انتفاضة العراق

ثورة المواطنة العراقية

سعد محيو
معجزة ثورة المواطنة العربية الواحدة انتقلت إلى العراق .
بين ليلة وضحاها، أسقط العراقيون كل قلاع الطائفية والمذهبية والعشائرية التي فجّرها الاحتلال الأمريكي، وجسّدها نظام المحاصصة الطائفية الذي تأسس بعد العام 2003 .
بين ليلة وضحاها، أدار المواطنون العراقيون ظهورهم لكل “المناشدات” التي أطلقها الزعماء المذهبيون والعشائريون لعدم القيام بتظاهرات الغضب، وعمّدوا هذه الثورة بدماء مئات الشهداء والجرحى، من الموصل إلى البصرة، ومن الأنبار إلى بغداد .
وأخيراً، بين ليلة وضحاها انبثقت الوطنية العراقية كطائر الفينيق من بين ركام الحروب الأهلية المذهبية، ليتبّين لكل ذي بصيرة أن هذه الحروب لم تكن قط من شيم الشعب العراقي، بل كانت حصيلة مؤامرة كبرى (حقيقية هذه المرة) حاكتها قوى غربية و”إسرائيلية” بالتضامن والتكافل مع أمراء الحرب الطائفيين الذين وصلوا إلى السلطة على ظهر دبابة الاحتلال .
العراقيون الذين تظاهروا وغضبوا وقاوموا بصدورهم رصاص السلطة الذي شابه كثيراً رصاص سلطة صدام حسين، كانوا يعلنون بالفم الملآن أنهم مواطنون لا رعايا لطوائف ومذاهب وعشائر، وأنهم من هذا الموقع يرفضون أن يساقوا كالنعاج إلى مسلخ الحروب الأهلية .
كانوا يعلنون أيضاً أنهم اكتشفوا علاقة الرحم المخيفة والعميقة بين الفساد والسرقات والنهب، وبين النظام الطائفي، فرفعوا الشعارات الوحيدة التي يخشاها أكثر مايخشاها أمراء الطائفية والعشائرية: من أين لكم هذا؟ وكيف تستغلون النظام الطائفي لتراكموا الثروات الطائلة؟ كيف يمكن لبلد مُفرط الثروات كالعراق أن يعاني شعبه الجوع والمرض والفاقة؟
من رأى العراق خلال اليومين الماضيين، يكاد لايصدّق أن هذا هو العراق نفسه الذي كان ينزف دماً وانقسامات وكراهية طوال السنوات السبع الماضية . ومن سيرى العراق بعد استكمال مراحل ثورة المواطنة الآتية لامحالة، لن يصدّق أيضاً أن بلاد العباسيين ستكون قادرة على النهوض كرجل واحد لتصفية الحساب دفعة واحدة مع كلٍ من الطائفية والفساد والاحتلال، ولتستعيد دورها الريادي العربي والإقليمي جنباً إلى جنب مع مصر العائدة بدورها إلى قمرة القيادة العربية .
ثورة المواطنة العراقية قفزت بشطحة قلم فوق كل “المرجعيات” الدينية والطائفية والعشائرية، وسيكون على القوى اليسارية التي انحرفت عن الخط الوطني وانجرفت وراء غنائم السلطة الطائفية، أن تعيد النظر الآن، وسريعاً، بمواقفها المخطئة وتعود إلى منابعها الوطنية والعلمانية الأصلية، هذا إذا ما أرادت أن يبقى لها دور ما في صفحات التاريخ الرائع الذي تسطره شعوب الأمة الآن .
بالطبع، لا أحد يتوقع أن يسمح المذهبيون والعشائريون لياسمين وبنفسج الوطنية العراقية أن يتفتح ويفوح أريجه من دون مواصلة طمسه أو حتى دوسه . سيخوضون معارك شرسة، وبكل الأسلحة، لمحاولة القضاء على هذا الربيع العراقي المتفتح، سواء عبر التحريض، أو القمع، أو حتى تشجيع المتطرفين على ارتكاب مذابح جديدة لإعادة نثر بذور الفتن المذهبية .
بيد أنه يمكن للوطنيين العراقيين الآن أن يستفيدوا من تجارب مصر وتونس ولبيبا لمقاومة تكتيك التقسيم والانقسامات باستراتيجية الوحدة الوطنية، وشعار الخبز والحرية، والنضال السلمي والديمقراطي .
الخليج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى