صفحات الشبابصفحات من مدونات سورية

لماذا يجب رفض التدخل العسكري الخارجي في ليبيا

ياسين السويحة
1- ﻷن نضال الشعب الليبي لن يُفرز فقط إسقاط القذافي (و هو أقصى ما يمكن أن تفعله حملة عسكرية بافتراض النوايا الحسنة) و إنما يبني بهذا النضال عقداً جماعياً جديداً سيشكّل “قاعدة مؤسِسة” لأي نظام ديمقراطي مستقبلي. و لكي تكون هذه القاعدة المؤسسة صلبة كي تحمل فوقها نظاماً ديمقراطياً متيناً يجب أن تنضج الثورة و أن تحقق أهدافها بنفسها, و الثورة بحاجة لصورة دخول الثوّار في طرابلس كي تكتمل. إسقاط القذافي بهجمة عسكرية خارجية ليس إﻻ محاولة تعجيل وﻻدة طفل عن طريق قتله و هو جنين..!
2- ﻷن الثورات عمليات تاريخية مختلفة فيما بينها تبعاً لظروف و عوامل كثيرة, بعضها سلمي و بعضها الآخر عنيف, بعضها سريع جداً و بعضها الآخر قد يمتد شهوراً أو حتّى أعواماً, و ﻻ يمكن التدخل و التلاعب بعمليات تاريخية بسبب الحاجات اﻻقتصادية للبعض أو بسبب “النزق التلفزيوني” للبعض الآخر.
3- ﻷ هكذا تدخّل عسكري (من حلف الناتو مثلاً) سيشكّل انتكاسة لحركة التحرر الشعبي العربي القائمة, حيث لم تكن قراءة هذه الحركة مقتصرة على معاداتها حكاماً أو أنظمة حاكمة و إنما كانت أيضاً ثورة على مفهوم قصور الشعوب العربية و عجزها عن تحقيق أهدافها و رسم مستقبلها بنفسها, و هكذا تدخّل استعلائي و أبوي سيعيدنا إلى نفس الحلقة المفرغة القائمة على: ديكتاتور محلي أم غزو خارجي.. أحلاهما مر!
4- ﻷنه ليس صحيحاً أن الإدارات الغربية تستعجل الدخول إلى ليبيا بسبب جزعهم مما يفعله المهرج القاتل بشعبه, فسبب الدخول اقتصادي بحت. إن ارتفاع سعر البترول الحالي هو كارثة على اقتصادات أغلب الدول الغربية (إن لم نقل جميعها), و عدا عن ارتفاع السعر فإن استمرار القتال في ليبيا قد يسبب بمشكلة إمدادات بالطاقة, خصوصاً لدول حوض المتوسط التي تعتمد على البترول الليبي جزئياً في امداداتها. التقاء أزمة طاقة مع الأزمة المالية سيوقف عجلة الحراك اﻻقتصادي التي بالكاد تتحرّك منذ أكثر من عامين. هذا يعني أن تخطيط العملية العسكرية و التخطيط لما بعدها سيكون مبنياً على معايير اقتصادية بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب الليبي (عندما دخل الجيش الأمريكي بغداد عام 2003 سارع لتأمين وزارة النفط و الأبنية الهامة الخاصة بالنفط العراقي و ترك الجامعات و المستشفيات و المتحف عرضة للنهب و السلب).
هناك عشرات النزاعات المسلّحة التي دامت عقوداً في أفريقيا الوسطى, و بعضها على الحدود مع ليبيا, و لم تتدخل القوى الغربية لوقفها و ﻻ حتى دبلوماسياً, و الدولة العظمى التي رفعت الفيتو في وجه من حاول إدانة إسرائيل في مجلس الأمن لسياستها اﻻستيطانية منذ أسبوعين أو أكثر قليلاً تنادي بضرورة التدخل العسكري و تهدد بـ “نفاذ صبرها”.. هل هذا استغباء جديد للعالم؟
5- ﻷنه ليس صحيحاً أن تدخلاً عسكرياً (وتمركز قوات غربية في ليبيا لـ “رعاية” حقبة ما بعد القذافي) سيحقن الدماء و يوفر الضحايا, و هذه النقطة هي اﻻبتزاز النفسي الأكبر للمشاعر الإنسانية لجزء كبير من الرأي العام الغربي و العالمي. فالثورة الحالية تشكل قبّة جامعة للشعور الوطني الليبي تختفي تحتها حساسيات ما قبل الدولة أو تكاد, لكن تدخلاً عسكرياً غربياً (نظراً لسوء سمعة الإدارات الغربية, و هي سمعة سيئة يستحقونها بجدارة) سيفتت هذا الإجماع.. سيكون هناك من كان ضد القذافي و مع التدخل الأجنبي, و من كان ضد القذافي و ضد التدخل الأجنبي, و من كان مع القذافي و ضد التدخل الأجنبي, و إن تمفصلت هذه التباينات على اختلافات مناطقية أو قبلية فقد نشهد اقتتالاً محلياً دامياً يمكن أن يفتت البلاد, عدا عن وفود جماعات مسلحة توّاقة لإيجاد نقاط احتكاك مع قوات أجنبية مع كل ما يعني ذلك ضحايا مدنيين أبرياء في عمليات تفجير أو غيرها.
6- ﻷن التضامن المطلوب هو إنساني و شعبي, مثل مساعدة اللاجئين إلى الحدود المجاورة و تسهيل عملية نقل الجرحى و المصابين و إيصال المداد الإنساني لمن حوصروا و مُنع عنهم التموين. الإدارات الأوروبية تهرب إلى الأمام و تبتز الرأي العام العالمي بحديثها عن ضرورة التدخّل العسكري. عليهم قبل كل شيء أن يشرحوا لشعوبهم سبب إعادة تأهيل القذافي و إدخاله إلى شبكة العلاقات الدولية بعد أن أدين بعدد كبير من الأعمال الإرهابية ضد مدنيين عزل و أبرياء, عليهم أن يبرروا تقديمهم غطاءً سياسياً و اقتصادياً للطاغية الدموي في العقد الأخير و تعاونهم معه اقتصادياً و سياسياً و أمنياً و تغاضيهم عن تجاوزاته الصارخة لحقوق الشعب الليبي و ارتكابه جرائم مقززة في حق معارضيه.
التضامن الإنساني و الشعبي ﻻ يقدّم الفواتير و ﻻ يطالب بالثمن ﻻحقاً, أما التدخل السياسي و العسكري فيقدم الفاتورة حتى قبل “إتمام العمل”, و هذه الفاتورة ستكون مغايرة بالتعريف لمصلحة حقوق و حريات الشعب الليبي.
http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى