صفحات ثقافية

زياد الرحباني في دمشق: محبـة السوريين مرعبـة

null
راشد عيسى
دمشق :
على أحرّ من الجمر، ينتظر الجمهور السوري، مساء اليوم، إطلالة الفنان زياد الرحباني في حفل يقام داخل قلعة دمشق التاريخية.
وكانت ١٢ ألف بطاقة لحضور حفل الليلة، فضلاً عن حفلات أربع أخرى مزمعة في ،١٥ ،١٦ ١٧ و١٨ آب الحالي، نفدت في غضون أيام في إقبال غير عادي شهدته مختلف المدن السورية، وخاصة من فئة الشباب، الذين نالوا حسماً على أسعار بطاقاتهم (بلغ سعر البطاقة ١٠٠٠ ليرة سورية، أي حوالى ٢٠ دولاراً).
وأوضحت مساعدة الأمينة العامة لـ»دمشق عاصمة الثقافة العربية« دنيا الدهان، أن ريع حفلات زياد الرحباني سيذهب إلى مشاريع ثقافية، كما ريع عروض فيروز في دمشق. وبسؤالها عن الأجر الذي تقاضاه زياد، قالت الدهان لـ»السفير«، إن »زياد يشبه نفسه حتى على هذا المستوى، ولم يطلب سوى القليل«.
من جهته، وصف زياد استقبال السوريين لـ»السفير«، قائلاً: »رعب، رعب من هالعاطفة، يعني الواحد عم يحاول يضلّو مصبّر بشكل يشبه حالو (مشيراً إلى صورته في الملصق الإعلاني) إنو ما يقوموا فكرن يغيروا (يضحك)«.
عن آخر مرة جاء فيها إلى سوريا، قال زياد: »كانت آخر مرة في العام ١٩٧٥ في معرض دمشق الدولي، كنا بلّشنا نعزف مع الرحابنة«. أما زيارة اليوم، فلا يعني تزامنها مع زيارة الرئيس اللبناني إلى دمشق شيئاً، »نحنا دعونا قبله«، يقول ضاحكاً.
أمانة »دمشق عاصمة الثقافة« كانت استقبلت زياد بإعلانات ضخمة على لافتات الطرقات، حملت صورة لزياد مرفقة بكلمات من أغانيه ومسرحياته: »سهرنا يا بو الأحباب«، »كيفك إنت«، »يا نور عينيّ«، »لأول مرة منكون سوا«. وتغيرت عند تمديد حفلاته إلى: »بالنسبة لبكرا شو؟«، و»صارت صحيحة الخبرية«.
الأجمل قيام شبان سوريين من محبي زياد بحملات ترويجية لحفلاته في أحياء دمشق، مذيعين أغنيات له ومقاطع من مسرحياته، أو حاملين رسوماً له لإضافة تواقيع وتعليقات معجبيه عليها، ومن المفترض أن تقدم له كهدية في ختام زيارته الدمشقية.
فرقة زياد تضمّ ٦٠ عازفاً ومغنياً، بينهم ٢٩ سورياً في مقدمتهم باسل داوود، رشا رزق، فراس شهرستاني، مسلم رحال. هذا إلى جانب ٢٢ أرمنياً مع المايسترو الأرمني كارين دورغريان، والذين يعزفون مع فيروز وزياد منذ العام ،٢٠٠٠ فضلاً عن عازفَيْن فرنسيَيْن وآخر هولندي، والأردني فادي حتر، ومهندس الصوت البريطاني المميز بيريك. وسيقدم زياد مع فرقته ثماني مقطوعات موسيقية: أبو علي، قمح، مقدمة ،٨٣ تدمر (مقطوعة من موسيقى الفيلم السوري »وقائع العام المقبل«)، مقدمة لولا فسحة الأمل، ميس الريم، وجسر القمر. كما سيقدم ١٢ أغنية، بينها: »تلفن عياش«، »شو هالأيام«، »بلا ولا شي«، »بما إنو«، وسواها… يبقى سؤال الجمهور السوري، بل وحتى الموسيقيين المرافقين لزياد: هل سيغني زياد هذا المساء في دمشق؟ وهل يخبئ لمحبيه السوريين مفاجأة ما؟

زياد الرحباني عند لحظة الذروة

دمشق تستقبله بالأحضان بعد انتظار طال. إنّه لحدث تاريخي، موسيقيّاً بالدرجة الأولى. فرصة نادرة تتاح للرحباني الابن، بفضل تركيبة الفرقة الموسيقية، كي يجسّد رؤيته الصافية لمؤلّفاته. خمس أمسيات لن تنسى، ابتداءً من الليلة، لإعادة اكتشاف «يا ليلي ليلي ليلي» و«أبو علي»، و«صباح ومسا»…

بشير صفير
بعد إحدى حفلاته في «لاس ساليناس» عام 1998، تسلّلت إحداهنّ إلى كواليس المسرح بهدف لقاءٍ عابرٍ معه. ولا شك في أنّ تلك السيدة حضّرت عشرات الجمل للتعبير عن مشاعر التقدير والإعجاب التي تكنّها لزياد الرحباني، لتقولها دفعةً واحدةً… وترتاح. لكنّ جملة واحدة خرجت من فمها، أتت مسلّحة بصِدق المتألم لخسارة كبيرة، لا أحد يعي مداها غيره: «…إنتَ ما بْتعرِف شو في بهالراس!». صرخت السيدة وهي تدقّ بيدها المقبوضة على ذاك الرأس المكسو بشُعَيْرات قصيرة رطّبَها العرق.
هذه ليست حالة فردية، بل جَماعية يعبِّر عنها كثيرون. وليس في الأمر أي سوء، لكن هل السائل نَفسه يعرف حقاً «شو في بهالراس»؟ فإذا كان زياد الرحباني نفسه لا يعرف قيمة فنّه وفكره، فكيف لأحد أن يقدّر قيمة ما أعلن عنه الرأس، وبطبيعة الحال ما لم يُعلِن عنه بعد؟
عندما نتكلّم عن قيمة زياد، لا يمكن إلا اعتبار موسيقاه من إبداعاته الأقل فهماً (بالعمق) من قبل شريحة كبيرة من عشّاق أعماله. لكن ما الفرق في النتيجة بين تأثير هذه الأعمال على مَن يدّعي أنّه يعرف قيمتها، ومن يعترف بأنّه لا يملك وسائل تقديرها؟ لا شيء. هكذا يمكن أن نختصر ـــــ من دون تنظير ـــــ التعريف بزياد الموسيقي. وهكذا هم أجمل الكبار وأكثرهم احتراماً للإنسان، ومعرفةً بعمق النفس البشرية بعيداً من الطليعية النخبوية والشعبَوية التجارية.
إذاً كلّنا، سنكون الليلة في خندق واحد، ونزحف إلى دمشق لملاقاة زياد وفرقته الموسيقية حيث سيقيم سلسلة حفلات تحتضنها قلعة دمشق، وتستمرّ حتى 19 آب (أغسطس) الجاري ضمن احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» (راجع مقالة الزميل خليل صويلح في مكان آخر من الصفحة)
حدثٌ أقل ما يقال فيه إنّه تاريخي، ليس لأنّها الزيارة الرسمية الأولى لفنانٍ إلى بلدٍ عشّاقه فيه بالآلاف ينتظرون هذه المفاجأة منذ عقود. إنّما الحدث تاريخيٌ موسيقياً إذا جاز التعبير، إذ إنّ تركيبة الفرقة ستتيح لزياد فرصة التعبير عن رؤيته الصافية لكثير من أعماله. أما نحن، فسيمنحنا اللقاء لحظات يُعَوَّل عليها لتكوين الفكرة الأدقّ عن قدرة زياد الإبداعية في مجال الموسيقى، وتحديداً في ما يخصّ التوزيع وانتقاء المزيج الهارموني الأفضل (معقّداً كان أو بسيطاً) وقدرة إنتاج الصوت المراد (ذبذبات كان أو صمتاً)، وحسن اختيار الآلات المطلوبة لإصداره وجرأة إسكات أخرى ستعكِّره.
إذا استثنينا حفلات فيروز في بيت الدين، يمكن القول إنّ الفرقة الموسيقية التي سترافق زياد على مدى خمسة أيام، تتمتّع بالتركيبة الأكمل مقارنةً بجميع إطلالات زياد من حيث عدد الآلات الحاضرة وتنوّعها. في الصالة المخصصة للتمارين في معهد الموسيقى، وعلى مقربة من دار الأوبرا في العاصمة السورية، جلس أعضاء الأوركسترا (ذات التركيبة السيمفونية) التي لطالما حلمنا بأن توضع تحت تصرف زياد لكي تُؤدَّى أعماله كما يريد، وكما نريد أيضاً. عائلة الوتريات بجميع أفرادها ومجموعاتها، وآلات النفخ النحاسية والخشبية والآلات الإيقاعية الشرقية والغربية (وهنا حضرت آلة التيمباني العزيزة على قلب زياد، وحضر أرنو عازف الدرامز الهولندي)، إضافة إلى الكورس، و… بيانو «شتاينواي» طبعاً.
وسط بحر من الموسيقيين (لبنانيون وسوريون وفرنسيون وأرمن)، وقف المايسترو النحيل ذو الملامح الحادة. إنّه قائد الأوركسترا الأرمني كارن درغاريان الذي بات من أهل البيت منذ حفلات فيروز في بيت الدين عام 2000. بضع كلمات بلكنة إنكليزية ركيكة، وتنطلق المقطوعة، فيتراقص كارن بانفعاله المعهود، ويقلّد أصوات الآلات عند الفواصل والجمل الموسيقية التي يرى فيها عبقريةً فائضةً، فينظر إلى زياد المتجوِّل المراقِب أو الرّاسي خلف البيانو، ويبعث إليه بابتسامة إعجاب وتقدير… تتوالى التمارين فنصل إلى «راجعة بإذن الله»، نبدي إعجابنا بالإضافات الجميلة على التوزيع الأصلي، معتقدين أنّها ثمرة الخبرة الطويلة، فيردّ زياد: «… هذا التوزيع هو الأصلي ويعود إلى عام 1979، ولكنّ ظروف التسجيل الرديئة لم تسمح بتنفيذها بشكل جيّد. لذا، لا يمكن التقاط التفاصيل الدقيقة البارزة هنا… طالعة ديسكو هونيك».
التوزيع الموسيقي لكلّ المقطوعات والأغنيات (حوالى عشرين عملاً تعود إلى مراحل مختلفة من نتاج زياد) يبدو جديداً، وتبدو الإضافات الجميلة كثيرة، لكن في الواقع ـــــ وعلى رغم وجود بعض الإضافات ـــــ التوزيع هو قريب لما كُتِب في الأصل. إذاً أين الجديد؟ الجديد يكمن في الأداء، وفي اكتمال التركيبة الموسيقية المطلوبة لهذا الأداء. بمعنى آخر، أولاً، في معظم حفلاته، اضطر زياد إلى توليف التوزيع تماشياً مع تركيبة الفرقة. وثانياً، النسيج الموسيقي لمعظم مقطوعات زياد (وهو كلاسيكي ولو أنّ المقطوعة هي على إيقاع فانك أو جاز…) يدخل تنفيذها في لعبة الأداء الأوركسترالي، تماماً كأي عمل سيمفوني التركيبة (سيمفونية، كونشرتو، افتتاحية…). وكما نستدلّ مثلاً إلى أفضل تسجيلٍ للسيمفونية الخامسة لبيتهوفن، سنسمع اليوم أفضل أداء لـ«يا ليلي ليلي ليلي» و«مقدمة لولا فسحة الأمل 2»، و«جسر القمر» و«… وقمح»، و«أبو علي»، و«صباح ومسا»…

عدد الجمعة ١٥ آب ٢٠٠٨

الأخبار

عاصمة الأمويّين على موعد مع «غيفارا الموسيقى العربية

مع عاصي وفيروز في الزمن السعيدمع عاصي وفيروز في الزمن السعيدالشوارع غطّتها ملصقات عن الموعد المنتظر. زياد يجسّد تمرّد الشباب السوري على واقع متعثّر… وحفلاته تتوّج أكبر مهرجان موسيقي عرفته دمشق

دمشق ـــــ خليل صويلح
عشرون ألف متفرّج فقط! هؤلاء هم مَن حالفهم الحظ في الحصول على بطاقات لحضور حفلات زياد الرحباني الخمس التي ستبدأ اليوم على خشبة مسرح قلعة دمشق، بعدما مُُُدّدت الحفلات يوماً إضافياً لا أكثر، نظراً إلى ارتباطات الموسيقيين الأجانب بمواعيد أخرى.
حمّى زياد بدأت باكراً: آلاف الشباب تدافعوا أمام شبّاك التذاكر في مقر احتفالية “دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008”، للحصول على بطاقة، فالحدث استثنائي بكلّ المقاييس.
أخيراً، الرحباني الابن في دمشق، وجهاً لوجه مع جمهور متعطّش إلى سماع موسيقاه، وأمل في سماع بعض أغانيه وألحانه التي حفظها منذ سنوات بوصفها “مانفيست” لجيل لم يجد أفضل من زياد في وصف أحواله ومكابداته في العيش والاحتجاج والتمرّد، علماً بأنّ المنظّمين لاحظوا أنّ الإقبال على شراء البطاقات كان كثيفاً في الساحل السوري.
مقالاته في “الأخبار” يتناقلونها في البريد الإلكتروني وعلى “الموبايل” أو يوزّعونها في أروقة الجامعات. في غرف الـ“تشات”، اختار أحدهم اسم “شي فاشل”، وفسّر اختيار هذا الاسم بأنّه “كل شي فاشل في هذا البلد”. وأخرى سمّت نفسها في أحد منتديات الإنترنت “فيلم أميركي طويل”، على اعتبار أنّ كل ما يجري في المنطقة هو “فيلم أميركي طويل و.. وقح”. وقالت إن زياد «يعبّر عن رفض الشباب السوري لتعبيرات المجتمع الاستهلاكي، ويجسّد تمرّده على واقع سياسي وثقافي متعثّر… ثم هل تريدون أن أضع صورة نانسي عجرم أو عمرو خالد على جدران غرفتي؟”. أينما تلتفت في شوارع دمشق، ستجد ملصقات كبيرة تعلن عن حفلات زياد الوشيكة، وهي تحمل عبارات مقتبسة من عناوين أغانيه “اشتقتلك”، و“لأول مرة منكون سوا”، و“كيفك إنت”، و“يا نور عينيّ” و“زياد في قلب دمشق” كناية عن الحب الجارف الذي يكنّه له السوريون.
قلعة دمشق التي أنشئ عليها مسرح ضخم لاحتضان الحفلات الخمس، زارها زياد قبل أيام للاطمئنان إلى صلاحية المكان موسيقياً. هكذا، ستشهد القلعة في العاشرة من مساء اليوم حشداً جماهيرياً، قد يصل إلى خمسة آلاف متفرج، وهناك مَن سيحاول التسلّل بأي طريقة إلى المكان، بعدما فقد الأمل في الحصول على بطاقة، وخصوصاً أنّ الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، التي تقيم هذه الحفلات، حرصت على بيع البطاقات بأسعار معقولة ( 20 دولاراً للعموم، و10 دولارات للطلاب والصحافيين). وبعدما بيعت البطاقات كلها، تدرس إمكان زيادة عدد الحضور في الحفلة الواحدة ليصل إلى 4500 شخص، بعدما كان يتّسع لثلاثة آلاف جلوساً.
ويأمل الشبان الذين لم يتمكّنوا من حجز مقعد تمديد عدد الحفلات، كما حصل في حفلات فيروز التي افتتح بها نشاط العاصمة الثقافية قبل خمسة أشهر. لكنّ الفرق هنا ــــ يقول أحدهم معلّقاً ــــ أنّ زياد أصّر على أن تكون أسعار التذاكر شعبية، وأنّه “يساري قولاً وفعلاً”، وأنّه “غيفارا الموسيقى العربية”. وتذهب إحداهن أبعد، حين تصف زيارته إلى دمشق بأنّها أهم من زيارة الرئيس ميشال سليمان “بمراحل” وبأنها ستروي يوماً لأبنائها أنّها حضرت حفلته في دمشق. وفي المقاهي، اختلط الشجن على رحيل محمود درويش، مع بهجة قدوم زياد التي “ستخفف من ألم غياب الشاعر الكبير، ولو قليلاً”، يقول شاعر شاب مضيفاً “زياد خيمتنا الأخيرة”. ولا نعرف حتّى الآن إذا كان زياد سيغنّي أم سيكتفي بالعزف على البيانو، لكن يتوقع أن يتخلل الحفلات بثّ مقاطع من “اسكتشات” من الحلقات التي سجّلها سابقاً للإذاعة أو فواصل مكتوبة للمسرح. كما قد يؤدي بعضاً من أعماله التي لم تقدّم سابقاً في حفلة حيّة.
هكذا، فإنّ حفلات زياد الرحباني في دمشق، ستتوّج فعاليات الصيف بأكبر تظاهرة موسيقية تشهدها عاصمة الأمويّين، فيما ستفتح قوس الخريف المقبل على حفلات بتوقيع مرسيل خليفة، ينتظر أن تكون حدثاً مماثلاً.

22:00 مساء اليوم حتى 19 آب (أغسطس) الحالي ــ قلعة دمشق للاستعلام: +9633115142 ـــ +9633115172
www.damascus.org.sy
عدد الجمعة ١٥ آب ٢٠٠٨

زياد الرحباني وسمير القنطار في سوريا

عمّار ديّوب
هذا الخبر الذي يتأكد كل يوم. سيُثير بدون شك خلافات ونقاشات، وربما اتهامات وتكفيراً من أطراف سياسية عدة في سوريا. وسيكون رأي النظام السوري: إن هؤلاء الشرفاء أتوا إلى سوريا، لأنّ النظام السوري ينصف المقاومين ولا يعادي الشرفاء غير المتعاونين مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وإنّه على حق، ووطنيته لا غبار عليها، بينما كل معارضيه في لبنان وسوريا على باطل، وربما متعاونون مع الولايات المتحدة الأميركية. وسيكون رأي أقلام في المعارضة السورية (ديموقراطيون وعلمانيون وإسلاميون)، أن سمير وزياد وقعا في مطب الانتهازية والتضحية بمصالح الشعب السوري، ولا سيما لجهة الحريات والديموقراطية، ولا يهمهما المفقودين والسجناء اللبنانيين في سوريا، وهما يعطيانه مبررات جديدة، كي يزيد من قمعه، وتسلطه على ذلك الشعب المقموع والخائف والأسير. وبالتالي أصبح الرجلان ورقة بيد النظام السوري، وطبعاً سيشنّع آخرون بهما بأكثر مما أتوقع كما علّمونا.
في لبنان ستكون هناك آراء، تنطلق من الرؤية نفسها، وستتكرّر هذه الأفكار نفسها، وستكون من مثقفي 14 آذار و8 آذار، باعتبارهم أصحاب مصلحة في تأبيد أدوارهم السياسية ومصالحهم، ويخافون على أنفسهم من المستقبل غير المستقر.
أما برأيي المتواضع، فإن سمير قنطار لا يأتي إلى سوريا كي يبيع مواقف تاريخية، ولا كي يشتري مقابل ذلك شيئاً. فهو يحاول أن يشق لنفسه طريقاً، يعزز نهج المقاومة، والتصالح بين سوريا ولبنان (كما يفعل ميشال عون).
إلا أنّه يقع في الخطأ، فالنظام السوري كان في لبنان لأسباب كثيرة ومن أجل تأبيد سيطرته في سوريا، كسببٍ رئيسي. وليست لديه، فوق طاولاته أو تحتها، ورقة المقاومة، وهو يخوض طريق المفاوضات منذ عقود، كي يحصّل دون أدنى شك أراضيه المحتلة بأقل التكاليف، وبأكثر المحاصيل. وبالتالي فإن دعمه للمقاومة، وهو يطرح ذلك بدون توقف، يأتي في سياق رفع أسهمه في المفاوضات. ولذلك فمن يرد السير بطريق المقاومة فعليه أن يستقل بذاته، ويعزز صلاته بالمجتمع، وأن يرتّب أولوياته من أجل برنامج نضالي هدفه التحرير والحرية، بعيداً عن الارتهان لسياسات الأنظمة العربية وحساباتها التي طالما مارست السياسة من بوابة مصالحها الخاصة وتأبيد سيطرتها الطبقية التي تتعارض مع التحرير أو دعم المقاومة، إلّا بما يدعم تلك السيطرة، وهذا أمر أكثر من طبيعي.
وهنا، لا أكفّر سمير أو زياد، ولا نقّاد الاثنين، بل أحاول تحليل هذا الإشكال، الذي برز حين أتت السيدة فيروز قبل أشهر إلى دمشق، ولا يزال يتكرر بحدة مع مجيء كل ضيف لزيارة سوريا.
النظام السوري بدوره، عليه أن يعي أن الاستفادة من المناضلين المقاومين والمثقفين الناقدين يجب أن لا تكون عبر مسخهم وتسخيفهم.
زياد بمجيئه إلى سوريا، وهو الذي رفض المجيء سابقاً إليها، يثبت ما قيل عنه بخصوص الاقتراب من 8 آذار، رغم أنّه ينتقد الجماعتين، وإن كان يخص 14 آذار بنقد مميز.
سيأتي زياد حصراً كموسيقي ومسرحي ورجل ثقافة، وبالتالي سيأتي من زاوية الأدب. ولا يغيّر من حقيقة المسألة، إذ كانت أمسياته تندرج في دائرة احتفالات دمشق كعاصمة للثقافة العربية. ففي سوريا، له جمهور ومعجبون ومحبون كثر، ربما أكثر من كل فناني لبنان ومثقفيه المعروفين جداً في سوريا! وحتى من فناني سوريا ومثقفيها!
سمير وزياد علمان من لبنان، وأن يزورا سوريا، فهذا حق طبيعي لهما. ولكن ما هو غير طبيعي، ويصنّف في خانة التحالفات، إطلاق المواقف السياسية المؤيدة للنظام أو المعارضة له. فهل ينجح زياد وسمير في الحفاظ على الذات، كما لم يستطع آخرون، ويُفشلوا رهان القوى، معارضةً وسلطةً، من دون أن يصبحا ملكين أو شيطانين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى