقة بين أطراف المعارضة، ليس هدفاً دائماً للنظام، يعمل لخدمته حتى عبر توجيه الاعتقالات بالصورة التي تعمقه وتزيد طينه بلة.
لقد شكلت الاعتقالات الأخيرة تصعيداً حاداً ضد المعارضة السورية عموماً، وضد ائتلاف دمشق خصوصاً، وهي بدورها تأتي كخطوة تضاف إلى جملة خطوات قمعية سبقتها، يلاحظ تزايدها وتوسعها عاماً بعد عام، وكأن العهد الجديد يعود ببطء ولكن بثبات نحو سياسات القمع الشامل للعهد القديم، ويلاحظ هذا بشكل خاص في التعامل مع الإعلام بمختلف أدواته، لاسيما منها الالكتروني، حيث يتصاعد حجب المواقع السورية أو المهتمة بالشأن السوري، وفي نشاطات المراقبة والرصد للنشطاء في مختلف الحقول، وأخيراً في توسيع الاعتقالات والمعاملة السيئة جداً للمعتقلين.
هل قدح الانعقاد الناجح للمجلس الوطني زناد الاعتقالات، أم أن مابدا وكأنه تغير في اللون السياسي لتركيبة الأمانة العامة وتجميد قوى معينة لنشاطها هو مافعل ذلك؟ أم هما الأمران معاً؟ أسئلة تحتمل إجابات متنوعة، لكن يمكن القول بأن “الشرخ” الذي كشفته نتائج الانتخابات، قد يكون شكّل “إغراءً” للنظام ليلعب على التناقضات، والضغط عليها بالقمع، وبالتالي، إضعاف المعارضة ككل تنظيمياً وسياسياً.
أما الشخصيات المعتقلة حتى ألآن، فأهم ما يجمعها أنها تحتل مواقع مسؤولة في قيادة الائتلاف (أكثر من نصف رئاسة المجلس الوطني وحوالي نصف الأمانة العامة) وثمة تقديرات بأن هناك مطلوبين للاعتقال من السويّة نفسها، وليس مستغرباً أن يكون النظام قد اتخذ قراراً بإنهاء ائتلاف إعلان دمشق، كما سبق له وأنهى ظاهرة المنتديات وغيرها. ومن ثم فإن أي محاولة (لتصنيف) المعتقلين سياسياً، لن تكون سوى خدمة (لتكتيك) القضم التدريجي لقوى الإعلان، بالإيحاء بأن الطرف أو الاتجاه الفلاني مستهدف أكثر من غيره، أما الاتجاه الفلاني فمستهدف أقل… وبالنتيجة سيقول آخر الضحايا: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
السؤالان الحادي عشر والثاني عشر:
اتصفت البورجوازية السورية تاريخياً بأنها ذات ثقافة تجارية وروحية رخوة ومساومة.. ليس من صفاتها الإقدام (بحيث تخوض صراعاً مكلفاً ضد نظام قمعي قوي) ولا المبدئية (بحيث تتبنى ثقافة وقيماً تصطدم بحدة مع جوانب من الثقافة والقيم الدينية السائدة، كالليبرالية مثلاً)،ومما يبعث على الأسف أن هذه البورجوازية لم تنجب خلال تاريخها شريحة تدفعها مصالحها لتبني قيم الليبرالية أو غيرها من الاتجاهات الفكرية الحديثة.
ثمة بالتأكيد أفراد قليلون يشكلون استثناء للقاعدة السابقة، ورياض سيف واحد منهم، بل هو أبرزهم في الحقيقة، منذ عقود. وبالمقابل، فقد تعايشت البورجوازية السورية مع شتى أنظمة الحكم المتعاقبة، وفضل من لم يرد التعايش أن يغادر البلاد مع أمواله، لا أن يواجه ويخوض صراعاً يكلفه مالاً وحرية وربما دماً. (انظر مثال رياض سيف الذي يستحق بجدارة لقب مناضل، بصرف النظر عن الاتفاق أو الخلاف مع آرائه). وتعايشت هذه البورجوازية بخنوع مع نظام حكم حافظ الأسد، وهاهي اليوم تتزاوج معه بنجاح، وتكاد تحتل كامل الحيز في السلطة الاقتصادية التي تقود البلاد بتسارع مخيف نحو التكيف مع شروط صندوق النقد الدولي والنظام الرأسمالي العالمي، وحيث يحكم “قانون السوق” في “سورية اليوم” بسلطة شبه مطلقة.
بناء على ما كل ما أوردناه يمكن القول إنه لا يوجد “ليبرالية” في سوريا، لا بالمعنى الاجتماعي ولا بالمعنى السياسي، وفي الحقيقة فإن السلطة الراهنة والسابقة أكثر ليبرالية من بقية البورجوازية ومن قطاع مهم من المجتمع، بالمعنى الاجتماعي تحديداً، وهي من يقود البلد نحو ليبرالية الاقتصاد عملياً، في حين تجسد النقيض لشكل الحكم الليبرالي بديكتاتوريتها. ثمة أصوات وطروحات سياسية في سوريا، تبدو (ليبرالية) سياسياً، هي في حقيقتها أصوات مرتدين عن الماركسية أو عن غيرها من الاتجاهات السياسية والايديولوجية (بعضها النادر ليس كذلك). هؤلاء الماركسيون يبدون لي (وعذراً للتشبيه) كالأعراب الذين كفروا بإلههم الذي خذل أمانيهم ودعواتهم، (فأكلوه)، وعبدوا إلهاً غيره! هي ظاهرة ارتداد إذاً، موجودة في سوريا وفي كثير من بلدان العالم، بعد انهيار دول المنظومة السوفيتية السابقة وتفرد القطب الأمريكي بالعالم، وقد أوصلت بعضهم ليس إلى تبني الليبرالية فحسب، بل وإلى الليبرالية المتوحشة، في ردة فعل عنيفة ومتطرفة على ماضيهم وتاريخهم وقناعاتهم السابقة التي باتوا يرونها أوهاماً وطوباويات!.
ويستحق التقدير حزب قام بوضوح بتجديد وثائقه وتغيير اسمه لينسجم مع توجهاته الجديدة الموصوفة بأنها ليبرالية، في حين يبدو مفارقاً بصورة طريفة أن آخرين (قوى وأفراد) ورغم التغيير العميق الذي طال تفكيرهم وخطابهم، مازالوا يحتفظون بأسمائهم القديمة المناقضة تماماً لتوجهاتهم الراهنة. والمدبجة بأوصاف الاشتراكية والثورية وغيرها مما فات أوانه بالنسبة لهم!.
يبدو لي، وأرجو أن أكون مخطئاً، أن هذه “الليبرالية” ليست سوى فطر يظهر وينمو بسرعة في المناخ المناسب له، متغذياً على الأجزاء المتحللة من أشجار أو نباتات ماتت، ثم يذوي بالسرعة نفسها مع تغير المناخ، أو نفاذ غذائه!
وبالتالي فالأمر عندنا وفي كثير من البلدان المشابهة، لاسيما العربية منها، ظاهرة بلا جذور اجتماعية محلية. لهذا تبدو وكأنها مجرد حالة من “التساوق أو الانجراف” مع موجة تولدت نتيجة الانهيار السوفييتي والتفرد الأمريكي بالعالم، وليس نتيجة حالة ووضع اجتماعي – سياسي داخلي.
وأرجو أن يكون واضحاً تماماً أن كل ماسبق لا يمس في قليل أو كثير صدق وجدّية مناضلين كثيرين في هذا الاتجاه، في سعيهم ونضالهم لأجل الديموقراطية، التي هي الهدف المشترك الذي يجمع المؤتلفين حول إعلان دمشق، ولا يشكك في نواياهم وصلابتهم، وإن كان ينتقد الظاهرة ويحاول تحليلها، وما أرجوه حقاً هو أن يتعمق في سوريا وعي وثقافة ليبرالية أصيلة وراسخة، وأن يكون “لليبراليين” الحاليين دورهم الإيجابي في ذلك.
أما الحديث عن “توجه جديد لإعلان دمشق نحو النيوليبرالية” فليس دقيقاً، فتوجه الائتلاف قبل المجلس وبعده ليس كذلك، بدلالة الوثيقة السياسية التي أقرت كناظم للتوجه السياسي للائتلاف. علماً أن التوجه “الليبرالي” موجود كصوت من الأصوات المؤتلفة في الإعلان، قبل المجلس وأثناءه وبعده. وهو لم يزدد وزناً ولم يكسب جمهوراً جديداً، إلا أن انتخابات المجلس قادت إلى مايبدو أنه تفرد للاتجاه الليبرالي بالقيادة، ليعود تجميد بعض القوى لنشاطها، ومن ثم الاعتقالات الأخيرة، لتخلط الأوراق من جديد، وتضع الائتلاف بمجمله أمام تحديات كبرى، سبق توضيحها، وتطغى أهميتها وضرورات معالجتها على كل شيء عداها.
ائتلاف دمشق ليس حزباً موحداً ومنضبطاً، هو تحالف مازال هشاً، ويتعين أن تعبر هيئاته المسؤولة عن ماهو مشترك ومتفاهم عليه بين القوى المؤتلفة. وإذا أعتقد اتجاه أو طرف ما أنه إذا “سيطر على القيادة” فسيتمكن من توجيه الائتلاف حيث يشاء، فذلك خطأ قاتل، لأن أي طرح أو تحرك سياسي لا يتم ضمن الهوامش المتفق عليها بين مختلف القوى والأطراف، سيقود بالضرورة على شروخ في الائتلاف، وقد يؤدي إلى تفككه تماماً، وهذا تهديد قائم الآن ويتوقف على نجاح معالجته وإزالة أسبابه مستقبل الائتلاف ذاته.
من جهة أخرى، ثمة أحزاب أو شخصيات تتحدث بلغة ومفاهيم وتقدم أفكاراً قد تظن أنها “نسوّقها” خارجياً، فهل سيجلب لها مثل هذا الطرح دعم (الخارج) أو (شرعيته)؟ أعتقد أن ما تبالي به السياسة والصراع السياسي، إن في الداخل أو الخارج، إنما هو وزن الحركة وحجم جمهورها وتنظيمها وقدرتها على الفعل في ساحتها. فهذا هو ما يضفي (الشرعية) الداخلية والخارجية، وليس سواه، وهذا كله مفتقد أو ضعيف جداً لدى كل الأحزاب السورية، ومن هنا تنبع أهمية إضافية لائتلاف إعلان دمشق، حيث يملك فرصة أكبر من كل ما عداه اليوم في سوريا، لخلق وزن فعلي على الأرض، يتعذر على النظام تجاهله، كما يتعذر على الخارج ذلك… هذا إذا أحسن الائتلاف معالجة مشاكله وتعزيز قواه وشعبيته، وتوسيع منافذه ليستقطب مزيداً من القوى والاتجاهات السياسية المتحفظة عليه لهذا السبب أو ذاك.
السؤالان الثالث عشر والرابع عشر:
أترك مسألة (المعايير) التي تمت على أساسها دعوة الشخصيات المستقلة، لأعضاء الأمانة العامة السابقة التي تولت هذا الأمر.
أما انتخابات المجلس الوطني الأخيرة، والتي لم تشارك في الإشراف عليها أي جهة مستقلة عن الائتلاف، لأسباب عملية مفهومة جداً، فأستطيع القول ومن مسؤول شارك في تنظيم عملية الانتخاب والإشراف عليها، إنها جرت بنزاهة وحريّة تامة، ولم تكن هناك أي محاولة للتزوير، كما لم يحتج أي من المشاركين في المجلس على وقائعها أو سيرها أو فرز الأصوات أو النتائج.

حزب العمل الشيوعي – نائب رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق كمستقل

سورية الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى