صفحات ثقافية

ندوة في دمشق تُسائل المفاهيم … وتتقصى الدلالات: الفن التشكيلي العربي في عالم متغير

null
دمشق ـ ‘القدس العربي’ ـ من أنور بدر: كثير من المفاهيم التي نتداولها كبديهيات يمكن أن تبدو إشكالية بمعنى ما إذا ما أعدنا النظر فيها وأخضعناها للسؤال مجددا، وكثير من المصطلحات نجد أن دلالاتها قد تغيرت مع مضي الزمن وتغير المعطيات، كما يؤكد الناقد التشكيلي العراقي فاروق يوسف من كتـّاب ‘القدس العربي’ في ندوة ‘الفن العربي في عالم متغير’ والتي نظمتها بداية هذا الشهر غاليري ‘رفيا’ برعاية الدكتورة نجاح العطار نائب السيد رئيس الجمهورية لشؤون الثقافة، والتي تابعنا جلساتها على مدى يومين ضمن القاعة الشامية من المتحف الوطني في دمشق.
وقد انتقل الناقد يوسف من المقدمات السابقة ليُسائل نفسه أو يُسائلنا بصوت مرتفع عن دلالات لفظة العربي التي جاءت بصيغة التعريف في العنوان الرئيسي، فمصطلح الفن العربي يحتمل أحد أمرين: إما أنه إشارة إلى المكان الذي تم إنتاج الفن فيه، أو إلى الشخص الذي أنتجه، لكن المصطلحات المستعملة حالياً لا تؤكد هذا التقسيم ولهذا فالفن العربي مطالب بإنتاج هوية خاصة به. هوية تمتح من عمقها الروحي، مع أنها هوية مفترضة وجاءت من جذور سياسية، بل إنّ الفن نفسه مطالب بإعادة إنتاج هذه الهوية التي نشأت مع نشوء الفكر القومي العربي.
أمّا دعوات التقدّم والتحديث في هذا الإطار فلم تكن تعني أكثر من اتباع الطريق الذي سبقتنا إليه أوروبا، أو بمعنى آخر نقل المدارس والاتجاهات التشكيلية التي ظهرت هناك، وتأثر بها فنانونا الرواد، دون أن ينجحوا باستثناءات قليلة طبعاً في نقل جوهر الحداثة الغربية، وقد عاش هؤلاء الرّواد تناقضاً بين مسؤوليتهم تجاه تأكيد الهويّة العربية للفن الذي يُنتجونه، وبين ثقافتهم الغربية التي نهلوا منها وتأثروا بها، فكانت عيونهم في مكان وأفكارهم في مكان آخر، حسب تعبير المُحاضر.
وأكدّ الباحث نسبيّة كل المفاهيم التي نستخدمها، ففي إسبانيا مثلاً لا توجد ضرورة لاستخدام مُصطلح الفن الإسباني، بينما في مجتمعاتنا التي تعيش في خطر دائم نجد ضرورة التأكيد على مصطلح الفن العربي، دون أن ينجح هذا المصطلح في تأكيد انتمائه إلى المكان العربي بحكم الانتماءات الأصغر التي نعيشها، ولا في تأكيد هويّة المُنتج، بحكم تنوّع المدارس التي اشتغل عليها الفنانون. لذلك تبقى لهذا المصطلح قيمته الروحيّة التي تُلبي طموحات الأمّة، أو هكذا هو مُفترض منها.
مع أنّ استيراد أي بضاعة يقتضي استيراد الروح الكامنة في خلفية إنتاجها، وفي الفن نجد المسألة أكثر إخلاصاً للروح التي خلقت تلك التجارب والمدارس التشكيلية، وعليه نجد أنّ ‘جواد سليم’ من العراق، رغم محاولاته العودة إلى الجذور، إلاّ أنّ الرسم الذي قدّمه ينتمي إلى أوروبا فكراً وتقنية وروحاً، ولم ينتم ِ إلى ‘الواسطي’ على سبيل المثال. لأن جوهر الفن روحي ولا يمكن استيراده، ومن هنا تأتي أهمية إيجاد هوية خاصة بالفن العربي، مضيفا أن العالم يشهد مجموعة كبيرة من الهويات، دون أن ينجح الفن العربي في تأكيد الهويّة الشخصية للفنان المُنتج، فالفن العربي فن خليط من كل المؤثرات التي خضع لها الفنان دون أن ينتمي هذا الفن إلى الشخص الذي أنتجه. وكانت النتيجة التي شكّلت صدمة للكثيرين في بداية هذه الندوة، عندما قال ‘فاروق يوسف’: ‘لا توجد لدينا شخصية على الإطلاق، حتى في الأدب نحن نملك شعراً أو قصة أو رواية، لكننا لا نملك أدباً شخصياً’. وقد استثار استياء المشاركين من مصر عندما قال: ‘إنّ روايات نجيب محفوظ جيدة، لكنه يمكن لأي شخص أن يكتبها، دون أن تعبّر عن هويّة محفوظ بالذات’.
في الواقع إنّ الإشكالية التي أراد الناقد التعبير عنها تنطلق من السؤال: كيف يمكننا أن نحكي عن حياتنا الشخصية وهي مُغيبة؟ وكيف يمكننا اليقين بالمصطلحات ونحن لم نشتغل عليها؟ جوهر المشكلة كما يقول ‘يوسف’: أننا نأخذ البرمجيات والتقنيات دون أن نصل إلى فكر وروح التقنيات التي صنعت هذا التحوّل.
الفن الغربي الآن انتقل إلى مرحلة جديدة، الكثير من المعارض هي معارض رعاية، حيث يتم إنفاق الكثير دون أن تجد مشترياً للأعمال التركيبية أو أعمال الفيديو آرت، وكأنها معارض متحفيّة، وهناك مؤسسات شخصية تنفق الكثير على هذه المعارض من دون مردود، مع أنك تجد لوحة تباع بـ 800 ألف دولار مثلاً، وهذا له علاقة بالمزاج المالي وليس المزاج الثقافي أو تحوّلات الفن. اللعبة تكمن في المساحة التي تقطعها اللوحة في انتقالها من المرسم إلى الغاليري، حيث تحوّل الفن إلى سلعة غير مطلوبة اجتماعياً، لكنه مطلوب في سوق المصارف كما أنشئت له بورصات خاصة.
بالمقابل نحن لا نملك سوقاً للفن، ولم نشتغل عليه. واختتم الباحث محاضرته باستعراض نماذج مُتميّزة لفنانين عرب يعيشون على تماس مع النماذج الغربية، ومع سوق الفن والغاليريات الغربية.
الفنان والناقد المصري عادل السيوي تحدث تحت عنوان ‘المعاصرة .. محاولة للطيران بلا أجنحة’ عن واقع الفن التشكيلي العربي الذي ينحو باتجاه المعاصرة التي عرّفها بأنها ‘الفرصة التاريخية للخروج من أطر التبعية والإقليمية وتجاوز الحدود بالموانع التي جسدتها تجربة الحداثة الغربية، ومن هذا المفهوم تنطلق المعاصرة لتتفاعل مع التجارب المغايرة’، معتبرا من الأساس أن بعض الأفكار تنظر إلى المعاصرة العربية باعتبارها خطوة تكميلية تضاف إلى سابق عمليات التوطين المختل لتجربتي الكلاسيكية والحداثة كجزء من المشروع الغربي، لذلك رأيناه يستعرض أهم مفاهيم المعاصرة الغربية، ولا سيما تراجع السرديات الكبرى وتصدع الحدود بين الفنون وتحولات الأساليب وتعاظم دور التقنيات، ثم استعرض آراء بعض الفنانين في المعاصرة مثل الأمريكي بيل فيولا والياباني أون كاواوا والأمريكي جوناثان هوريتش، وزحمة شديدة من العناوين التي لم تشبع دراسة أو تحليلا، كما تطرق السيوي إلى ما يعيشه الفن العالمي من مظاهر طغيان العروض الكبرى على المعارض الفردية، وتصدع الحدود بين أنواع الإبداع، وضمور المرجعيات الفنية مقابل ظهور المرجعيات الفردية، إضافة إلى تعاظم دور التقنيات في إنتاج وتصور العمل الفني، ليخلص في النهاية إلى مقاربتين حول أوضاعنا المحلية المعاصرة: الأولى تقول بهشاشة الحالة الثقافية في ظل نمو التيارات السلفية وتوسيع دائرة التحريم والتكفير، إلى جانب العوائق الموروثة وضعف السوق وغياب المؤسسات المتخصصة وقوة الرقابة بأنواعها، وبالتالي نحن لسنا معاصرين بدرجة كافية وما زلنا تابعين لما يُنتج في الخارج. والثانية تعتقد أن المعاصرة بإيقاعاتها السريعة منحتنا مساحات للحركة والأمل حسب تعبير المحاضر، وساعدتنا على التخلص من معوقات كثيرة، لكننا بالمقابل مطالبون بجهد حقيقي لفرز النسخ عن الإبداع، والفاعلية الموجبة عن الضجيج الفارغ.
الناقد السوري ‘سعد القاسم’ وهو مدير قناة سورية دراما منذ مطلع هذا العام، بدأ أيضاً بمُساءلة عنوان الندوة ‘الفن العربي في عالم مُتغيّر’، ولكن في شقه الثاني: ما الذي تغيّر في عالمنا اليوم؟ انطلاقاً من مثال حول اهتمامات زائر فرنسا مثلاً، والتي كانت تتلخص لعقود مضت بمشاهدات تتعلق بمتحف ‘اللوفر’، ‘برج إيفل’… وسوى ذلك من معالم باريس الحضارية والثقافية. أمّا زائر اليوم فيعود من فرنسا بانطباعات عن مدينة ‘ديزني لاند’ التي أصبحت أكثر جذباً لزوار باريس من كل المعالم التاريخية والثقافية التي تحفل بها المدينة، رابطاً ذلك بنوع من العولمة الثقافية التي بدأت تسحب البساط من تحت ثقافات الشعوب هنا وهناك مما دعا ‘اليونسكو’ إلى إطلاق تحذير بضرورة الحفاظ على التنوّع الثقافي والحضاري الذي يتعرّض لتدمير قسري، من حضارات شعوب أمريكا القديمة وصولاً إلى سرقة آثار ومتاحف بغداد.
أمّا عن تاريخ الفن العربي الحديث والذي لا يُمكن تأريخه قبل أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إذ يربط ‘القاسم’ بين بدايات تشكّل الشخصية الثقافية العربية مع تفكك الدولة العثمانية، وظهور الهويّات القومية والثقافية في إطار من الحداثة الغربية التي تأثرنا بها، ونلحظ تأثير فنانينا الرّواد بشكل خاص عن طريق الاحتكاك المباشر بالفنانين الغربيين وعن طريق الدراسة في أوروبا أو السفر، وظهور المدارس الواقعية والانطباعية والتعبيرية التي أثارت أسئلة الهوية والمعاصرة، التراث والحداثة، والعلاقة بين الشكل والمضمون.
كذلك تحدّث الناقد عن الصراع بين الاتجاهات التأصيلية التي استلهمت تراث المنطقة المسيحي والإسلامي وصولاً إلى الاتجاهات التراثية التي اشتغلت على الخط والزخرفة وبين الحداثة التي تأثرت بالاتجاهات التجريدية وما بعد التجريد التي ظهرت في الغرب، وعلاقة كل ذلك بالتحوّلات الاجتماعية والاقتصادية في بلادنا والتي أدّت إلى تراجع الاهتمام الرسمي بالفن التشكيلي، وعزوف شرائح اجتماعية واسعة عن الاهتمامات الثقافية والفنية، مقابل ظهور طبقة اجتماعية جديدة تهتم باقتناء الأعمال الفنية كنوع من الادخار وكوسيلة للتباهي الاجتماعي، ممّا أدّى إلى طغيان العامل الاقتصادي على العامل الثقافي في تقييم العمل الفني، وأصبحنا نشهد صالات وغاليريات تعمل على رفع أسعار اللوحات، وهذا كلّه أدّى إلى اتساع الفجوة بين الفن التشكيلي وبين الجمهور، بالتزامن مع انعدام الثقافة الفنية وتراجع النقد التشكيلي، مؤكداً أنّ هذه الظاهرة ليست محلية فقط، بقدر ما هي عربية وعالمية أيضاً.
الناقد المغربي محمد بن حمودة تحدث عن إشكالية الفن العربي من خلال مفهوم الساحة العامة، ليقول أن الفن بهذا المعنى جديد على مجتمعاتنا وعلى ثقافتنا أيضا، تلك المجتمعات التي ارتبطت بثقافة شعرية يتكون من خلالها ومن خلال اللغة تحديدا كل المخيال الفني والجمالي، أما المنحوتات الفنية التي تعرض في الساحات العامة وتؤدي وظيفة جمالية وحضارية فنحن لم نعرفها. ومن هنا ينتقل بن حمودة للحديث عن خصوصية الهوية، داعيا للانطلاق من المحلية باتجاه العالمية، فمن دون هذه المحلية سيصعب على الآخر تقبل منجزنا الفني، والتفاعل معه أيضا. وهي السمة البارزة في الحركة الفنية العالمية مؤخرا.
الناقد والفنان التونسي الدكتور موليم العروسي انطلق من أطروحة مقاربة تؤكد أن الفن التشكيلي حديث في مجتمعاتنا ولا جذور عربية له، لأننا لم نعرف العمل الفني الذي يحمل توقيعا إلا في فترة متأخرة، ارتبطت بظهور تيارات فلسفية واجتماعية جديدة، ما قبل ذلك كانت توجد صنعة وتقنية، لكنها تختلف عن الإبداع الذي ارتبط بالفردية عموما، وأظهر الناقد بالمقابل نوعا من التفاؤل بظاهرة الغاليريات ودور المزادات الفنية التي أخذت تنتشر مؤخرا في مجتمعاتنا العربية، مع أن هذه الظاهرة أسهمت بتكريس أسماء وأساليب عمل معينة دون سواها.
تحت عنوان لمحة عن تاريخ الفن السوري قدم الدكتور إحسان عنتابي من خلال فيلم وثائقي قام بتصويره منتصف السبعينيات مجموعة صور وسلايدات عن الآثار والأعمال الفنية والتجارب المعاصرة في العديد من المدن السورية، مكتشفا من خلال هذا العمل الخطوط الأساسية للعلاقة بين العمل الفني أو المنتج الإنساني كنص أدبي أو موسيقي أو كعمل فني في مجالات الصورة وفنون العمارة أيضا، وبين البيئة الطبيعية التي وجد هذا الفن في إطارها، مبينا العلاقة بين العمارة والأزياء مثلا أو خطوط الملابس، ووحدة الفكر في كل نموذج درسه، ومكتشفا تراشحات وعلاقات منتقلة من الطبيعة إلى العمل الفني وإلى الإنتاج الإنساني الحرفي والمعماري في سورية، كالعلاقة بين النحت القديم في سورية وفن العمارة في منطقة الفرات مثلا، أو العلاقة بين الأرابيسك في معبد بل في تدمر وبين ما هو موجود في متحف حلب، كما أشار إلى نسبة الضوء والظل في نواعير حماة والموزاييك في الجامع الأموي.
فيما اكتفى الدكتور الياس زيات باستعراض مقتضب لمرحلة الرواد الداعين في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم إلى الحداثة الفنية باعتباره أحد شهود العيان والمشاركين في تلك المرحلة، وكيف تحولت بعض التجمعات الفنية في أربعينيات القرن المنصرم خلال عقد ونيف إلى أندية في المدن السورية الكبرى كدمشق وحلب تضم طيفا واسعا من الاتجاهات الفنية ومن العاملين في الرسم والفوتوغراف والموسيقى. كما تحدث عن أسماء لعبت دورا في مخاضات الحركة التشكيلية السورية كميشيل كرشة ومحمود جلال ونصير شورى وناظم الجعفري وآخرين. أما حركة التجديد في الستينيات فضمت كلا من محمود حماد، لؤي كيالي، الأخوين إسماعيل، فاتح المدرس، وبرهان كركوتلي.
ونقل الزيات عن نزيه خاطر: أن أهمية هؤلاء الرواد نابعة من هيمنتهم على التقنيات المتبعة، حتى أنه يُخيل إلى المتابع أنهم يكتبون بعفوية.
حاول يوسف عبدلكي أن يتابع ما بدأه الزيات، مع تأكيده أن تقسيم المشهد الفني إلى أجيال فيه تعسف، ويقترح تقسيما آخر ينطلق من نوعية المهام ونوعية الإنجازات التي حققها كل منهم، فالخمسينيات برأيه هي مرحلة تملك التقنية وتحديدا تقنية لوحة الحامل، فلوحة الحامل جاءتنا من الغرب ولا علاقة لها بالموروث الفني لمنطقتنا، بينما في الستينيات تميزت أسماء نذير نبعة ومحمود حماد وآخرين من ذوي الإبداعات الشخصية، والعالم الثالث يبحث عموما عن نفسه لموضوع، بينما الفنانون يبحثون عن هوية، فحماد اشتغل على الحرف، فيما اهتم نبعة بالزخرفة، وأيقظ الياس زيات جذوره الصوفية المسيحية .. أي أن جيل الستينيات اشتغل على مفاهيم تأسيسية.
بينما جيل السبعينيات برأي عبدلكي فيه شيء من انكسار الأوهام السابقة، أوهام الأنظمة القادرة على صنع الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية، في السبعينيات أصبحت الأنظمة على درجة من العري أمام شعوبها، لذلك اشتغل الفنانون على قضايا اجتماعية نقدية. ففي أعمال رضى حسحس شيء من التزاوج بين البوب آرت الغربي مع نبضه الساخر الاجتماعي النقدي، كذلك نذير إسماعيل وسعد يكن وآخرون، مؤكداً أن جميع الفنانين في سورية ولبنان ومصر كانوا يعالجون جميع المشكلات الاجتماعية من خلال روح نقدية وساخرة وذات طابع اجتماعي واضح.
وأضاف عبدلكي أن وضع الخارطة التشكيلية الحالية في سورية معقد ويخضع لحركية تعيق تحديد متلمسات لها، لأننا نعيش في العقدين الأخيرين في عالم سريع التحول بعد نصف قرن من الثبات تقريبا، لذلك نحن نعيش حالة انعدام الوزن على المستوى الثقافي والتشكيلي، ومطلوب من الفنانين اليوم الإجابة على أسئلة أكثر صعوبة من الأسئلة التي واجهت سابقيهم الذين كانوا يبنون على مرتكزات أيديولوجية، فهذا الشيء غير موجود الآن، إضافة إلى ازدياد نبرة السوق على المستوى المحلي، والتي أصبحت تتحكم بتقييم اللوحة أكثر من السابق.
وحول ظاهرة عزوف بعض الفنانين العرب والسوريين خلال الـ 10 أو الـ 15 سنة الأخيرة عن لوحة الحامل لصالح أشكال فنية جديدة يعتبرها الباحث بلا مستقبل، فهذه الصيغ الفنية ما زالت على المستوى الجماعي حتى في أوروبا نخبوية ومعزولة. وما نشهده من تجارب عربية بهذا الصدد ليست أكثر من أصداء لما يجري في الغرب، ومع أن التراث الأوروبي يبقى واحدا من مصادر إلهام الفنان اليوم، إلا أنه ليس المصدر الوحيد، وكما أخذ الفنان الغربي عن الحضارة العربية وفن الزخرفة، علينا أن نستفيد من تجاربهم لنشق طريقنا نحن.
المحور الأخير من الندوة جاء بعنوان ‘الفن السوري اليوم’، توقف فيه الناقد المغربي بن حمودة مع تجربة فاتح المدرس ومقتطفات من حواره مع أدونيس، هذا الحوار الذي وثقته في كتاب خاص صالة (أتاسي) التي نظّمت الحوار، وكان في خيار بن حمودة هذا دلالة بليغة بحكم الدور الملهم الذي لعبه المدرس بالنسبة لعدد مؤثر من الفنانين التشكيليين الذين يشكلون المشهد التشكيلي السوري اليوم.
بينما فجّر الفنان السوري ناصر حسين ما يشبه القنبلة حين أكد: اننا جيل بلا آباء، فجيل الرواد في سورية لم نتعرف عليه نحن ولم نتعرف حتى على إنتاجه. فدور الرواد بالتالي في بلدنا ليس رياديا على الإطلاق، وليس لدينا أرشيف لأعمال الرواد. ولا متحف للفن المعاصر. هذه القطيعة دفعت بنا إلى البحث عن آباء جدد استوردناهم غالبا من أوروبا، ومما عمق هذه الإشكالية كلية الفنون الجميلة في دمشق، حيث لا يدرس الطلاب فيها شيئا عن جيل الرواد، إضافة لتخلف آليات التدريس فيها. وقد قمت بإحصائية لكلية الفنون التي تضم 53 فناناً بين مدرس وأستاذ ودكتور، وسألت الطلاب: كم يعرفون من إنتاج هؤلاء الأساتذة؟ وفوجئت بالنتيجة، بل قيل لي أن بعض الأساتذة ليس لديهم إنتاج أصلا!
وفي إحصائية بسيطة تبين لي أنه منذ عام 1990 وحتى الآن تخرج من كلية الفنون الجميلة باستثناء قسم العمارة 1972 فنانا، لم أشهد لأغلبيتهم أي مشاركة فنية منذ عامين، حتى في المعرض السنوي لفناني سورية، وفي أحيان كثيرة أتابع معارض لفنانين لا أعرفهم، والسبب غياب النقد لدينا. وبالتالي غياب معرفتنا بالمشهد التشكيلي المحلي أو العالمي، والذي يتيح كثيرا من عمليات السطو. ولتأكيد هذه النتيجة استعرض الحسين أمامنا مجموعة من الصور المزدوجة، في كل منها لوحة لفنان عربي يقابلها النموذج الأصل لفنان غربي، من ألمانيا إلى الدول التي انشقت عن الا
تحاد السوفييتي السابق، وسوى ذلك من دول العالم.
القدس العربي
الآن هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى