صفحات العالمما يحدث في لبنان

بايدن في بيروت: رسائل تحت الماء

سعد محيو
الساعات الست التي أمضاها نائب الرئيس الأمريكي بايدن في بيروت، كانت تعج بالمعاني والمؤشرات من تحت الماء بالنسبة إلى إيران وسوريا، وتخلو من أي معنى أو أي مؤشر بالنسبة إلى لبنان .
قد تبدو هذه، لوهلة، محصلة غريبة، إذ هذه المرة الأولى في التاريخ التي يزور فيها ثاني أكبر مسؤول في أمريكا لبنان . كما أن هذه أعلى زيارة لمسؤول أمريكي لبيروت منذ 25 سنة . ثم إن زيارة بايدن تأتي بعد زيارات مفاجئة مماثلة قامت بها مؤخراً وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون وبعدها معظم سرب قادة الدبلوماسية الأمريكية الذين توافدوا جميعاً إلى بيروت ليعلنوا من هناك (كما فعل بايدن) دعمهم ل “استقلال لبنان” ول “الديمقراطية اللبنانية” .
بالطبع، ثمة سبب لبناني ظاهر لهذه الفورة الأمريكية، فواشنطن قلقة من احتمال انتصار المعارضة بزعامة حزب الله في انتخابات 7 يونيو/ حزيران النيابية المقبلة . وبالطبع أيضاً هي تريد من وراء هذه الزيارات عالية المستوى رفع معنويات قوى الموالاة الصديقة لها، بيد أن هذا القلق لا يبرر كل هذا الاهتمام الكبير في هذا البلد الصغير الذي لا يستطيع فيه أي طرف سياسي أن ينتصر حتى لو انتصر، بسبب تركيبته الطائفية المعقدة .
قال نبيه بري مرة، وعن حق: حتى لو تحالف السنّة والشيعة والمسيحيون الذين يشكلون معاً 95 في المائة من سكان لبنان ضد طائفة اللاتين الأصغر في البلاد (نحو 50 ألف نسمة) فإن هذه الأخيرة قادرة على إلحاق الهزيمة بهم جميعاً .
أجل، حزب الله يثير قلق واشنطن التي لاتزال تضعه على لائحة الإرهاب، لكنها تنسى أن الفضل في صعود هذا الحزب يعود إلى السياسات الأمريكية نفسها التي شجعت كل الغزوات “الإسرائيلية” للبنان منذ العام 1978 وصولاً إلى العام ،2006 والتي كانت وراء تبلور خيار المقاومة في المنطقة العربية كرد على حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في دولة على جزء من أرضه التاريخية .
إدارة أوباما، التي ورثت من إدارة بوش ومن سبقها، كل كوارث السياسات الأمريكية في لبنان، تعرف بالتأكيد كل هذه الحقائق وتدرك أنها لن تستطيع إدخال أي تغيير فعلي فيها طالما استمر الفيتو “الإسرائيلي” . لكن، وطالما الأمر على هذا النحو، لماذا تحمّل بايدن مشقة المجيء إلى لبنان وسط إجراءات أمن لم يسبق لها مثيل (ثلاثة “أساطيل” ضخمة من السيارات التمويهية رافقت موكبه في بيروت)؟
لسبب وحيد على الأرجح: إطلاق رسائل قوية من بيروت باتجاه طهران ودمشق مفادها أن أمريكا المندفعة إلى التفاوض معهما والتي يستعد رئيسها لإطلاق مبادرة سلام إقليمية من القاهرة خلال أيام، لاتزال تعتبر الصراع أو حتى الحرب جزءاً من الدبلوماسية، وأن العصا ستكون جاهزة جنباً إلى جنب مع الجزرة .
وقد وقعت القرعة على لبنان لتوجيه مثل هذه الرسائل منه لسببين: الأول، أنه هذا البلد هو عرين المقاومة المدعومة إيرانياً وسورياً والتي أثبتت قدرة على عرقلة المشاريع الأمريكية المدعومة “إسرائيلياً” . والثاني أن لبنان المنشطر سياسياً إلى نصفين بين أمريكا وإيران، يوفر ساحة ممتازة للصراع، ولإطلاق الرسائل، وأيضاً لاختبار طبيعة النوايا ومدى قوة الأوراق التفاوضية .
والساعات الست التي أمضاها بايدن في بيروت، أطلقت الرصاصة الأولى التي دشنت هذا السباق الجديد، والخطر، على “الساحة” اللبنانية .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى