بدرالدين حسن قربيصفحات العالم

أصحاب الجَمَل ولازمة الفساد والاستبداد

بدر الدين حسن قربي
ما سمعت مسؤولاً سورياً أياً كان، يتحدث في شأن عام أياً كان هذا الشأن محلياً أو إقليمياً أو دولياً، اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً ولو كان في حفلة عرس أو عن أزمة مرور، إلا وينتهي بكلام عن المقاومة والممانعة والمقاومين والاستسلام والخانعين وكامب ديفيد أيضاً، وكأنه عائد للتوّ من أرض المعركة لبعض الوقت ليرجع إليها من جديد. ولئن استغربتَ أن نهايات الكلام هي غيرها تماماً عن بداياته، فإن استغرابك يزول عندما تفهم منه أن هذه هي ثقافة المقاومة وفعلها عند المقاومين، وليذكّرك – بطريقة ما – بذلك الطالب صاحب الجَمَل المفتون بجمله، حيث ما يلبث أن يبدأ كلامه إلا وينتقل إلى الحديث عنه أياً كانت بداية حديثه.
فإن كتب صاحب الجمل عن الربيع قال: هو فصل من أجمل فصول السنة، تكثر فيه المراعي الخضراء مما يتيح لجملنا أن يشبع، والجمل حيوان يصبر على الجوع والعطش أياماً، ويستطيع المشي على رمال الصحراء بكل يسرٍ وسهولة، من أجل ذلك لقبه العرب بسفينة الصحراء واستخدموه في نقل متاعهم وترحالهم، ثم يتابع والجمل…… إلخ.
وإن هو كتب عن الصناعات والتقنية في اليابان قال: تشتهر اليابان بالعديد من الصناعات ومنها السيارات، ولذلك فهم لا يستخدمون الجمال في تنقلاتهم علماً أن الجمل حيوان يصبر على الجوع والعطش أياماً، ثم يكمل والجمل…… إلخ.
ولئن كتب موضوعاً عن الكومبيوتر وفوائده قال: هو جهاز مفيد يكثر في المدن التي لا يوجد فيها جِمال، وإن استقدم إلى المدينة فلغايات الحرب كما حصل في معركة الجمل المصرية في ميدان التحرير، لأن الجمل حيوان يصبر على الجوع والعطش أياماً، ثم يكمل بحديثه عن الجمل….. إلخ. وهكذا هو في كل مسألة يتحدث بها، ينتهي إلى الحديث عن الجمل، كما هو حديث مسؤولينا عندما ينتهي إلى المقاومة وإسرائيل والعلاقات معها وكامب ديفيد بمناسبة وغير مناسبة. فكل أهل الأرض – إلا صاحب الجمل – يعلمون أن الانتفاضتين التونسية والمصرية كانتا احتجاجاً واضحاً على استبداد نظام الحكم وفساد جوقته، مما ترتب عليه انتشار فواحش القمع السياسي ونهب الثروات وجوع المعترين من العباد. وعليه، فكانت المطالبات واضحة أيضاً أمام الخلق أجمعين، برحيل النظام وتنحي الرئيس، وإجراء إصلاحات دستورية فاصلة تمنع الاستبداد وتوقف النهب وتطلق الحريات وتحاسب المتجاوزين، وتلاحق لصوص المال العام وبلاعيه، إلا صاحب الجمل ومستشاروه وأنصاره وحلفاؤه فكان لهم مطالعاتهم بأن ما كان، إنما هو ثورة على كامب ديفيد، التي تقوضت بفعل هذه الانتفاضة. ومن ثمّ فطالما هم خارج كامب ديفيد ولا علاقات لهم مع إسرائيل، فهم بالتأكيد غير تونس وغير مصر، وهم في أمن المقاومة في حال من الاستقرار مكين، وفي أمان الممانعة في حصن حصين، ولا يجري عليه ما جرى على الآخرين، من احتمال امتداد الاضطراب السياسي والاحتجاجات إليهم مهما فعلوا من فواحش الفساد وارتكبوا من موبقات الاستبداد ونهب الثروات.
وعليه، ففيما يبدو أن الرؤية البراغماتية لأصحاب الجمل أن الفساد والإفقار والتجويع ونهب الثروة والاستبداد القابل للانتفاض عليه وهزيمته هو ما كان من النوع الخانع والمستسلم والمكشوف بعلاقات مع إسرائيل أو اتفاقيات من مثل كامب ديفيد كما حصل في مصر، وأما أن تكون الانتفاضة عليهم، فسوف تنتهي بفشل متحقق بفعل المقاومة والمقاومين، فعزمهم غير عزم المستسلمين. قد يستغرب البعض مثل هذه البراغماتية، وإنما هذا ما يريده لنا أصحاب المشروع الوطني والقومي المقاوم والممانع دولاً وجماعات وأحزاباً على كل مذاهبهم وطوائفهم وأديانهم وقومياتهم أن نسكت على ديكتاتوريتهم وفضائح فسادهم، لأنهم ملتحفون بقدس القضية وطهرها رغم أنهم أثبت شأناً وأقدم عهداً في القمع والنهب والتوريث ممن انتفض الناس عليهم في تونس وأم الدنيا، فرحّلوهم ونحّوهم آخر نحنحة.
يا ناس..!! يا عرب..!! يا مسلمون..!! (شوفوا) لنا مشروع مقاوم وممانع خال من القمع والإرهاب والتجويع والقهر، إلا إذا كانت لازمة مشروعكم الوطني والقومي وضرورته دولة أمنية عصيّة ومستعصية على الإصلاح ممتهنة للكرامات، وفسادها ليس فيه ذرة من حياء، فإننا لا نبتغي مشروعكم مهما كان اسمه، وخطابكم مردود عليكم أيّاً كانت عباءته. وسلام عليكم لا نبتغي قوماً ممانعين نهّابين ولا مقاومين مستبدين. اعدلوها وأصلحوا أنفسكم قبل تنحّيكم أو تنحيتكم أو رحيلكم، فسواء كنّا مثل تونس ومصر أو لن نكون، فإن لكل واحد منّا ساعة حساب آتية لا ريب، يوم تهتز أرضنا بالحياة وتربو، وتعلو عرائس الياسمين والورد جدرانَنا وتزهو، تزّين فجرنا الوليد الجديد ويحلو، وتغرّد بلابلنا ليومٍ عابق بالحرية وتحدو. ويل يومئذٍ للظالمين، وبهدلةٌ وشرشحة للفاسدين، وما أمر المفترين والحرامية البلاّعين عنكم ببعيد..! فهل من مدّكر..!!؟
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى