بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

السورييون بين إصلاح النظام أو إسقاطه

null
بدرالدين حسن قربي
رياح التغيير التي هبت مع مطلع العام الحالي، أخذت حتى تاريخه ثلاثةً من الأنظمة العربية العتيدة، في تونس فمصر ثم ليبيا، وأكّدت بصورة جلية أن سوسة الفساد والاستبداد على مرّ عشرات السنين قد نخرتها.  فسقطت حقيقةً بفعل فسادها واستبدادها بشكل كرتوني مهين، قبل أن تسقط ظاهراً بحركة جماهيرية شعارها: الشعب يريد إسقاط النظام.  فسقط منهم من سقط بالتنحي أو الرحيل أو التناحة، وقُضي بينهم وبين شعوبهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين.
ولئن كان السبب الحقيقي فيما كان انتفاضةً على ممارسات الأنظمة القامعة للحريات والممتهنة للكرامات، والمستحوذة  على الثروة والناهبة للمال العام بطريقةٍ انعدم فيها الحياء على الآخر، فإن هذا يعني تحقيقاً أن أحجار دومينو الفساد والديكتاتورية العربية سيتوالى سقوطها، فالرياح عاصفة، والأنظمة متعفّنة ومتآكلة، وتاريخ صلاحيتها منتهٍ منذ أمدٍ بعيد، وشعار المرحلة: بالدور ياقامعين الناس بالدور، ولكل ظالم يوم.
ولمن يستكثر على الناس أو يستغرب منهم – عن حسن نية أو سوئها – أن يكون شعارهم إسقاط النظام وليس إصلاحه، فلا شك أن كلامه فيه نظر، لو لم يكن الناس قد فعلوا ذلك من قبل مقولته بسنين وأشهر وأيام، وشقُوا وتعبوا وحاولوا ووسّطوا، وعلّقوا وتوقفوا وقربوا وبعّدوا، وإنما هو الفالج، الذي قالوا في أمره: لاتعالج.  فكيف السبيل لإقناع نظام مستبد فاسد بإصلاح نفسه وهو لايحسب حساباً لأحد، ولايستحي من أحد، ويمارس فساده وقمعه دونما ذرة من حياء أو خوف من أحد.  وما نظنّ أن التونسيين والمصريين والليبيين بمن فيهم السورييون أيضاً قصّروا بالمطالبة بالإصلاح، ولكنها أنظمة اعتقدت أن حصونها الأمنية والمخابراتية مانعتها من غضب شعبها، وظنوا أن لن يقدر عليهم أحد، وذلك ظنهم الذي أرداهم وأوردهم ماأوردهم، فبئس الورد المورود.  بل حتى الرئيس الأسد نفسه وفي مقابلته مع الوول ستريت جورنال المنشورة في 31 كانون الثاني 2011  قد قال بوضوح: إن لم ترَ الحاجة إلى التغيير قبل ما حصل في مصر وتونس، فقد أصبح متأخراً أن تقوم بأي تغيير، وعندما سئل عن الإصلاح في سورية أجاب: بأنه سيشرع في إصلاحات سياسية واقتصادية، وإنما لكي نكون واقعيين علينا ان ننتظر الجيل القادم لتحقيق هذا الإصلاح.
لمطالبي السوريين أن يرفعوا شعار إصلاح النظام لا إسقاطه فمازال هذا شعارهم حتى تاريخه، ومازالت هناك أيام يستطيع فيها نظامهم أن يستدرك مافات بإطلاق حملة إجراءات هي بالضبط مثل مايعمله المصريون الآن والتونسييون تماماً، والذي لو عمله الرئيس المصري السابق والتونسي والليبي أيضاً قبل الانتفاض عليهم بأيام لكانت نهاياتهم مختلفة.  ولمطالبي السوريين بأن يكون شعارهم إصلاح النظام في انتفاضة الغضب لإنسانيتهم وكرامتهم القادمة على الأبواب، نذكّرهم أن النظام مابين الأب والابن قد أمضى في حكم سورية حتى تاريخه إحدى وأربعين عاماً، هي أقل من فترة حكم قذافي ليبيا بعام واحد، وأكثر من فترة حكم مبارك بإحدى عشر عاماً،  فيُفترض أن النظام قد أخذ حقّه ومستحقه من عمر الناس في الإصلاح،  وأن الوطن طفح كيله إصلاحاً وتصليحاً، وسبق في الصلاح، ومابقي على النظام غير الراحة والرحيل.
ياجماعة..!! إن شعباً نظامه أسّس لنشوء حكم شمولي على الطريقة الكوبية والكورية، حزب البعث فيه هو القائد في الدولة والمجتمع، وسيطر على كافة مفاصل الوطن بأجهزة أمنية قامعة، وصلت حد الإبادة الجماعية والمجازر التي طالت عشرات الآلاف من المواطنين والمفقودين مما أورث البلد مشاكل عالقة على كل جبهات الحياة، واحتل مراتب متقدّمة على مستوى العالم فساداً وديكتاتوريةً، لا يُلام أن يكون شعاره المطالبة بإسقاط النظام.
ياناس..!! إن شعباً يعيش في ظل إعلان حالة الطوارئ منذ قرابة خمسين عاماً تحكمه المحاكم الاستثانئية الأمنية منها والعسكرية بحجة حالة الحرب مع إسرائيل، وإن شعباً نظامه بات عصياً على الإصلاح، واستحال مقاوماً لدولة القانون والعدالة وممانعاً للمشاركة والتعايش مع الآخر المختلف، لأنه تأسس من ساعته الأولى على القمع الذي قدم على دبابة عسكرية باطشة، واستمر كل هذه السنين العجاف، لا يُلام أن يكون شعاره المطالبة برحيل النظام.
ياعالم..!! إن نظاماً من أهم إنجازاته إمبراطوريات من القرابات والنافذين للاستحواذ على الثروة يرعاها في كل منشآت الوطن، ولها أباطرتها ممن لايتركون شيئاً يفوتهم، أوصلت البلاد والعباد إلى حالٍ مرعبة من الجوع والفقر والبطالة والقهر، فلا تلومُنّ شعبه أن يرفع في وجهه كرتاً أحمر، فيه من كافٍ وكُفينا وكفاية وكِفايات، المختصر من الكلام، وأن يُطالِب بتنحي ورحيل وإسقاط النظام.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى