صفحات العالم

قلب الحقائق في قضايا الاتجار بالأشخاص في السعودية

عادل أبو مهادي
طلب الكاتب السعودي “الليبرالي” داود الشريان فيما يشبه المفاجأة عدم “التهويل والمزايدة والغرور الذي تمارسه ضدنا دول، ومنظمات دولية تحت ستار ما يسمى حقوق العمال.” والمناسبة كانت حادثة الخادمة الإندونيسية التي عُذِّبت على يد كفيلتها السعوديّة، وتحولت إلى قضية رأي عام في إندونيسيا. تظاهر مواطنون اندونيسيون أمام السفارة السعودية في جاكرتا، ووصف الرئيس الإندونيسي الحادثة بأنها «غير طبيعية»، رئيس مجلس النواب طالب حكومته بمنع إرسال الخادمات الإندونيسيات للعمل في السعودية، في حال لم تُفرض عقوبات صارمة في حق المتهمين في قضية تعذيب «خادمة المدينة المنورة». ومنظمة العفو الدولية اعتبرت أن العمال الأجانب، غالباً ما يعاملون بهذه الطريقة في الخليج.
هذه القضية لم تعجب الأستاذ الشريان، وهو بالمناسبة كاتب وصحفي سعودي ليبرالي معتدل، ورأى أن “عدد عمال المنازل في السعودية أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، النسبة العظمى منهم تعيش في البلد منذ سنوات، وتجد معاملة إنسانية عظيمة. يسكن هؤلاء في بيوت الناس، يأكلون ويشربون على موائدهم، وتُخَط بينهم قصص وفاء جميلة. وحين تقع حادثة اعتداء، في بلد يضم ملايين العمال الأجانب، فإن هذا لا يستدعي كل هذا اللغط والمكابرة.”
استخدم الكاتب كلمة “ادعت” عندما وصف ما جرى للخادمة التي نُقلت إلى المستشفى في المدينة وهي فاقدة للوعي وعلى وجهها وجسدها آثار لحروق وجروح، قيل إنها ناجمة عن ضرب تعرضت له من أحد أفراد الأسرة التي تعمل لديها. ورفض الاعتذار، “كما نفعل في كل مرة يجرى فيها ابتزازنا بشعارات حقوق الإنسان.” ولم يكتف بذلك بل طالب بأن تتحول الحادثة إلى مناسبة للحديث عن “الجرائم والتجاوزات التي يرتكبها العمال وخدم المنازل في السعودية”، وأن يتم “وقف استقدام العمال الإندونيسيين فوراً، ونلحق بهم كل الجنسيات التي استعذبت الغطرسة والغرور والابتزاز الفجّ.”
يبدو أن الشريان لا يعيش على كوكبنا. وهو لم يسمع قبل قصة الخادمة الإندونيسية بقصّة الخادمة السريلانكية الخادمة لاهادا توراجي داناريس ارياواتي البالغة من العمر 49 عاما (أم لثلاثة أبناء)، والتي تناوب كفيلها السعودي وزوجته على تعذيبها بـ “دق 24 مسمارا في يديها وساقيها وجبينها”.
كما أنه لم يسمع بقصة قررت الأميرة السعودية هناء الجادر التي اعترفت في محكمة بولاية ماساتشوستس الأمريكية بمعاملة خادمات أندونيسيات لديها كالعبيد عبر إجبارهن على العمل من دون دفع رواتب لهن، واحتجاز وثائق سفرهن. وحكمت المحكمة عليها بالإقامة الجبرية لمدة ستة أشهر في منزلها و دفع مبلغ 206 آلاف دولار إلى خادماتها الثلاث و40 ألف دولار ضريبة للدولة، إضافة إلى السجن سنتين مع وقف التنفيذ وترحيلها من البلاد، لمخالفتها قوانين الهجرة الأميركية بسبب احتجازها وثائق سفر خدمها وإجبارهن على العمل برواتب منخفضة.
كما لم يسمع بمواطنه حميدان التركي الذي حكمت عليه محكمة أمريكية لمدة 28 سنة بعد إدانته بالتحرش الجنسي والسخرة بخادمة اندونيسية، أو باعتقال بنية بنت الملك سعود لضربها مستخدمة أندونيسية قبل 3 أعوام، ولا بالتحقيق مع زوجة وزير الداخلية السعودية نافي عبد العزيز آل سعود، مها السديري، لضربها مستخدمة إريترية خلال وجودهم في منتجع ديزني لاند في ولاية فلوريدا عام 1994.
والأكيد أن الكاتب المثقف لم يقرأ الرسالة المفتوحة التي كتبتها نيشا فاريا، نائبة المدير التنفيذي في قسم حقوق المرأة لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى حكومتي المملكة العربية السعودية واندونيسيا، تلفت فيها انتباههما إلى “الإساءات الجسيمة التي تعرضت لها امرأة إندونيسية تُدعى كيني بينتي كاردا، أثناء عملها كعاملة منازل لصالح المدعو خالد الخريفي وزوجته وفاء في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية في العام الماضي.” وقد عرضت السيدة فاريا توثيقا بالصور للإصابات اللاحقة بالعاملة. وطالبت السلطات السعودية والإندونيسية على حد سواء إلى تنسيق التحقيق في هذه القضية، وملاحقة المسيئين قضائياً بما يتفق والمعايير الدولية، وتقديم التعويض المالي وخدمات المساعدة الواجبة للضحية.
وأكيد أيضا أن الكاتب لم يطلع على تقرير هيومن رايتس ووتش (14 نوفمبر/تشرين الثاني 2007) حول الانتهاكات بحق الخادمات المنزليات السريلانكيات في السعودية والكويت ولبنان والإمارات العربية المتحدة” الذي جاء في 131 صفحة، ويوثق للإساءات الخطيرة التي تواجهها الخادمات المنزليات في كل خطوة من خطوات عملية الهجرة. كما يوضح كيف فشلت الحكومة السريلانكية والحكومات في الشرق الأوسط، في توفير الحماية لهاته النسوة. ويستند التقرير إلى 170 مقابلة مع الخادمات المنزليات والمسئولين الحكوميين ووكلاء التوظيف في سريلانكا والشرق الأوسط.
توجد أكثر من 660 ألف امرأة سريلانكية تعمل بالخارج كخادمات منزليات، و90 في المائة منهن تقريباً متواجدات في لبنان والسعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. والكاتب يعتقد ربما أنّ هؤلاء النسوة يتركن أوطانهنّ وعائلاتهنّ للنزهة والترفيه في بلده وبلدان الشرق الأوسط المتخمة الأخرى. وأنهن يستمتعن بتحرشات الرجال والمراهقين في الأسر اللواتي يعملن لديهن دون كرامة ولا ساعات عمل محددة ولا يوم راحة ناهيك عن إجازات مدفوعة الأجر. ويحتجز أرباب العمل بشكل منهجي جوازات سفر الخادمات المنزليات، ويقومون بتحديد إقامتهن في مقر العمل، وفي الكثير من الحالات يقومون بالحد من اتصالاتهن، حتى بسفاراتهن. كما أنّ بعض أرباب العمل يتحفظون على الأجور لشهور وسنوات. وفي أسوأ الحالات يتسبب هذا المزيج من الممارسات في حصار الخادمات المنزليات وقيامهن بالعمل جبراً. وهو بنظر الكاتب ممارسة روتينية لا تسيء إلى العاملات.
والسيد الشريان لم يسمع لنداء الخادمة كوماري إندونيل، 23 عاماً، خادمة منزلية سابقة في الكويت، التي قالت: “حتى لو خلدت إلى النوم في الثالثة والنصف صباحاً، يجب أن أستيقظ في الخامسة والنصف صباحاً… يجب أن أستمر في العمل حتى الواحدة صباحاً، وأحياناً حتى الثالثة صباحاً… ذات مرة قلت لربة عملي: “أنا بشرية مثلك وأحتاج لساعة راحة”. فقالت لي: “لقد جئت لتعملين، وأنت كحذائي، يجب أن تعملي بلا كلل”.
ولا هو أصغى للخادمة كورمادي التي لم تجرؤ على ذكر اسمها الكامل والتي قالت: “ماتت ابنتي في حادث التسونامي. وليس لدي أبناء غيرها. كانت في الثالثة عشرة من عمرها. وكنت في أبو ظبي حين أصاب التسونامي البلاد…. طلبت من [أصحاب العمل] الذهاب إلى سريلانكا ورفضت السيدة وقالت: إذا كانت طفلتك ماتت فيجب وضعها في قبر… مما يعني أن جثمانها أصبح تحت الأرض، وقالت: لماذا تريدين الذهاب؟ وحين قلت إنني أريد العودة لدياري، قالت لي سيدتي: طفلتك ماتت، لماذا تريدين العودة الآن؟ هل أنت طبيبة؟”
ليس كل السعوديين مثل السيد الشريان. فقد أطلق ناشطون سعوديون مؤخرا حملة إنسانية تستهدف إنهاء المعاملة السيئة للخادمات والسائقين الأجانب في المملكة تحت شعار ‘لا تجردني من إنسانيتي’. ورفعت الحملة، التي استطاعت استقطاب دعم 3000 مشارك، شعار “ارحموا تُرحموا”. وكانت صحيفة ‘واشنطن بوست’ الأمريكية انتقدت المعاملة السيئة ضد الأجانب في السعودية، ونشرت تقريرا في السابع من كانون الأول (ديسمبر) تناولت فيه حملة ‘لا تجردني من إنسانيتي’، وصاحب التقرير صورتان الأولى لإحدى الخادمات الأجنبيات وهي منحنية تحت أقدام ‘سيدتها’ وأمامها إناء أكل الكلاب أو القطط. والثانية لسائق أجنبي مقيد وفي فمه لجام شبيه بلجام الحمير أو الأحصنة وتمسك بنهاية اللجام ‘سيدته’ الجالسة في المقعد الخلفي من السيارة. وجاء في التقرير ‘أن كلا الخادمين يظهران في الصورتين كحيوانات’، وأن الحملة التي أطلقت مؤخرا في السعودية لتسليط الضوء على الممارسات اللاإنسانية ضد المخدومين قد لاقت صدى كبيرا على المستوى الدولي.
غريب أن يكون موقف كاتب ومثقف مرهف مثل الشريان أقل من مستوى الحكومة السعودية التي تعهدت بالتحقيق في قضية الخادمة. فقد تعهّد مسؤولون سعوديون بتحقيق العدالة في قضية الخادمة الاندونيسية التي تعرضت للاعتداء والضرب من قبل أرباب عملها. وقال الدكتور يحيى فاضل وهو عضو بارز في مجلس الشورى السعودي لبي بي سي إن العلاقة بين السعوديين وعمال المنازل الأجانب طبيعية.
ككاتب ليبرالي كان من واجب الشريان أن يساهم بالدفاع عن الخادمة وكافة الخادمات والعمّال الأجانب في بلاده الذين يساهمون في بناء بلده دون شكر أو عرفان. وكنا نتوقع منه أن يطالب بإصدار قانون لمكافحة الاتجار بالأشخاص، أسوة بدول عديدة نحت هذا المنحى.
لقد أجرت الأمم المتحدة منذ عشر سنوات مضت محادثات حول المعايير الدولية المضادة للاتجار بالأشخاص، منذ ذلك الحين قامت دول كثيرة بسن قوانين لحماية ضحايا الاتجار بالبشر، وشهد المجتمع الدولي، منذ ذلك الحين، تقدماً ملموساً في الجهود المبذولة لإنهاء كارثة الاتجار بالأشخاص، وقد تمثل هذا التقدم في حماية المزيد من الضحايا، ونجاح المزيد من حالات الملاحقة القضائية، ومنع وقوع المزيد من حالات هذا الضرب من ضروب انتهاكات حقوق الإنسان.
فإذا كان ثمة دول لا تزال تصر على تجاهل ظاهرة العبودية الجديدة هذه، فإن ذلك شأنها، ولكننا لا نستطيع تقبل تبرير ذلك بتلك الروح غير اللبقة التي تجسدت في مقالة الكاتب السعوديّ.
موقع الآوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى