صفحات سورية

دمشق على كف عفريت

null
د. محمد صالح الغيدا*
تشير الاستطلاعات لدنو اشتعال فتيل الحرب بين إيران وإسرائيل وستتحمل شعوب هذه البلدان ما تجره من ويلات. ويستمر ملالي الحرب في طهران ودمشق بالتهديد والوعيد بتصديرها لتشمل منطقة الشرق الأوسط برمتها “علي وعلى أعدائي” إلا أن هذه الرغبة تصطدم بمصالح الكبار، الذين بدورهم لم يتوانوا عن التنويه أن المبضع سيجتث الزوائد والنتوءات فقط، ولن يتجاوز ما آل إليه تشاوشيسكو وميلوشيفيتش أو صدام، ناهيك عن احتمال تحرك الشعوب المقهورة في إيران وسوريا دفاعا عن مصالحها التي تختلف عن مصالح قادتها.
أما اندلاع الحرب الوشيكة وإن كان موضعيا سوف يترك آثارا جمة على مجتمعات ودول ساحة الحرب وجوارها. أما سوريا فتشكل ذراعا إيرانية وساحة حرب بديلة بين إيران وإسرائيل، وفيها تعقيدات واحتقان شعبي متعاظم يكاد أن يتفجر تلقائيا، لذا يراد للشارع أن ينشغل بأية “ملهاة” حتى لا يتطلع لفساد الحكم والحاكم. من هنا نجد أن إقحام سوريا في الحرب سيؤدي لتعديلات وتغييرات تمليها نتيجة الحرب وذلك على صعيد المجتمع والدولة.
يشهد التاريخ أنه حينما تشتد الضغوطات الداخلية أو الخارجية على أي حاكم في العالم يحيل الأمر للشعب ليبت فيه عبر صندوق الناخب بحرية، من هنا يستمد الحاكم سلطته وقوته وتمثيله لإرادة شعب لا إرادة عصابة أو زمرة، ويخوض أي معركة وهو مطمئن لوقوف الشعب معه لا ضده، وهكذا حاكم لا يتخاذل أو يتراجع ولا يهرب خشية سقوط حكمه والفتك به. لكن دائما كان الجلاد جبانا، والسجين لا يدافع عن سجنه ولا يحمي سجانه، لذا لم يعترض أحد ليرد عن جلاد بغداد بالأمس الضرر، أما دمشق فاستعصت على الغاصب وفيها يوسف العظمة حيا ولا حتى فارا يختبئ في الجحور وثغور الأرض. أما اليوم يصرح قادة إسرائيل أنهم وفي غضون ساعات قادرون على محاصرة دمشق، ولن يختلف البعثي المتخفي في بساتين بغداد عن رفيقه المتستر في حدائق الغوطة، وهذا ما يؤكد ما عرف به مرتزقة البعث، الذين عرفناهم مصاصي دماء ومرتشين ومرتزقة وقطاع طرق، يمارسون المراجل على الشعب الأعزل، في الكويت وبغداد ودمشق وبيروت وليسوا بناة بلدان وحماة أوطان، وأثناء المعارك يختبئون كالجرذان في الجحور وثغور الأرض.
ابتليت البلد بقيادة خسرت كل المعارك التي خيضت، ويكابر الخاسرون معلقين أوسمة الشجاعة ومتقاسمين ألقاب النصر. اختلقوا انتصارات وهمية وانتحلوا الألقاب كبطل القادسية والتشرينين، أما حين يكون الناس هم أصحاب القضية لاشك ستكون خيارات النصر بأيديهم، ولن تتعدى مهمة القائد وقتذاك أن يحسن إدارة قدرات الشعب وتوظفها في المعركة ليحقق انتصارات أكبر، سواء كان ذلك في المعركة على الفساد أو الفقر أو الجهل او الذل، ولن يساهم الناس بنصرة الجلاد عليهم، ولن يعملوا طواعية لزيادة عدد السجون والمعتقلات. وردا على تعليق الأوسمة الخلبية وانتصارات القيادة السورية علق بعض قادة إسرائيل بالقول “نتمنى لهم المزيد من هكذا انتصارات”… يا له من عار..!
كان ومازال الشغل الشاغل للحاشية والمقربين من القيمين على البلد هو المتاجرة والارتزاق عبر المخاتلة والتدليس والابتزاز والتملق والمزايدات، حتى صار الشعب السوري موضع عطف، ويستمر الحاكم الفرد بإصدار صكوك هتك الأعراض ومصادرة الحريات..!
المواطنين ليسوا متساوين في الحقوق والواجبات، ويعاملون وفقا لانتماءاتهم الدينية والإثنية. لن يضحي الجندي بأغلى ما يملك لأنه يعرف أنه ليس سوى مسمارا يدق لتثبيت كرسي الحكم. ويخدم لسيادة زمرة على المجموع. كيف يمكن للجندي الكردي في سوريا أن يكر وهو ليس حرا، ولا يعرف بأية لحظة تزهق روحه بطلق ناري –كما جرت العادة- من الخلف.. ويعي تماما أنه شريك فقط في الخسارة، أما مساهماته في صنع انتصارات تاريخية سابقة فلم تجعله شريكا في الوطن.؟.
مجرد افتراض أن يعم السلام في المنطقة يشكل كابوسا لدى الحاكم الذي يعتاش على افتعال المشاكل والقلاقل، لأنه  وقتذاك يفقد الذريعة الأساسية للتسويف وتأجيل محاربة الفساد والجوع والفقر وغياب الحريات وكل متطلبات الحياة الكريمة. لو عم السلام في المنطقة لانتفت أسباب الحرب وزالت الذرائع والمسببات للبطش والدكتاتوريات. أما هذه الحرب فلن تختلف عن حرب تشرين، حيث ستزهق أرواح الأبرياء ويتوج الخاسرون كأبطال التشرينين والقادسيات. يدرك الجندي السوري اليوم تماما أنه يجبر على ممارسة إذلال أهله وذويه باسم الجلاد، الذي وضب حقائبه ليهرب مع أول الهزيع..!
رغم أن البترول السوري في أياد أمينة ! ولا يدخل في الميزانية العامة، ورغم أن ثمانين في المائة من ميزانية البلد تصرف لوزارة الدفاع يظل الضابط السوري فقيرا ولا يصله منها شيء، والدليل يتلخص في التكاليف الكبيرة التي تتحملها العائلة السورية التي لديها جندي في الخدمة، لأن تكلفته تفوق مصاريف شقيقه الطالب في الجامعة، إذ عليها أن تعلف الضابط المسؤول عنه طيلة الخدمة، ولم تعد سلة البيض ومرطبان العسل ذا قيمة، عليه أن يدفع لسيده المعلوم في نهاية كل شهر، وليس مهما أن يسرق أو ينهب الناس…
ربما لن نفشي سرا عسكريا خطيرا إن قلنا لقد تم تحويل الشعب لقطيع شياه لا يعرف متى وإلى أين يساق، وأن الجنود السوريين حفاة عراة وجياع يمارسون السخرة والخدمة في بيوت ومزارع الضباط، وأن قدرات ولياقة جيش البعث العقائدي لا تتعدى لياقة عصابة تشليح في غابات أفريقيا. ولا داعي للكذب على الشعب الذي سيزج بأبنائه في أتون حرب لم يعدوا ويحضروا لها، ونتيجتها معروفة مسبقا، كما يعلم الجميع نصوص خطابات “النصر” التي سيلقيها القادة والمعدة مسبقا احتفاء بالانتصار الوهمي. حتى الأطفال صاروا يحفظون التعليل السمج والمضحك.. “لن نسمح للعدو جرنا لخوض المعركة في غير موعدها، ونحن من سيحدد المكان والزمان للحسم”…! كفى مكابرة وتزلف.. الحال يرثى لها، والزعم بأن الجندي السوري لا يقهر، والشعب السوري متطور وينعم بحرياته، لن تغير من الحقيقة شيئا لأن الجندي هو ابن هذا الشعب المقهور الذي تمارس عليه شتى صنوف التجويع والإذلال والحرمان.
كان المحتل الأجنبي أرحم بالسوريين من الحاكم الوطني خلال العقود الأخيرة، ومع هذا مازال المواطن السوري صابرا على الظلم، يسومه الحاكم الوطني المهزوم بسياط لم تطله من المستعمر، يسرق أمواله، يعتدي على كرامته، يصادر حرياته، مقابل أن يسبغ عليه بعض النعوت الوهمية كالرجولة والوطنية والشجاعة.. ويعلم السوريون أن السماء لن تمطر حرية وديمقراطية..
وسيكتب المنتصرون وحدهم التاريخ، بينما يجتهد المهزومون لتزويره وانتحال بطولات وهمية.
ختاما… نحن على ثقة أن شعب سوريا خلاق ولابد له أن ينتصر..
__________________________
* د. محمد صالح الغيدا – أكاديمي سوري – لندن
gaidasaleh@gmail.com
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى