صفحات سورية

بداية ذوبان الجليد في العلاقات الأميركية – السورية

null
توفيق المديني
بعد قيام أربعة وفود من الكونغرس الأميركي بزيارة دمشق في الأسابيع الأخيرة، التي كان أبرزها زيارة السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، من ضمن جولته في منطقة الشرق الأوسط، التي شملت مصر ولبنان وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، ومن ضمن سياسة الانفتاح الجديدة التي تنتهجها إدارة أوباما الملتزمة بمشروع إقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية لتحقيق السلام في المنطقة، حيث يرتكز هذا الانفتاح بالأساس على توصيات التقريرالشهير الصادرعن لجنة بايكر- هاملتون، التي دفعت في اتجاه إعادة التواصل والحوار مع دمشق وطهران، باعتبار أنهما يمكن أن يشكلا عاملاً مهماً في تحقيق الانفراج في الشرق الأوسط، وعلى ضرورة الاستماع إلى الطرف الآخر، ومعرفة ما لديه، ضمن هذه الظروف الجديدة، جاءت زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان، ومدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي دانيال شابيرو إلى دمشق يوم السبت 7مارس الجاري.
وليس خافيا على أحد أن إدارة أوباما اختارت «الأفضل» من بين الدبلوماسيين الأميركيين المحترفين للتحاور مع دمشق، باعتبار جيفري فيلتمان شخصية معروفة جيدا في المنطقة، إذ كان سفيرا للولايات المتحدة في بيروت على امتداد السنوات العجاف التي عاشها لبنان منذ تفجر الصراع بين دمشق وواشنطن عقب الغزو الأميركي للعراق في مارس سنة 2003، والذي عارضته سورية بعنف، واتخاذ إدارة بوش السابقة لبنان كمنطلق لبدء الهجوم الأميركي المضاد، ولاسيما بعد استصدار مجموعة الإجراءات القانونية والإدارية التي استهدفت سورية، ومنها: القرارات الملزمة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي المتعلقة بدور دمشق في لبنان، وأخصها القرار الشهير في مجلس الأمن 1559 في بداية سبتمبر 2004 ، ومجموعة من العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فرضتها واشنطن على دمشق منذ سنة 2004، إضافة إلى إدراج اسمها على قائمة «محور الشر» حسب تسمية بوش له. وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد سحبت سفيرها من دمشق عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، الذي استتبعته تداعيات خطيرة، لعل أبرزها خروج القوات السورية من لبنان في أبريل سنة 2005، وإنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي للنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ويعتبر اللقاء الرسمي السوري – الأميركي في دمشق أول اجتماع على هذا المستوى بين البلدين منذ أربع سنوات، إذ يعود آخر اتصال بين البلدين إلى يناير 2005 ، عندما زار المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الأميركية حينها ريتشارد آرميتاج دمشق، وأعلن فيلتمان بعد لقائه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في مؤتمر صحافي مع واشنطن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من دمشق، انه لم يقدم للمسؤولين السوريين مطالب عليهم تلبيتها، وإنه تحدث معهم عن بواعث القلق. وأضاف «سورية بإمكانها أن تؤدي دوراً مهماً وبناءً في المنطقة». ورفض الكشف عن مزيد من التفاصيل عن المحادثات، واكتفى بالقول إنها «بناءة» وتناولت عدداً من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية. وتابع «لقد وجدنا كثيرا من النقاط المشتركة اليوم»(السبت). وتابع «لكن في ما يخص إذا كنا نتوقع هذه النتيجة أو تلك من هذا اللقاء خاصة، اعتقد أن هذا الأمر غير واقعي حالياً»، موضحاً أن الاختلافات بين الدولتين «سيتطلب مزيدا من العمل». وأكد على قرار مجلس الأمن 1701 باعتباره مجالاً يمكن للجانبين العمل بشأنه للتغلب على خلافاتهما. (نقلاً عن وكالات الأنباء)
السياسة الأميركية في عهد إدارة بوش قامت على أساس عزل سورية، إقليميا ودوليا، وممارسة شتى الضغوطات عليها، ولاسيما بعد تورط الجيش الأميركي في المستنقع العراقي، وازدياد حدة الصراعات المذهبية في العر اق، وتعزيز النفوذ الإيراني، وتهميش الصراع العربي- الصهيوني. إزاء سياسة العزل هذه لم تقف سورية مكتوفة اليدين، فقد ردّت دمشق بمقاطعة ما تبقى من السفارة الأميركية، وعززت علاقاتها الاستراتيجية مع طهران، ودعمت حركات المقاومة الإسلامية في كل من لبنان وفلسطين، حيث قادت إلى تعزيز نفوذ «حزب الله» في لبنان عقب حرب يوليو 2006، وحركة «حماس» عقب انقلابها على فتح في يونيو 2007، وحرب غزة الأخيرة.
وكان الاعتقاد السائد لدى إدارة بوش أن التعامل مع سورية على أساس أنها جزء من محور الشر، وفرض عقوبات عليها، وعدم التحدث إليها، وممارسة سياسة العزل والضغوطات، باعتبارها عوامل ستجبر السياسة الخارجية السورية على تغيير سلوكها بما يتماثل مع الإملاءات والشروط الأميركية، قد أخفقت تماما، إذ إن هذه السياسة لم تحقق المتغيرات المتوخاة في السلوك فحسب، بل أدت الى «إضعاف التأثير» الأميركي، وليس الحكومة السورية.
وقد تنبه الرئيس أوباما إلى النتائج الكارثية الناجمة عن إخفاق سياسة بوش السابقة في إدارة ومعالجة أزمات الشرق الأوسط، التي قادت إلى وقف هش للعنف في العراق مع خسائر أميركية فادحة، وإلى تعزيز الدور الإقليمي الإيراني، حيث باتت طهران على أبواب تصنيع قنبلة نووية، إضافة إلى تعثر مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل.
أمام هذه التحديات الكبيرة، اختار الرئيس أوباما الذي اعتقد المحللون الغربيون أنه سيركز في أجندته على الأزمة الاقتصادية والمالية الأميركية الداخلية فحسب، مقاربة مختلفة في التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط، ولاسيما فيما يتعلق بالأزمة الأميركية – السورية. ذلك أن الشرق الأوسط يفرض نفسه عالميا، لأن تداعيات ما يحصل فيه تنعكس بالضرورة إيجاباً أو سلباً على باقي أرجاء المعمورة، سواء بسبب العنف البربري الصهيوني على الشعب الفلسطيني أو مساعي إيران لامتلاك السلاح النووي، أو أخيرا التهديد باستخدام سلاح النفط، ذلك أن أمن الطاقة يوازي الأمن القومي الأميركي.
ماذا تريد سورية من الولايات المتحدة الأميركية ؟
في البدء لا بد من التوضيح أن هناك موضوعين لا بد من معالجتهما أو التعامل معهما. الأول، هو أزمة العلاقات الأميركية – السورية، والثاني، ملف السلام السوري- الإسرائيلي. على الرغم من أن الموضوعين مختلفان، فإن السوريين يعتقدون أن قيام علاقات ديبلوماسية طبيعية وكاملة بين أميركا وسورية، تتطلب من إدارة أوباما أن تبذل جهودا جدية لإزالة العوائق من أ مام هذا التطبيع، مثل طمأنة دمشق أن الولايات المتحدة الأميركية مهتمة بتحسين العلاقة، ورعاية مسارالسلام السوري- الإسرائيلي، و ليس بتغيير النظام.
وتتطلب عودة العلاقات الدبلوماسية إلى حالتها الطبيعية، حسب وجهة النظر السورية، إلغاء ما يسمى «قانون محاسبة سورية»، و تعيين سفير أميركي جديد في دمشق، وإزالة العقبات الأميركية التي تمنع شركة أيرباص من تمليك أسطول الطيران السوري طائرات جديدة.
أما فيما يتعلق بملف السلام السوري- الإسرائيلي، فيعتقد السوريون أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، أوصدت باب المفاوضات غير المباشرة بينهم وبين الإسرائيليين.. علماً أن سورية هي التي علّقت هذه المفاوضات لدى بدء الحرب المذكورة، وقبيل اتخاذ قرار رسمي بتحويلها مباشرة. ويفضل السوريون بعدما هدأت الحرب، أن ترعى الولايات المتحدة الأميركية المفاوضات غير المباشرة بينها وبين إسرائيل عن طريق الوسيط التركي، كي تجعلها مفاوضات مباشرة. ففي كل اللقاءات التي كان يجريها المسؤولون الأميركيون مع القيادة السورية، كان السوريون يطالبون دائما بدعم أميركي للحوار السوري مع إسرائيل.
وكان رئيس معهد «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي، ريتشارد هاس، دعا الإدارة الأميركية إلى التقرب من دمشق، على اعتبار أن التوصل الى السلام في المنطقة من دونها أمر «مستحيل». وقال هاس في مقال في مجلة «نيوزويك» الأميركية، «قد يكون من الصعب التوصل إلى سلام مع سورية، إلا أنه من المستحيل التوصل إلى سلام في المنطقة من دونها». ودعا الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى التقرب من دمشق، موضحا «الرئيس أوباما يعتبر الحوار أداة، وقد حان وقت استخدام هذه الأداة، والتطلع الى ما يمكن أن يبنى عليه».
ورأى هاس أنه «قد تكون هناك الآن فرصة للتوصل الى اتفاق سلام بين إسرائيل سورية»، داعيا الولايات المتحدة الى الانخراط في هذه المسألة الى جانب تركيا. وقال إنه خلال زيارة الى دمشق مؤخرا، أكد له «مسؤولون رفيعو المستوى أن سورية مستعدة للتوصل الى اتفاق سلام ثنائي، من دون ربطه بحل القضية الفلسطينية.. كما أن سورية تبدو مستعدة للابتعاد عن إيران.

كاتب من تونس

a

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى