صفحات مختارة

العرب ومفهوم المجتمع المدني

هشام الدجاني *
تعرّف العرب على مفاهيم المجتمع المدني وعلاقته مع السلطة ومفاهيمه عن الالتزام بعد أن قضت الدولة العربية التسلطية على هامش المجتمع، وأصبحت الدولة أشبه بالآلة التي تقضم كل ما يقف في طريقها، فأصبحت المجتمعات العربية عاجزة إلى حد كبير عن الفعل والتأثير، ومقيدة بقيود لا فكاك منها، وهذا ما أدخل العالم العربي في حال من الحياة اللامبالية بالشأن العام أو عدمية المصير. لذلك وجدت المجتمعات العربية في مفهوم المجتمع المدني تعويضاً عن غيابها السياسي الكامل وعدم حضورها الاجتماعي بحكم سنوات الاستبداد الطويلة وحكم الطوارئ المؤبد. وجرى طرح المجتمع المدني على أنه الخلاص القادر على تدارك سنوات النقص التي خلفها الحكم الشمولي التوتاليتاري
راج مصطلح المجتمع المدني في الأدبيات العربية في وقت متأخر. وقدومه المتأخر هذا لم يمنع الالتباس والاضطراب الكبيرين اللذين رافقا نشأته وظهوره. وهذا متعلق بطبيعة الفكر العربي في تعامله مع المفاهيم، لا وفق سياقها الطبيعي، بل ضمن رغبته الخاصة، مما حوّل المفهوم إلى صراع على التوظيف السياسي بين مختلف التيارات والحركات السياسية التي رغبت عن طريق تبنيه في مواجهة الدولة الشمولية، أو ضد بنى المجتمع التقليدية.
ويمكن القول إن المجتمع المدني هو نقيض المجتمع الثيوقراطي حيث تزعم فيه السلطة السياسية أنها تستمد شرعيتها من السماء، وبالتالي لا يحق للبشر محاسبتها. كما أنه نقيض المجتمع الشمولي الاستبدادي، ونقيض المجتمع القبلي أو الطائفي.
مما لا شك فيه أن مفهوم المجتمع المدني ذو جذور غربية ليبرالية في ضوء تطوره الحديث. وهذا ما منع تكيفه بسهولة مع الفكر العربي المعاصر، مما جعل المفهوم يزداد غموضاً بحيث غالباً ما يسقط دعاة المجتمع المدني مفهوم الحزب السياسي عليه. كما أن الدولة العربية تختزن إرثاً احتكارياً من الصعب عليها التنازل عنه. إذ أن هيمنتها على المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تقتضي منع أية مؤسسة مستقلة ترغب في النشاط في أحد المجالات المذكورة لأنها ستصطدم حتماً بتوجه الدولة نحو الأحادية وعدم الاستجابة لرغبة المجتمع في ممارسة دوره وفق تصوراته أو مآلاته الخاصة. لذلك نجد غالباً أن العلاقة بين الدولة العربية والمجتمع المدني علاقة يسودها التوتر والتنازع لتتأسس ثنائية غير تصالحية – كما في الفكر الغربي – بل ثنائية تصادمية تقوم على الإلغاء المتبادل. فهل يمكن الوصول إلى صيغة تعاون متوازنة بين الطرفين؟ إن ذلك يتعلق بالسلطة (الدولة) التي رهنت المجتمع بإدارتها. فهي إن أرادت أن يمارس المجتمع دوره وفعاليته فعليها أن تعترف بمؤسساته، وأن تترك له هامشاً يؤدي وظيفته من خلاله.
* كاتب فلسطيني
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى