صفحات الحوار

حوار مع ميشال كيلو: متى تنتج الثورات العربية أحزابها ؟

null
حاوره فراس سعد – دمشق
ميشال كيلو، كاتب سوري بارز، كان له دور مهم في فترة “المنتديات” وفي صياغة النسخة النهائية لإعلان دمشق….
عن الحدث المصري – التونسي – الليبي والآفاق التي يفتحها أمام الشعوب العربية وعن أزمة الانظمة وعجز المعارضات كان هذا اللقاء:
• الحدث المصري – التونسي هل وعيناه حقاً كمعارضة وهل يمكن للأنظمة العربية أن تعي أبعاده قريباً وبالتالي تبادر إلى التغيير؟
– لا أعرف إن كانت المعارضة قد وعته، فهي تعيش حالة صمت. أما المثقفون، الذين انتمي شخصيا إليهم، فهم يبذلون جهدهم لوعي ما حدث، وهو هائل الأهمية وغير مسبوق ومباغت، ويحمل جوانب جديدة كثيرة تجعله منعطفا تاريخيا حقيقيا في تاريخنا.
• هل بإمكان الأنظمة العربية في المشرق الإقدام على التغيير؟ هل الثورة المصرية تدفعها أو تجبرها على ذلك؟
– أعتقد أننا دخلنا في زمن جديد، وبدأنا حقبة ما بعد الاستبداد العربي، الذي غطى عالمنا العربي من أقصاه إلى أدناه، انطلاقا من تلك الثورات التي حققها العسكر مع وعد بالتغيير الشامل، لكنها آلت إلى ما نعيشه اليوم من بؤس وتدهور وقسوة وإفساد وإفقار واحتجاز. عموما، أظن أننا دخلنا في تاريخ حر وديموقراطي لا مهرب منه في أي بلد، وإن لم تسقط نظمها خلال الفترة القريبة المقبلة. من لن يصلح ويغير سيعيش من الآن فصاعدا في الماضي، وسيجد نفسه متعارضا ليس فقط مع مصالح وإرادة شعبه، بل كذلك مع إرادة ومصالح وحرية الأمة العربية ونظمها الجديدة، التي لن تتعايش معه وستجبره على إعادة النظر في حساباته وأوضاعه.
• هل يمكن للثورة المصرية أن تتناسخ في المشرق العربي؟
– لا شك في ذلك. مثلما بدأ النظام العربي الراهن من مصر، سيبدأ البديل المقبل منها أيضا. وبما أنه يعلن عن نفسه كبديل مدني / ديموقراطي، فإنه سينشر نموذجه في المنطقة العربية، ليس بالقوة بل بالنموذج والمثال، وبقوة الضغوط المجتمعية، التي ثبت خلال الثورتين التونسية والمصرية أنها هائلة ويستحيل مقاومتها بالقمع أو الأمن.
• ألم تكشف الثورة التونسية خصوصاً ومن ثم الزلزال المصري أن المعارضة في أقصى طموحاتها تبقى محافظة مقابل ثورية وجذرية الهبّات الشعبية التي تقلب كل شيء رأساً على عقب، بالتالي هل على المعارضات العربية أن تستقيل أو تقف جانباً، تاركة مطلب التغيير للشعوب العربية وللقهر أن يفعل فعله؟
– ليتها تطور نفسها وتدرس ما حدث كي تشارك في التغيير الآتي من موقع فاعل وكريم.
• أظهرت الثورة التونسية أن الفكر السياسي للمعارضة أدنى بكثير من طموح الجماهير، هل الثورات تخلق فكرها السياسي المناسب لحجمها ولظرفها أم هي تطور الفكر السياسي القديم، أو أنها تقبره إلى الأبد؟
– لم تقدم الثورتان المصرية والتونسية فكرا سياسيا بعد، وإنما قدمتا مطالب ديموقراطية لطالما كررتها أحزاب المعارضة في السنوات الخمسين الماضية، دون أن تترتب عليها فاعلية شعبية ثورية تقارب ولو من بعيد ما حدث مؤخرا، في ظل المطالب عينها. هنا، يجب، كما أعتقد، أن تتركز الدراسة، لمعرفة الأسباب التي أخرجت هذه المرة الجماهير الشعبية الواسعة إلى معركة أسقطت خلالها نظامين قمعيين رهيبين في فترة قصيرة جداً، ودون قيادة حزبية معروفة أو تاريخية، بينما ظلت المعارضة الحزبية عاجزة ليس فقط عن تحريك الشعب، وإنما كذلك عن الدفاع عن نفسها. أعتقد أن نموذج الثورة الماركسي لم يعد راهنا و فاعلا.
• هل “ثورة الياسمين” – كما اصطلح البعض على تسميتها – تعيد الإعتبار للأفكار الثورية وللثورية الشعبية الإنقلابية بعدما سادت الفكر السياسي العربي – المعارض خصوصاً – الأفكار الليبرالية والإصلاحية؟
– في ظل الوضع العربي السائد، تعتبر الأفكار الليبرالية والإصلاحية تغييرية، وإن لم تكن ثورية. كان أستاذنا الياس مرقص يقول: نحن بحاجة إلى إصلاح أكبر من ثورة. هذه المرة، ستأتي الثورة نفسها بالإصلاح، إنها على كل حال ثورة مختلفة كثيرا عمّا كنا نعتقد أنه نموذج الثورة، الذي قلت في الجواب السابق إنه نموذج ربما يكون قد فات زمانه، ليس فقط بسبب اختلاف حامل الثورة ( ليس هناك حزب يقود طبقة محددة ) وفكرها ( ليس هناك أيديولوجية محددة يراد إنتاج نظام جديد انطلاقا منها ) وأهدافها ( نظام ديموقراطي مدني عادل وليس نظاما اشتراكيا ). هل هذه ثورة زمن المعلوماتية وما أحدثته من انقلاب عميق في وجود الإنسان وفكره وواقعه؟ هذه مسألة يجب التفكير فيها.
• ألا تمنح الثورة التونسية الأمل للأنظمة القائمة بأنها لن تموت بضربة واحدة، كحال إنقلابات العسكر التي كانت تطيح الأنظمة دفعة واحدة، وأنها – الأنظمة – سيبقى لها حضور في الحكم في حال حصول ثورات مماثلة في الأقطار العربية، ألا يمنحها هذا شيئاً من ” الجرأة ” على قبول التغيير أو على عدم مقاومة الثورات والإنتفاضات العربية المقبلة، بالرصاص والمجازر؟
– نحن في زمن انتقالي جديد. نعرف من أين وإلى أين نذهب، لكن طرقنا إلى المستقبل مختلفة قطعا. لا بأس أيضا بانتقال إلى بديل، وإن تم ذلك بصورة متدرجة ومتوافق عليها في بعض البلدان، إذا كان التغيير المباغت يهدد الوحدة الوطنية أو وجود الدولة.
• أستاذ ميشال تقول في مقال نشر مؤخراً في صحيفة “السفير” بعنوان “زمن عربي جديد: من التغيير بالسلطة إلى التغيير بالشعب” أنه: “مع ثورة تونس ينتقل مركز الفعل التاريخي العربي إلى القاعدة الشعبية لأول مرة منذ قرون طويلة جداً وتحمل الحركة الشعبية سمة رئيسية تميزها هي عداؤها للاستبداد والتمييز الإجتماعي والسياسي وتشكلها في رحم غير حزبي أو سلطوي”. ألا يخشى على الحركة الشعبية وقوعها في شراك النخبة السياسية الصاعدة حديثاً من رحم الثورة؟ ألا يخشى عليها أيضاً من تآمر الأنظمة المرعوبة، ومن القوى الدولية التي قد لا يكون من مصلحتها حدوث مثل هذه الثورات المفاجئة التي ستبلبل خططها في المنطقة العربية؟
– كل الاحتمالات مفتوحة، مثلما فاجأتنا الثورة يمكن أن تفاجئنا الثورة المضادة أيضا. أعتقد أنه سيكون على الحركة الشعبية، التي تبنت مطالب المعارضة في الحرية والديموقراطية والمجتمع المدني، أن تبدأ الآن، بعد انتصار الثورة، بتكوين تعبيراتها السياسية، التي ستكون جديدة في كثير من سماتها وخصائصها، وعلينا أن نبقي عقولنا مفتوحة لفهمها ومساعدتها. في الثورات السابقة، كان الحزب يسبق الثورة. هنا سيلي تشكل الحزب الثورة الشعبية، فأي حزب سيكون وما نوعه وكيف سيعمل وما هي هويته؟ هذا ما يجب أن نفكر جميعا فيه، ونقدم أجوبة صحيحة قدر الإمكان عليه.
• هل كانت شهوة البقاء في الحكم بالنسبة لمبارك أقوى من كل الدروس التي قدمتها الثورة التونسية له؟ وهل هذه الشهوة بالنسبة للحكام العرب المتبقين في مراكزهم أقوى من كل الدروس التي تقدمها الثورة المصرية لهم، وبالتالي سيبقون إلى أن تثور شعوبهم عليهم فتنزلهم عن كراسيهم؟
– أنت تعرف بالتأكيد فكرة ماركس، التي أكدت أنه لا توجد طبقة تتخلى عن السلطة باختيارها. في الدول الاشتراكية السابقة تخلت الطبقة الحاكمة عن السلطة باختيارها، عندما أدركت عبثية المقاومة. نتحدث هناك عن دول، فهل كان مبارك رئيس دولة أم عصابة فاسدين / مفسدين؟ أعتقد أنه لم يترك السلطة لأنه يعرف صفته كزعيم عصابة.
• بدا دور الجيش في كلا الثورتين التونسية والمصرية جلياً ومحورياً بل وحاسماً، حيث لعب دوراً مشرّفاً ومحايداً وحفظ أرواح الجماهير ولم ينجر إلى ارتكاب المذابح، هل تعتقد أن هذا الدور يمكن أن يستمر بالنسبة لجيوش عربية أخرى تقع في بلدانها ثورات شعبية مماثلة؟
– أعتقد أن جيشي تونس ومصر اتخذا موقفا سيحرج غيرهما من جيوش العرب، وأنهما أثبتا بموقفهما أنهما جيشان وطنيان وليسا جيشي النظامين السائدين. صحيح أنهما لم يتمردا على الرئيسين بن علي ومبارك بحجة احترام الشرعية الدستورية والحفاظ على الاستقرار، لكنهما لم يقفا ضد الشعب ولم يحميا النظام، بل أنقذا بلديهما ودولتيهما. وخيرا فعلا، لأن هذه هي مهمتهما الرئيسة إن لم تكن الوحيدة. كان مبارك زعيم عصابة، لكن الجيش المصري لم يكن منها، رغم سكوته عنه، المثير للاستغراب.
• تردّد أن استعصاء مبارك في الحكم طوال هذه الفترة منذ بدء الثورة المصرية وحتى سقوطه واستماتته البقاء في منصبه لم يكن بإرادته، بل كان وراء هذا الإصرار دعم بعض الحكام العرب وغير العرب، الذين كانوا يخشون في حال سقوط مبارك السريع، أن يستعدوا لإجراء تغييرات سياسية مؤلمة في بلادهم، أو يعدّوا أنفسهم لاحتمال قيام ثورات شعبية مماثلة تدفعهم للهرب أو للتنازل عن الحكم، أيضاً يصبح سقوط بن علي ومبارك بفعل الانتفاضات الشعبية السلمية سابقتين تاريخيتين لم يعتد على مثلهما الحكام العرب؟
– هذا صحيح ألم تسمع المثل الشعبي الجميل الذي يقول: إذا حلق جارك بل دقنك. إن الذقون العربية المبلولة كثيرة، والحلاقة آتية بلا شك، وخوفهم على كراسيهم في محله دون أي شك، بسبب تماثل النظم والمجتمعات والمشكلات والمشاعر وربما الاستعداد.
• هل من بين المآثر المهمة للمعجزة التونسية والقيامة المصرية الجديدة أنها نقلت الصراع في الشرق الأوسط من صراع موهوم على أسس دينية ومذهبية إلى صراع حقيقي بين أنظمة مستبدة و شعوب مقهورة؟ هل يستمر هذا الصراع في اتجاه بناء الشرق الجديد الديموقراطي الحر، أم ربما سنشهد عودة للصراع المفتعل المذهبي الديني؟
– بانطواء الثورة القومية / الديموقراطية العربية صعدت النزعات المذهبية والطائفية والدينية كبديل منها. من الآن فصاعدا، ستندحر هذه الموجة التي دمرت مجتمعاتنا وأوطاننا، وشحنتها بديناميت متفجر صدرته إليه بلدان ترى الدنيا بأعين مذهبية، فوجدت فيها آذانا صاغية بسبب ضمور وعي الحرية والمطلب الديموقراطي والمواطنة. سيعود الوطن العربي إلى وعيه، وسيصالح لأول مرة الفكرة القومية مع الفكرة الديموقراطية، التي عانت الأمرين وتعرضت للإقصاء والملاحقة على يد موجة القومية الأولى، التي ستعاني هي، هذه المرة، من تزاوج الفكرتين القومية والديموقراطية في ظل حامل سياسي جديد هو المجتمع العربي، وليس هذه الفئة أو تلك، هذه الطبقة أو تلك، هذا الحزب أو ذاك، أو هذا الضابط أو ذلك. إنه زمن جديد كما قلت قبل قليل، لن تكون أيامنا فيه كأيامنا الحالية، ولن يبقى العرب بعد متأخرين سياسيا، مشتتين قوميا، مظلومين اجتماعيا، زمن تتوق إليه أرواحنا، التي كاد الاستبداد القائم يزهقها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى