انتفاضة العراق

الجواب المصري

عباس بيضون
قال رئيس الوزراء العراقي بعد تظاهرة دامية إنه لم يكلف قوات الأمن بإطلاق الرصاص فمن حق الناس ان يتظاهروا، لكن المظاهرة التالية كانت أيضاً دامية ولم نعرف من أمر بإطلاق النار. عهدنا ان العراق بلد ديموقراطي فلماذا يُقمع التظاهر ولماذا يقتل المتظاهرون؟ أهذه هي الديموقراطية؟ أهذا ما جاء الاحتلال الأميركي من أجله، أهذا ما اعتبره هذا الاحتلال رسالته ومشروعه للمنطقة؟ لعل مصر هي الجواب. ثمة ملايين في الشارع تتظاهر سلمياً. ثمة ملايين في الشارع موجودة هنا لسبب واعٍ ومعلن، هو مراقبة السلطة والضغط عليها. ملايين لم يأت بها احتلال. لقد تولدت في المعاناة الداخلية واختمرت في الصبر والصمت والمقاساة، واي مقاساة: الجوع والبؤس والبطالة والتزوير والعنف الحكومي. لم يعجل أحد في ولادة الثورة، لم تحتج لعامل خارجي، لم يأتها المدد من الغرب او الشرق. انفجرت في لحظتها، ولدت في ظرفها، قامت بقوتها وقدراتها، وجدت بكيانها، والظرف بالمزاج الشعبي والظرف الداخلي، وفاجأت نفسها قبل أن تفاجئ الآخرين.
جاء الأميركيون كما قالوا، لإنقاذ العراق. اليوم نعلم أن هذا كان ممكناً من دونهم. كان ينبغي مزيداً من الانتظار، مزيداً من الصبر والمعاناة، وحين تحين الساعة ستحين من نفسها، حين يحلّ الوقت سيحلّ من تلقائه. قبل ذلك، قبل أن ينضج الوضع يمكن لكل شيء أن يحدث، إلا الثورة. يمكن أن نجد بانتظارنا جملة من المتفجرات التي وضعها النظام على الطريق، يمكن أن نجد انقسامات من نوع آخر حمى بها النظام نفسه، يمكن أن نجد مجموعة من التحصينات التي يقبع خلفها، يمكن ان تكون الحرب الأهلية أول ما ينفجر، يمكن أن يتسلل الإرهاب من الثغرة التي انفتحت. حين لا يكون الوضع ناضجاً فإن إنضاجه بالقوة لا ينفع. إنضاجه بالقوة والعسف سيحوّل القوة والعسف الى حدود لا يمكن تخطّيها، سيجعل من القوة والعسف مشكلة قائمة برأسها. كان وراء استدعاء التدخل الخارجي نظرية يائسة، نظرية قوامها أن لا أملَ بحراك داخلي، أن الظرف الداخلي متبلّد لدرجة ينبغي معها أن نجد له رافعة خارجية. أن نجد مثيراً خارجياً. نظرية كهذه لم تقم من لا شيء. قامت من واقع فعلي، واقع من الصمت والنوم على المشاكل والتكلس الداخلي. نظرية، نكاد نقول إنها كانت سائدة. ثمة عقود مضت لم يكن فيها أي أمل بغد، أي ثقة في المستقبل. اثناء ذلك لم يكن غريباً ان نعول على أي مساعدة، على أي عون، على أي دعم. فجأة جاء الدرس المصري والدرس التونسي قبله يثبتان أن اليأس لم يكن في محله. انه فقط انعدام صبر، فقط ضجر من الانتظار، الجواب التونسي المصري اكد لنا اننا رغم طول انتظارنا، رغم يأسنا المقيم، كنا متعجلين ومتعجلين جداً. إن يأسنا ساقنا الى تجارب مريضة. الى حلول مفتعلة. إن ما دفعناه لقاء هذه الحلول المصطنعة كان باهظاً بقدر الثمن الذي كنا ندفعه للمشكلة نفسها. إننا انتقلنا هكذا من مشكلة متكلسة الى حراك جنوني ودموي. لقد ساقنا يأسنا إلى تحريك شياطين نائمة. كان لا بدّ من ان ننتظر قليلاً أكثر. لنجد مدخلاً حقيقياً، لنجد بداية صحيحة، لكن هذا لا يعني بحال أن الثورة المضادة كذبة، إنها موجودة بالتأكيد لكننا، لنتعلم أكثر، نبقى نتأمل ماذا يجري في مصر. نظل نتأمل في الجواب المصري.
السفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى