صفحات الناس

واقع التعليم في البلدان العربية سوريا نموذجا

null
ميشال شماس
بينما كنت ماراً أمام مدرج جامعة دمشق، باتجاه القصر العدلي في شارع النصر، رأيت مجموعة من الكتب والمجلات القديمة معروضة على الرصيف للبيع بثمن معقول، فلفتت نظري مجلة نيوزويك الأمريكية  العدد 17 لعام 2007 الصادرة باللغة العربية، وقد كتب على غلافها: أفضل خمسين جامعة في العالم، فاشتريت المجلة من باب الفضول علني أجد أسم إحدى الجامعات العربية في القائمة، إلا أن ظني قد خاب، فلم أجد أي اسم لجامعة عربية في تلك القائمة التي تروج لها المجلة الأميركية من خلال الملحق الإعلاني المرفق والذي يحتوي ثلاثين صفحة، فمن العشر جامعات الأوائل احتلت الولايات المتحدة المراتب الثمانية الأولى، تلتها جامعتان بريطانيتان، أما الأربعون جامعة الباقية، فتبين أنّ اثنتين وعشرين منها تعود للولايات المتحدة الأمريكية تلتها بريطانيا وسويسرا ولكل منهما خمس جامعات، وثلاث جامعات كندية، وجامعتان لكل من اليابان واستراليا، واحدة سنغافورية وقد كتبت صحيفة الأيام السودانية  في دراسة نشرتها بعنوان ” قراءة في واقع التعليم العالي .. هل يعمل لإعداد قادة المستقبل؟ ” ملحق إعلاني من ثلاثين ورقة مرفق مع مجلة نيوزويك عدد 17 يوليو 2007م الصادرة باللغة العربية أصابني بالحزن على واقع التعليم العالي في بلادنا. فالملحق يروج لأفضل 50 جامعة في العالم ورغم أن الملحق يسوّق لبرامج الجامعات باتجاه أن يدفع الطلاب للالتحاق بها مقابل رسوم، إلا أن روح الدعابة لم تستطع أن تخفي روح الاحتفاء بالعلم والعلماء، باعتبار العلم هو الطريق الوحيد للتحديث وتحقيق التنمية البشرية المادية للمجتمعات، وإذا كنا الآن نتطلع لتحقيق الديمقراطية والتنمية والسلام، فهل يستطيع التعليم العالي بواقعه الحالي أن يؤهل الكوادر العلمية التي تمثل مفتاح الوصول لتلك الأهداف، أم نحن بحاجة لوقفة لوضع معالجة جذرية لوضع التعليم بما يفسح أمامه المجال للقيام بدوره الرائد؟” وكانت المجلة المذكورة قد تحدثت في سياق تلك الدراسة عن التقرير الذي سبق أن أعده وزير التعليم السوداني السابق الدكتور عبد الوهاب عبد الرحيم  عن وضع التعليم الجامعي في السودان، وذكرت المجلة أنه قد تمت إقالة الوزير من منصبه بسبب التقرير، الذي صادرته الأجهزة الأمنية منعاً لأن يقف الرأي العام على حقيقة أوضاع الجامعات الجديدة في السودان. وأضافت المجلة: “وغنيّ عن القول إن واقع الجامعات بعد مرور أكثر من عشر سنوات من إعداد ذلك التقرير لم يختلف إن لم نقل انه مضى للأسوأ “(1).
وهذا هو الحال في معظم البلدان العربية، فالمتتبع  لواقع التعليم العربي، يجد أنه لا يبشر بالخير إطلاقاً، نظراً لأنه مازال بكل أسف لا يلقى الاهتمام الكافي والعناية المطلوبة ليس من قبل الحكومات وحسب، بل  وحتى من الأهالي، وهو آخذ في التدهور، وتزايد عدد الأميين يدل على ذلك، فقد وصل عدد الأميين في البلدان العربية عام 1999 إلى حوالي 68 مليون شخص وفق تقديرات منظمة اليونسكو، وهذا الرقم يمثل 40% من مجموع السكان الذين تتجاوز أعمارهم 15عاماً، وتمثل الإناث أكثر من نصف الأميين.وهذا ما أشار إليه بوضوح تقرير التنمية البشرية العربية الصادر عام 2003 حين أكد : “أن المشكلة في التعليم العربي تبدأ  قبل المدرسة، فهي تبدأ من الأسرة حيث تغلب أساليب تربوية تكرس الهيمنة الأبوية والخضوع، كما تتسم هذه الأساليب بحمائية  مبالغ فيها، وفي كلتا الحالتين يتعود الطفل على فقدان أي دافع للمبادرة الذاتية و الثقة بالنفس، أو أيّ دافع للاتصال بالآخرين وتكوين تصورات وآراء مستقلة والبحث عن حلول مبتكرة للمشكلات التي سيواجهها في حياته اللاحقة، كذلك فإن المدرسة لا تساعد الطفل على التخلص من التأثيرات السلبية للتربية العائلية السابقة، بل على العكس فهي تكرس الانضباط والتبعية والخضوع ولا تساعد على التفكير النقدي التحليلي الحرّ”(2).
فالنظام التعليمي في البلدان العربية يعاني أساساً من مشكلات كبيرة، يأتي في مقدمتها تضاعف عدد الطلاب، نتيجة الزيادة السكانية المرتفعة التي تصل إلى 3.5%  سنوياً، في حين أن المعدل العالمي لا يتعدى 1.6% سنويا  ونتيجة لتلك الزيادة المرتفعة انخفضت الموارد المالية المخصصة للتعليم، وتفشت البطالة بين المتعلمين، كما تدهورت أجور معظمهم، وقد بينت دراسة: ” أن نسبة الأميين في البلدان العربية  بين البالغين 48%/، وعددهم سبعون مليوناً، ومعظمهم من النساء، وهو معدل أعلى من متوسط البلدان النامية، وأن نسبة الاستيعاب في التعليم قبل المستوى الأول، هي أقل من متوسط البلدان النامية. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن نصيب الفرد في سن التعليم في الدول العربية من الإنفاق على التعليم لا يتجاوز 340 دولار، في حين أن الإنفاق في البلدان المصنعة يصل إلى      6500دولارا. وخلصت الدراسة إلى أن التعليم في البلدان العربية تميز في السنوات العشرين الأخيرة  بتدني التحصيل المعرفي- وضعف القدرات التحليلية – وضعف القدرات الابتكارية، في جميع مراحل التعليم  وأشارت الدراسة أيضاً إلى تدني نصيب العرب من الإنفاق على البحث والتطوير في العالم عام 1994 إلى 0.4%/ من إجمالي الإنفاق العالمي، وهي نسبة أقل من عشر نصيب العرب من سكان العالم.  يوازي الإنفاق العربي على البحث والتطوير (0.2%) من الناتج الإجمالي، في حين أن هذه النسبة في البلدان المتقدمة تصل إلى (2-3%) من الناتج الإجمالي.ورغم أن هذه المؤشرات تدل على فجوة علمية كبيرة بين العرب والبلدان المتقدمة، إلا أن الحجم الحقيقي لهذه الفجوة هو أكبر بكثير مما تدل عليه هذه المؤشرات”(3).
وتشير دراسة أخرى نشرتها المجلة المغربية على موقعها الإلكتروني إلى: “إن مجموع ما تنفقه البلاد العربية على البحث العلمي يبقى هامشيا ويقل كثيرا في أحسن حالاته عن 0.5 % من الناتج القومي الإجمالي في حين يخصص بعض الدول المتقدمة أكثر من 6 % من ناتجها القومي الإجمالي لإجراء البحوث العلمية. أما الدراسات التي يعدها طلبة الدراسات العليا في جامعتنا ونسميها، تجاوزا، بحوثا، فهي في معظمها مجرد تمارين نظرية تبقى رهينة رفوف المكتبة ولا علاقة لها بما يجري في قطاعات الإنتاج من قريب أو بعيد. إن مجموع ما أنفقته الأقطار العربية على البحث العلمي عام 1996 لم يتجاوز 782 مليون دولار أو 0.14 % من الناتج القومي الإجمالي. وتأتي الأقطار العربية في آخر قائمة الدول في الإنفاق على البحث العلمي، حتى بعد مجموعة الدول الإفريقية ما وراء الصحراء التي تعد مواردها فقيرة جدا إذا ما قورنت ب “غنىّ” الدول العربية (3).
فالنظام التعليمي في غالبية الدول العربية مازال نظاماً متواضعاً  يعتمد أساسا على الحفظ والتلقين، فثقافة التعليم عندنا تقوم على سلطوية المعلم أو الأستاذ الذي يلقي ويلقن، وسلبية التلميذ الذي يتلقى ويدوّن. وهذه ثقافة لا تشجّع الطالب على التساؤل والتفكير، ولا تمكنه من الإبداع والابتكار والاختراع، وقد أنتج هذا النظام ومازال ينتج مجموعة من الأفراد الذين لا يمتلكون القدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، بقدر ما ينتظرون من يُشير إليهم به ويوجههم نحوه، وسيكون شاذا عن الجماعة من يحمل في داخله بذرة الشقاوة المعرفية، والتمسك بثقافة السؤال والشك والنقد، وهم بطبيعة الحال قلة نظرا إلى أن  الأنظمة في البلدان العربية وطبيعة المجتمع العربي لا يدعمون مثل هذه الثقافة، بل يعملون على قمعها وتهذيبها منذ الصغر في نفوس أبنائهم. ولم تكتف الأنظمة العربية بذلك بل عمدت إلى نشر مجموعة من الأفكار والمفاهيم ذات الطابع الأيديولوجي إلى المنهاج التعليميّ، وهكذا أصبحت مقولات الحاكم وتصرفاته وتاريخه هي محور العملية التعليمية والتربوية، فتضاءل الاهتمام بالعلوم والفنون الإبداعية على حساب ما اعتبر من قبل أصحاب القرار مصالح وأولويات قومية ووطنية، وأصبح الشخص الفائق هو الشخص الأكثر ولاء للحكم القائم وليس الأكثر تميزا في استيعاب المنهج العلمي.بينما استطاعت دول  مثل كوريا الجنوبية أن تتحول إلى نمر آسيوي، فتمكنت خلال عشرين عاما من تسجيل أكثر 16380 براءة اختراع في المجال الصناعي والتقني فقط،أما البلدان العربية مجتمعة، فلم تسجّل سوى 170 براءة اختراع،  بينما تضجّ  بعلماء الدين وخرّيجي المدارس والكليات الشرعية والشعراء والمغنين والراقصات، وللعلم فقط فإنّ الكليات والمدارس الشرعية المنتشرة مثل الفطر في غالبية الدول العربية تخرج سنوياً عشرات الآلاف من الطلاب غير المنتجين الذين سوف يعيشون عالة على المجتمع، فمجتمعاتنا ليست بحاجة إلى جامعات ومدارس تخرج الملالي وخطباء الجوامع والكنائس، بل هي بحاجة ماسة إلى جامعات ومؤسسات تعليمية مستقلة، يديرها علماء وأساتذة قادرون على خلق عقول حرّة منفتحة تستطيع الابتكار والإبداع واستخدام تكنولوجيا العصر وثورة المعلومات والاتصالات، وبدون ذلك سنبقى نعيش على هامش هذا العالم ننتظر ما يأتيناً من الخارج.وسنبقى في أسفل قائمة الأمم المنغلقة والمنكفئة على ذاتها.
والنظام التعليمي في سورية، لا يختلف عن النظم التعليمية في البلدان العربية في تخلفها وتراجعها، وإذا كانت سورية قد أقرت مبدأ إلزامية التعليم ومجانيته في مختلف الدساتير المتعاقبة وحتى الدستور النافذ حاليا الذي أكد أن  التعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله وإلزامي في مرحلته الابتدائية وتعمل الدولة على مدّ الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم وتوجهه بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج(5).  إلا أنه ومع مضيّ أكثر من أربعين عاماً على ذلك، ورغم إضفاء صفة الإلزام حتى مرحلة التعليم الأساسي في السنوات الأخيرة، إلا أننا مع الأسف  مازلنا نلاحظ وجود خلل كبير في تطبيق ما نصّ عليه الدستور السوري لجهة إلزامية التعليم ومجانيته، وتراجع كبير في مستوى العملية التربوية والتعليمية، ويمكننا أن نشير باختصار إلى أبرز مظاهر هذا الخلل:
– التزايد السكاني الكبير الذي  يقارب 3.5% سنوياً وفشل الحكومات المتعاقبة في الحدّ من هذا التزايد الذي يعتبر الأعلى في العالم، ولا زلت أذكر هنا عندما كنت في المدرسة الإعدادية عام 1976 كانوا يدرسوننا في كتب الجغرافيا والتاريخ، أنّ عدد سكان سورية خمسة ملايين نسمة، وكذلك جمهورية تونس وكوبا، والآن بعد مرور ثلاثة وثلاثين عاماً  فقد تضاعف عدد سكان سورية  ثلاث مرات ليصبح عشرين مليون نسمة، بينما لم يتضاعف عدد سكان كل من تونس وكوبا  خلال نفس الفترة إلا مرة واحدة ليصبح حوالي 11 مليون نسمة.  هذه الزيادات المتواصلة وبنسب عالية في عدد السكان، قد انعكس سلباً على ازدياد الأمية بشكل كبير بين الأحداث خاصة الفقراء منهم، وعدم قدرة الحكومة على محوها بشكل فعَّال وشامل، رغم  الجهود المبذولة والأموال التي أنفقت في هذا المجال. ولا بد هنا من إصدار تشريعات صارمة تحد من التكاثر وتعاقب بشدة على مخالفتها.
– عزوف نسبة كبيرة من الطلاب عن متابعة التعليم خاصة في مرحلة التعليم الأساسي الإلزامية وانخراطهم في سوق العمل لتأمين لقمة العيش، وهذا الأمر يتطلب إصدار تشريعات جديدة تشدد في معاقبة من يساهم في عملية تسرب الطلاب. ويكفي أن نشير هنا إلى أن التقرير الوطني للتنمية البشرية  أوضح  في العام 2002 أن أكبر نسبة من إفراد القوة العاملة هم من حملة الشهادة الابتدائية وما دونها، وأشار التقرير أيضاً إلى ضآلة الفرق بين دخل من يحمل الشهادة الجامعية فأكثر ودخل من يقرأ ويكتب، وهذا الأمر لا يشجع كثيراً على التعليم، كما يشكل الانخفاض النسبي لدخل حملة الشهادة الثانوية الفنية مشكلة حقيقية لأنه يحدّ من إقبال الطلاب على الالتحاق بالمدارس الفنية(6).
– ضعف مواكبة كثير من مناهج التعليم لتطورات العصر وتقنياته، وتخلّفها عن مجاراة التطورات التي يشهدها التعليم على المستوى العالمي ومتابعتها بانتباه واهتمام، مما زاد في اتساع الهوة بين التعليم في سورية والتعليم في العالم المعاصر.
– اختلاف في تطبيق الأساليب التربوية والتعليمية بين التعليم العام والخاص وحتى بين مدرسة وأخرى، إضافة إلى ضعف مستوى عدد كبير من المعلمين، إذْ أن أصحاب النسب الضعيفة من حملة الثانوية العامة، هم الذين يتوجهون نحو كليات التربية وإعداد المعلمين، وهؤلاء من نتاج النظام التعليمي السائد القائم على التلقين للاستظهار بدلاً من التعليم للتفكير والإبداع، وهم يمارسون بعد التخرج هذا النظام على الطلاب، حين يلتحقون بمؤسسات التعليم المختلفة.
– اعتماد مناهج التعليم على النمطية والاقتصار على المواد التقليدية ” رياضيات، علوم، لغات..الخ” بينما متطلبات العلوم الحديثة  تطرح المداخل المتعددة للمواضيع الهامة التي تتطلب اهتماماً خاصاً لتضمينها في المناهج الدراسية: كالتقانة والمعلوماتية والحاسوب والإلكترونيات، التربية الوطنية، وحدة المجتمعات وسلامتها واستقرارها،البيئة والتلوث وتدهور الموارد الطبيعية، التربية السكانية،  الصحة والجنس والأمراض المصاحبة ” مثال الإيدز”، المخدرات والوقاية منها عن طريق التوعية.
–  ضعف المتطلبات الأساسية لإنجاح العملية التربوية، سواءً تعلق ذلك بالمباني أو التجهيزات الفصلية والمعملية،أو بضعف القدرات الإدارية من مديرين وموجهين  والنزعة التسلطية في أساليب الإدارة القائمة على المحسوبيات، أو بفرص التعبير الحرّ عن الآراء، يضاف إلى ذلك  المركزية الشديدة في الإدارة، مما يؤثّرً سلبياً على العملية التعليمية، ويحدّ من حرية المبادرة والتصرف والتفكير في استنباط الحلول للمشكلات القائمة على مستوى الإدارات التعليمية، وعلى المؤسسة التعليمية في المدارس وهيئات التدريس وفي المعاهد والكليات أيضاً.
ضعف تقويم النظام التربوي للتعرف على كفاءة أدائه ومدى فعاليته ونجاحه في تحقيق أهدافه إضافة إلى اتخاذ قرارات كبيرة  دون أية دراسة كما في القرار القاضي بتحويل حوالي 70% من الطلاب الحاصلين على شهادة التعليم الإعدادية إلى الدراسة الفنية إجبارياً  مما يؤثر عكساً على التخصصات الفنية.
– عدم توفر الجو الديمقراطي بما يفسح المجال للهيئة التعليمية والطلاب بالمشاركة في صنع القرار التربوي المستقل، وذلك نتيجة خضوع المؤسسات التعليمية للهيمنة الحزبية وذلك من خلال منظمة الطلائع والشبيبة والاتحاد الوطني لطلبة سورية والتي تهمين على الطلاب ابتداء من المرحلة الابتدائية مروراً بمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي وانتهاءً بالمرحلة الجامعية.
– سياسة الاستيعاب الجامعي، وطريقة إجبار معظم الطلاب على دراسة الفروع التي لا يرغبون فيها  باتباع ما يسمى طريقة المفاضلة، كما إن منح بعض الطلاب امتيازات معينة لأسباب حزبية وسياسية  قد انعكس سلباً على العملية التربوية والتعليمية، وعلى عطاء الطلاب وفشلهم في متابعة التحصيل العلمي.
–  ازدياد نسبة الطلاب الذين يتبعون دورات خصوصية، وهذا دليل على أن مؤسسة التعليم بشقيها الرسمي والخاص لا تقوم بدورها بالشكل المطلوب. فأي مصير ينتظر طلابنا إذا كان المعلم الموكلة إليه مهمة تعليم أولادنا، ينتظر بفارغ الصبر انتهاء فترة دوامه في المدرسة ليبدأ عملاً آخر لتأمين لقمة العيش، وكثير من المدرسين وخريجي الجامعات تراهم يعملون سائقي أجرة، أو محاسبين في سوق الهال، أو حراسا ليليين، وسعيد الحظ ذلك الذي يحصل على فرصة عمل خارج البلاد.. الخ.
–   صحيح أن قطاع التربية والتعليم توسع توسعاً كبيراً أواخر القرن الماضي، إلا أن هذا التوسع كان كمياً على حساب النوع، ورغم أنه في السنوات الأخيرة نشأت الكثير من الجامعات الخاصة، إلا أنها بقيت بعيدة عن متناول غالبية الطلاب بسبب ارتفاع رسوم التسجيل فيها التي تصل في حدها الأدنى إلى عشرة آلاف دولار، بينما متوسط دخل الفرد السنوي في سوريا لا يتعدى 2000$  يضاف إلى ذلك أن  قطاع التعليم في بلادنا مازال يعتمد  التلقين والحفظ على حساب المفهوم التعليمي التفاعلي والتواصلي  بين المعلم وطلابه، وهذا أدّى بدوره إلى انخفاض وتدني في مستوى الكفاءات خاصة في مجال التعليم المهني والتقني. فبعد أن كانت بلادنا تصدر الملاكات التعليمية في الستينات وحتى أوائل الثمانينات من القرن الماضي إلى الدول العربية، أصبحنا بدلاً من ذلك نصدر يدا عاملة أمية متخلفة تعمل في مجال الأعمال العضلية التي لا تحتاج أيّ تفكير:” القمامة والزراعة وأعمال البناء والحراسة والعمل في محطات الوقود والأفران..الخ”.
إن العصر الذي نعيش هو عصر المعرفة القائم على الاستثمار المكثف لرأس المال البشري الذي يشكل التعليم محور عملية بناء قدراته(7). وإذا كان الفكر هو المحرك الفعلي لحركة المجتمعات الإنسانية والمحدد لاتجاهات تطورها المستقبلية، فإن التعليم هو الأساس الأول لتطور هذا الفكر ورقيه، فبقدر تطور العملية التربوية والتعليمية وتقدمها في شتى المجالات، يرتقي هذا الفكر ويتطور على نحو يؤثّر تأثيراً عميقاً في عملية النمو الاقتصادي والسياسي والثقافي والحراك الاجتماعي وبناء الحضارة الإنسانية.
وحتى نستطيع دخول هذا العصر بأمان لا بدّ  لنا من الاهتمام بالتربية والتعليم وتحسين نوعيته خاصة في مجال العلوم الحديثة كالتقانة والمعلوماتية والحاسوب والإلكترونيات، التربية الوطنية، وحدة المجتمعات وسلامتها واستقرارها، البيئة والتلوث وتدهور الموارد الطبيعية، التربية السكانية، الصحة والجنس والأمراض المصاحبة ” مثال الإيدز”، المخدرات والوقاية منها عن طريق التوعية، وذلك بدءاً من المرحلة الابتدائية مروراً بمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي وصولاً إلى التعليم الجامعي والعالي، وربط ذلك بسوق العمل وبما يتناسب ومتطلبات التنمية الوطنية القادرة على المنافسة، والاهتمام بالمعلم الأساسي في العملية التربوية بما يضمن كرامته ومستقبله ومستقبل أسرته. ومن الأهمية بمكان هنا تضمين المناهج الدراسية مواد تتدرج في أفق التربية على الأخلاق واحترام القانون وحقوق الإنسان، وإنشاء مقاعد في الجامعات تهتم بالقضايا الفكرية والسياسية والقانونية التي يطرحها موضوع حقوق الإنسان في بلادنا والعالم، علنا نساهم في تكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذي محتوى إنساني لدى الناس جميعاً، بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل ودور العبادة.
الهوامش:
1- قراءة في واقع التعليم العالي .. هل يعمل لإعداد قادة المستقبل منشور في  مجلة الأيام السودانية 16-6-2008
2- تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2003
3- بشار عباس ، ثورة المعرفة و التكنولوجيا : التعليم بوابة مجتمع المعلومات ، دار الفكر  ، دمشق ، 2001
4- المجلة المغربية حسن اليوسفي 2003
5- الدستور السوري الصادر عام 1973
6- صحيفة الفرات الصادرة في ديرالزور29/8/2006
7- محمد جمال باروت – محاضرة ألقيت في ندوة حال المعرفة بدمشق
ميشال شماس- محام من سوريا
موقع الآوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى