ثورة مصرسلامة كيلة

ردّاً على عصام العريان: ماذا يطلب الإخوان؟

سلامة كيلة
أشار عصام العريان في مقاله «يوميات الثورة» إلى دور الإخوان المسلمين وموقفهم في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني المصرية («الأخبار»، 24 شباط 2011، العدد 1347). وتحدث العريان عن مشاركة الإخوان في هذه الثورة من دون أن يوضح بأنّ القرار الذي اتُّخذ قبل أيّام من إضراب 25 يناير/ كانون الثاني كان عدم المشاركة، وأنّ قرار المشاركة في يوم الغضب (28/1/2011) اتخذ بعد نجاح اليوم الأول من الإضراب وتحوّله إلى انتفاضة. ولا شك في أنّ شباباً من الإخوان قد شاركوا في اليوم الأول، وكذلك بعض الشخصيات القيادية بصفتها الشخصية. لكن، لا بد من التأكيد أنّ تحوّل الرفض إلى مشاركة جاء نتيجة إحساس القيادات الإخوانية بأنّ الشباب قد نجحوا «في كسر حاجز الخوف من جديد»، وأنّ «لعبة الفايسبوك» و«شباب المقاهي والنت» قد فجّروا ثورة لا يمكن تجاهلها.
أشير إلى هذه النقطة من أجل فهم التكتيك الذي اتبعته قيادة الإخوان خلال الثورة، وتتبعه الآن. فقد ترددت في البدء، ثم حاولت الاستفادة من الحدث، للحصول على اعتراف النظام بها حين دعاها عمر سليمان، بعدما أصبح نائباً للرئيس، إلى الحوار. كما حاولت الوصول إلى تفاهمات، بعدما كانت قد قدّمت مطالب عشرة في بيان لها صدر يوم 19/1/2011 إثر الاجتماع الذي اتُّخِذ فيه قرار عدم المشاركة في الإضراب يوم 25 يناير/ كانون الثاني، والتي يشير الأستاذ عصام إلى «تحقق ما هو أعظم منها وأكبر». ولهذا يرى أنّه «بدأ تحقق معظم هذه الأهداف على أرض الواقع»، رغم أنّ الشعارات، التي طرحها الشباب والقوى التي قادت الثورة يوم الانتصار في 18/2/2011 ويوم الجمعة في 25/2/2011، قالت إنّ ما تحقق هو جزئي وهامشي. ولهذا بدأ الإخوان النسج على منوال المجلس العسكري في رفض الإضرابات العمالية والمطلبية، واعتبار أنّها تضرّ بالثورة ونتائجها. وذلك رغم أنّ هذه المطالب هي الأساس في دفع كل هؤلاء البشر إلى تحدي سلطة غاشمة والتظاهر في عز الرعب الذي كان يمثّله الأمن المركزي.
بالتالي، فإنّ ما يظهر هو الميل إلى التوافق مع الحل الذي طرحه المجلس العسكري، والذي يتقاطع بما قام به مع المطالب العشرة التي أشار إليها العريان. مطالب يرفضها الشعب.
ولا شك في أنّ شباب الإخوان شاركوا بفعالية رغم أنّ حجمهم لم يكن كبيراً في هذا الفيض الهائل من البشر، وتنبّهوا لتكتيك القيادة بعدما حاورت النظام الذي عملوا على أن يكون بائداً، فـ«الشعب يريد إسقاط النظام» لا رحيل حسني مبارك فقط. وآمل أن يظل هؤلاء مع الشعب في مطالبه وليس القبول بحلّ «وسط»، أو حلّ التفافي يمكن أن يجري الآن، وخصوصاً أنّ الولايات المتحدة رفعت الفيتو على مشاركة الإخوان المسلمين في السلطة، وهو ما رحّب به هؤلاء. أما بخصوص المطالب العشرة، فهي أقلّ ممّا طرحته الثورة طبعاً. فلم يطرح الإخوان إسقاط النظام، وطالبوا بما هو توافقت عليه كلّ القوى والطبقات التي شاركت في الثورة، وبعضها لم تطرحه أطراف في اليسار، مثل الإصلاح الاقتصادي الحقيقي الذي يقوم على الاستفادة من الفوائض المالية في الصناديق الخاصة، وتعديل أسعار الأرض التي بيعت بأبخس الأثمان والغاز المصدَّر إلى الدولة الصهيونية، وما إلى ذلك، وكذلك الإشارة إلى إعادة النظر في السياسة الخارجية. الجماعة لا تزال تتمسّك بالدستور الحالي، ولم تتعدَّ مطالبتها بالتعديل ما طرحه حسني مبارك أو اللجنة التي ألّفت لهذا الغرض.
فالإخوان في تصريحاتهم، ومنهم عصام العريان، لا يزالون يتمسّكون بالتعديل الدستوري رغم أنّ مطالب الشعب تتمثّل في كتابة دستور جديد. ولا شك في أنّ الهيكل العام للدستور الحالي، الذي يكرّس السلطة المطلقة بيد الرئيس، لا يتعارض مع المنطق العام الذي يحكم الجماعة، ولهذا لم يطرحوا غير التعديل. ثم إنّ الجماعة مصممة على بقاء المادة الثانية من الدستور التي ترى أنّ الإسلام هو مصدر التشريع، وقال العريان في مقابلة معه إنّ هذه المادة فوق الدساتير، ولا يجوز المساس بها. فهي المدخل إلى «الأسلمة»، ولقد كانت السند القانوني لمحاكمة نصر حامد أبو زيد، وإعطاء طابع ديني للسلطة القائمة. يحدث ذلك في الوقت الذي يطرح فيه الشعب (والشباب الذي أسهم بفعالية في الثورة) هدف بناء «الدولة المدنية». طبعاً، هناك مطالب عدّة طرحتها الثورة ولم تتضمّنها مطالب الإخوان العشرة، مثل حق العمل والحد الأدنى للأجور. وأيضاً، هناك مطالب لا تطرحها الجماعة مثل إعادة الأرض للفلاحين بعدما صادرها النظام منهم بقانون صدر سنة 1997، لأنّ الإخوان أيدوا موقف الحكومة، آنذاك. وكذلك لا يطالب الإخوان بإعادة تأميم الشركات والمصانع التي بيعت بثمن بخس وكانت مجال إثراء المافيات الحاكمة، فهذه مناقضة لمنطقهم، ولقد أيدوا البيع كذلك. وهذه المسائل هي التي جعلت الثورة ممكنة أكثر من أي شيء آخر، رغم أهمية المطلب الديموقراطي وتأسيس دولة مدنية. لهذا، سيكون الصراع قوياً بين منطق الجماعة والطبقات الشعبية من جهة، وكلّ الفئات التي تعمل على تأسيس دولة مدنية من جهة أخرى. وهو الصراع الذي سوف يعيد ترتيب وضع القوى واصطفافاتها، بما في ذلك مع أو ضد المجلس العسكري، والدولة التي لا تزال دولة حسني مبارك.
النقطة الأخيرة التي تفتح على تلمّس إمكانات الاصطفافات الجديدة، هي إشارة العريان إلى أنّه قد بدأ تحقق معظم الأهداف التي طرحتها الجماعة، أي الأهداف العشرة، رغم أنّ ما تحقق منها هما البندان الثاني (حلّ مجلس الشعب) والثالث (التعديلات الدستورية)، والتوافق على إنهاء حالة الطوارئ بعد ستة أشهر. ربما تكون الصيرورة التي اختارها المجلس العسكري مناسبة للجماعة، ولهذا رأى العريان أنّه بدأ تحقق معظم الأهداف، وخصوصاً أنّ لجنة تعديل الدستور ضمت شخصاً من الإخوان.
كلّ ما أشرت إليه يهدف إلى طرح السؤال الآتي: ماذا يريد الإخوان الآن؟ هل الإكمال مع الشعب أم التوافق مع المجلس العسكري الذي بات يمثل السلطة ذاتها التي صاغها حسني مبارك، مع تعديلات ضرورية يجريها من أجل امتصاص نتائج الثورة؟
ظنّي بأنّ الأمور تشير إلى تحالف جديد بين الجماعة والمجلس العسكري. ولا شك في أنّ استعجال الانتخابات سوف يساعد على أن تحصل الجماعة على عدد كبير من المقاعد وأن تشارك في الحكومة التي تلي الانتخابات. عندها، ستسقط كل مطالب الثورة وكلّ «أحلام» الشباب، حتى شباب الإخوان. فالجماعة لا تختلف مع النظام في النمط الاقتصادي الذي يجب أن يسود، لأنّها تنشط في المجالات ذاتها التي تنشط فيها الرأسمالية المسيطرة، أي التجارة والخدمات والعقارات. وبالتالي، فهي ليست معنية بتغيير هذا النمط، وكان يبدو من خلال الصراع المرير في الماضي أنّها تبحث عن موقع لها، وعن حصة لمصالحها.
* كاتب عربي
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى