جورج كتنصفحات الحوار

حوار حول المعارضة السورية

null
جورج كتن – آذار 2011
استمراراً للاستطلاع الذي اجريناه  في أوساط  المثقفين لاخذ ارائهم حول المعارضة السورية ننشر اليوم رد الكاتب جورج كتن على الاسئلة الموجهة له :
– هناك عدة تسميات وأشكال للمعارضة، أي منها برأيك ينطبق على المعارضة السورية؟
اعتقد أن الجواب على مثل هذا السؤال معقد، فالمعارضة السورية برأيي يمكن إجمال معظمها بتسمية معارضة نخب مثقفة وليس معارضة شعبية شاملة كما في إيران مثلا قبل وبعد المظاهرات المليونية 2009 ضد النظام وانتخاباته المزورة. المعارضة السورية ما زالت بعيدة عن هذا الشكل، فيما عدا شعبية نسبية اوسع في الاوساط الكردية منها في العربية المفتقدة لها، كما تجلى واضحاً في هبة القامشلي الكردية 2004، التي لم تلق استجابة شاملة حيث الظروف لم تكن مهيأة لذلك حينها.
لكن أي نخب مثقفة؟؟ للأسف معظم أطراف المعارضة السورية تكاد تكرر موضوعاتها التي كانت تطرحها في عهد الحرب الباردة المنقضية ولم تتجاوب بشكل كاف مع التغييرات العالمية العاصفة التي جعلت هذه الموضوعات متخلفة عن اللحاق بالعصر. الايديولوجيات القومية –العربية منها والكردية – والإسلامية الغارقة في القدم حتى القرون الوسطى واليسارية التي لم تستوعب بعد دروس انهيار معسكر الدول الشرقية، هي جوهر هذه الموضوعات. فيما العصر هو عصر نشر الديمقراطية والحريات الفردية وحقوق الانسان وحقوق المرأة والاقليات كأولوية ليس قبلها أي شيء آخر.
قلة من أوساط المعارضة استوعبت المتغيرات منذ ربيع دمشق على الاقل، وجاءت دروس الثورة المصرية والتونسية لتؤكد أن التغيير الديمقراطي ليس ولع أو هواية لبعض المثقفين، بل هو مطلب شعبي جماهيري عارم . ومن مواقف المعارضة القديمة التي لا تتوافق مع هذه الحقائق الجديدة : الناصريون وبعض الشيوعيون ينسحبون من إعلان دمشق الذي سعى لتشكيل مظلة تجمع معظم أطراف المعارضة، ليس المشكلة في الانسحاب بل سببه المعلن: الإعلان لم يوجه شتائم كافية “للامبريالية”، تجاهل الوحدة العربية، يسيطر عليه الليبراليون .. وهي نوع من شتيمة ما زالت رائجة من مخلفات الحرب الباردة… إلى غير ذلك من الحجج والمبررات التي تبين مدى تخلف هؤلاء عن مواكبة العصر.
مثل آخر الإسلاميون الذين معظمهم في الخارج يوقفون معارضتهم للنظام -حتى الآن- بحجة التوحد “الوطني” لدعم غزة الإخوانية خلال الاجتياح الإسرائيلي الاخير، وينسحبون من التجمعات المعارضة لهذا الهدف. كذلك الموقف الاخير لأطراف معارضة من مسألة نقل المدرسات المنقبات لوظائف إدارية كمثال، الذي حتى لو جاء عن طريق النظام فهو خطوة نحو الحداثة ومواكبة العصر، فيما هذه الاطراف فهمته “اعتداء” على المحصنات والحرية الشخصية…..مما شكك في حقيقة دعواتها لسوريا ديمقراطية حديثة، وأظهرها عدوة للحداثة إذا قام بها النظام !! مما لا يؤهلهم ليكونوا يوما ما بديلا للنظام الحالي، ويبعد قطاعات واسعة عنهم  لا تتوقع نتيجة موقفهم هذا أن يكونوا أفضل من النظام الراهن..
مثل آخر هناك أطراف –قلة من حسن الحظ – تبرز أن النظام الحالي طائفي وهو حكم “نصيري” كما تدعي ويسمح بنشر التشيع!! وتركز على أن هذه القضية الرئيسية لمعارضتها للنظام، وحتى أنها تبرز دعوتها للدفاع عن حقوق الاغلبية السنية “المفتقدة”!!. وهو ما يشكك في انها تهيأ لحرب طائفية بين الأغلبية التي تدعي تمثيلها والاقلية الحاكمة من الطائفة المقابلة!!
أية معارضة هذه التي تريد خراب البلد؟؟
المعارضة السورية معارضة قلة من النخب، ولكن هذا لا يكفيها فالنخبة المحدودة نفسها منخورة بالأيديولوجيات التي فات زمانها، حتى أن معظمها من الختيارية المخضرمين، الشباب الذين هم وقود أية انتفاضات مستقبلية بعيدون عنها لأنها بالدرجة الاولى غير عصرية وبعيدة عنهم وعن همومهم وأفكارهم التي تواكب عصر ثورة المعلومات.
– أغلبية الشعب السوري مستاءة من النظام ولا تنضم للمعارضة، فما سبل إشراك الناس واستقطاب الشارع للعملية السياسية المعارضة؟
لا ارى أن أغلبية الشعب السوري مستاءة من النظام، رغم أن هذا الرأي يعتبر تجديفا في مفهوم معارضين متشددين يكتفون بحقدهم الاعمى الذي لا يسمح لهم برؤية الحقائق. غالبية الشعب حيدت نفسها عن السياسة منذ زمن بعيد لاسباب مختلفة اهمها القمع. الابتعاد عن السياسة ترسخ في الاذهان واصبح دليل الحكمة والسلامة. هذا الابتعاد لا يعني ان هذه الغالبية معارضة للنظام “القمع يمنعها من التعبير عن رأيها”، بل هي تراكمت لديها قناعات ثابتة أن لا علاقة لها بالشؤون العامة فتفكيرها واهتمامها ونشاطها يذهب كلياً لكسب الرزق وتربية الأولاد ومحاولة التمتع بالحياة ضمن القليل الذي تمنحه الظروف الراهنة، وترك الامور العامة لأصحاب الشأن. هذا القناعات يمكن هزها وتغييرها، ولكن نوعية المعارضة التي تحدثنا عنها أعلاه ليست مؤهلة للعب دور مؤثر في مواجهة هذه القناعات الراسخة. بالعكس الغالبية عندما تحتك بالمعارضة في مواصفاتها الراهنة ترى العجب مما يؤكد لها قناعاتها في الحيادية والابتعاد عن الشأن العام الذي “بجيب” وجع الرأس..
حتى أن قطاعات كبيرة من الناس ترفض “الديمقراطية”!! لارتباطها في ذهنها بما حدث في العراق من صراع دموي طائفي عقب الاحتلال الذي اعلن ان مهمته نشر الديمقراطية. قطاعات واسعة من الناس ترى في النظام الراهن ضمانة لكي لا يحدث في سوريا مثل ما حدث في العراق. لم تفعل النخب الشيء الكثير لتبديد هذه القناعات وتوضيح مدى ضرورة الديمقراطية لسوريا لمصلحة غالبية الشعب التي ترزح في اوضاع اجتماعية سيئة لا يمكن تغييرها إلا من خلال نظام ديمقراطي للشعب فيه الكلمة الاولى.
انتصار الانتفاضات الديمقراطية في تونس ومصر والانتفاضات في دول عربية عديدة ، من المأمول أن تلعب دوراً في تبديد هذه القناعات التي تلهى معارضون عن القيام بهذه المهمة بتفضيل محاولة التعبئة “لنشر المقاومة والممانعة!” أو “مواجهة المخططات الإمبريالية” أو “تحرير الاراضي العربية المحتلة”!! وغير ذلك من الشعارات “الكبيرة” التي شبع منها الناس منذ نصف قرن أو يزيد ولم يروا اية نتائج لها، بل في معظم الاحيان جنوا الكوارث وأعيق تقدمهم وتحسين احولهم المعيشية وتأمين حرياتهم الشخصية والعامة.
– إن كان توظيف الضغوط الدولية والرأي العام العالمي من أساسيات النشاط المعارض، فما الذي فعلته المعارضة لهذا الغرض؟
المعارضة لم تفعل الشيء الكثير لتوظيف الضغوط الدولية والرأي العام العالمي لصالح الانتقال للديمقراطية في سوريا بحكم تركيبتها التي تحدثنا عنها وتشتتها وانقسامها وضيق افقها وبعض موتوريها الذين لا يرون ابعد من أنوفهم ويتعامون عن الحقائق الدولية والإقليمية والمحلية. كيف يمكن مثلاً تجنيد الرأي العام العالمي إذا كان البعض ما يزال يرى في الغرب عدواً وفي الأمم المتحدة ومؤسساتها كافة أنها في جيب أميركا توجهها كيفما تشاء!؟
– تبنت شرائح المعارضة النشاط السلمي، فما الفرق بين العربية والكوردية منها؟ وما هو الحل الأمثل للقضية الكوردية في سوريا برأيك، هل هو: حقوق المواطنة أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية او ….؟
لم تؤكد المعارضة على النشاط السلمي كوسيلة وحيدة للنشاط السياسي إلا بعد تجربة دامية ومؤلمة عندما تحول جزء منها “الطليعة المقاتلة” الخارجة من صفوف الإخوان المسلمين أوائل الثمانينيات، لعمل مسلح ذا طبيعة إرهابية تعتمد القتل على الهوية الطائفية والتفجيرات العشوائية بين المدنيين، فسبقوا بربع قرن المجموعات الإرهابية في العراق التي اطلق عليها البعض “مقاومة!”، مما استجر مذابح وقمعا رهيبا دام عقدين لكل اطياف المعارضة السورية حتى الرافضة منها للنشاط الإرهابي. ولا اظن ان هناك فرق في تبني الوسائل السلمية للتغيير بين المعارضة الكردية والعربية، وهي الوسائل التي ثبتت نجاعتها في اماكن عديدة من العالم وقلة اكلافها بالمقارنة مع الوسائل المسلحة. وتؤكد هذا مرة أخرى الانتفاضات السلمية الاخيرة في تونس ومصر.
المسألة الكردية في سوريا لن تحل إلا في ظل حكم ديمقراطي يضع نصب عينيه أن سوريا لجميع السوريين على اختلاف وتنوع قومياتهم وطوائفهم، يؤمن للجميع حرياتهم السياسية وحقوقهم القومية ويعلي الانتماء والمواطنة السورية على أي انتماء آخر قومي أو طائفي: سوريا أولا وسوريا للسوريين وليس للعرب فقط أو للمسلمين فقط. في سوريا مثل هذه، الحل الأمثل للمسألة الكردية برأيي هو استفتاء الاكراد عن طبيعة ما تريده اغلبيتهم. وأفضل أن تكون نتيجة ذلك استمرار الكرد كجزء من الشعب السوري مع الحفاظ على حقوقهم الثقافية وادارتهم الذاتية لامورهم الخاصة في مناطق كثافتهم.
– ما السبيل برأيك لتقوية المعارضة، ومستقبل سوريا إلى أين؟
أرى أن السبيل لتقوية المعارضة هو التخلص من جيوب التخلف التي تشوب برامجها ومواقفها التي تحدثنا عنها وربما غيرها ايضا مما قد يأتي في مجال نقدها من آخرين. ولا يمكن للمعارضة أن تتجاهل النقد وتدير أذنها له، ومن أسوأ الردود التعامل مع النقد من زاوية تخوين مطلقيه على انهم يخدمون النظام أو أنهم يثبطون الهمم… أو غير ذلك من التهم الجاهزة التي اتقنها بعض المتسلقين على المعارضة.
مستقبل سوريا برأيي مضمون من حيث الانتقال للديمقراطية، بدور لأطياف المعارضة الراهنة أو من دونها. وهذا ما اعتطنا الثورة المصرية والتونسية والليبية نموذجا عنه، فالمعارضة التقليدية أسرعت للحاق بالشباب المبادرين في ميدان التحرير، الذين حلوا في بضعة اسابيع ما عجزت عنه المعارضة القديمة في عقود.
لم يعد السؤال أن التغيير الديمقراطي في سوريا ممكنا أو غير ممكن، السؤال الرئيسي متى وكيف؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى