صفحات ثقافية

الأدب وحده

اسكندر حبش
الأدب ولا شيء سوى الأدب. الأدب بصفته فعلا لرواية أحداث وأشخاص وخبريات متنوعة وأسلوب أدبي متطلب لا يتنازل البتة لصالح السهولة والاستعجال. أي الأدب بوصفه كتابة حقيقية بدون مسوغات وبدون اتكاءات على قضايا قد تبدو سياسية، أي ملتزمة بالمعنى الضيق للكلمة، بل يبدو الالتزام هنا كأن قضيته الجوهرية هي الإنسان بكل حالاته التي يفرضها وجوده اليومي والبشري، الإنسان بكل كينونته المتشعبة.
بهذا المعنى علينا أن نفهم اختيار اللجنة الملكية السويدية، الخميس الماضي، الكاتب الفرنسي جان ؟ ماري غوستاف لوكليزيو لمكافأته بجائزة نوبل للآداب. لذلك قد تكون من المرّات القليلة التي تختار فيها الأكاديمية السويدية كاتبا من دون الالتفات إلى الخلفية التي يمثلها، أي من دون الالتفات إلى وجهة النظر السياسية التي يأتي منها. إذ عودتنا اللجنة الملكية، منذ سنين عديدة، أن اختيارها للفائزين بجوائز نوبل للآداب لا بدّ من أن يخفي وراءه العديد من الإشكاليات التي أبعدت سمة »النزاهة« ـ إذا جاز القول ـ عن أهداف الجائزة الحقيقية. غالبا ما كنا نسمع الاعتراضات عقب إعلان اسم الفائز. صحيح أننا نضخم الأمور في بعض الأحيان، وبخاصة حين نعلن عن جهلنا بالاسم الرابح (لنكتشف فعلا أن وراء هذا الاسم كاتبا ينبغي اكتشافه)، لكن علينا أن نقرّ أيضا بأن بعض اختيارات اللجنة جاء متهافتا ولا يعني الشيء الكثير، وربما الدليل الأبسط والأسهل أن هناك العديد ممن حازوا جائزة نوبل قد غابوا ليس فقط من التداول اليومي، لكن ربما من تاريخ الأدب، ولم يعد أحد يذكرهم إلا إذا عاد للبحث في القوائم.
لوكليزيو من أولئك الكتاب الذين يعتقدون أن الروائي لا يملك أجوبة عن أي شيء، بل هو كاتب لا ينفك عن طرح الأسئلة. هذه الفكرة قد تلخص كل الكتابة عند هذا الروائي الذي يبتعد كل البعد عن الحياة الاجتماعية الأدبية، عن العلاقات العامة ليتفرغ للكتابة. كاتب لم يوقع مرة أي عريضة سياسية، لم يشارك في نقاشات عامة، إلا ما يكتبه ضد الكولونيالية وكيف أقصت الشعوب الأصلية. ومع ذلك يبدو ككاتب بدون فكرة وطن أصيل ـ أو مسقط رأس ـ فالأدب هو وطنه الحقيقي الذي أخلص له ودافع عنه.
فكرة لا يستسيغها كثيرون اليوم في ظل حمى الإعلام والإعلان والبحث عن الشهرة السريعة. لكن في ظل ذلك كله، إن كان علينا أن نتعلم درسا من لوكليزيو فهو أن نخلص للكتابة. إذ مهمة الكاتب الأولى والأخيرة، أن نخلص للكتابة الحقة التي لا يقود سواها إلى الحضور الفعلي.
ثمة من يحب أدب لوكليزيو وثمة من لا يحبه. هذه هي حال الأدب بالتأكيد. فالإجماع هو الذي يعني فقط أن ما يكتبه هذا الشخص لا معنى له. لكن من هذا الاختلاف لا بد من أن نحيي كاتبا حقيقيا، لم يعد موجودا مثله سوى قلة قليلة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى