صفحات سورية

سوريا لن تكون التالية.. حتى إشعار آخر

null
بسام حداد
فيما يحرك ملايين العرب بلدانهم رافعين شعارات تطالب بالتغيير والتحول، ظلت بعض البلدان العربية بمنأى عن الاحتجاجات في شكل عام، وبينها بعض البلدان الغنية بالنفط إلى جانب سوريا.
تبرز سوريا لاعبة إقليمية نافذة، مع العلم بأنها لا تنعم بالازدهار الاقتصادي ويسودها مناخ سياسي تشوبه نواقص وعيوب كثيرة.
البعض يقول إنها تجمع بين الوطأة الثقيلة للنظام التونسي والمصاعب الاقتصادية لمصر وأوجه الحكم الوراثي في المغرب والأردن، هذا، إلى جانب قيادة ذات قاعدة أضيق من تلك التي تنطلق منها أي قيادة أخرى في العالم العربي. إذاً لماذا يعم الهدوء نسبيا على الجبهة السورية؟ قد نخدع أنفسنا باللجوء إلى تفسيرات سهلة تشير إلى خطر القمع الشديد الذي تواجهه أي انتفاضة محتملة في سوريا ـــ وهو خطر موجود بالتأكيد. بيد أن واقع الأمر أكثر تعقيدا. وقبل الدخول في هذا النقاش، لا بد من توضيح مهم. يجب التحسب دائما للتطورات غير المتوقعة، فمن شأن سوء تقدير يؤدي إلى رد غير متكافئ على المدنيين يُستخدَم فيه العنف المفرط، أن يتسبب، حتى في سوريا، بخروج متغيرات بنيوية عن السيطرة في هذه الأجواء الإقليمية المشحونة.
سوريا ليست مصر
تكشف أي مراجعة سريعة للصحافة السورية أو المقالات والأخبار المنشورة في الصحف عن سوريا، أن عددا كبيرا من السوريين يتعاطفون مع مظالم وثورات إخوانهم العرب ويشاركونهم بعضها. ومنهم السوريون الذين تظاهروا بأعداد صغيرة وتعرضوا للمضايقات أو الضرب في الرابع من فبراير الماضي الذي كان مقررا أن يكون «يوم الغضب» في سوريا، وخلال الأيام القليلة التي سبقته. ووقعت حوادث أخرى متفرقة في الأسابيع القليلة الماضية، لكن أيا منها لم يرق إلى مستوى تظاهرة علنية وواضحة ضد النظام، كما حصل في مصر وأماكن أخرى. وذلك يضع سوريا في تناقض واضح مع مصر.
لقد تحلى المتظاهرون المصريون بمزيد من الشجاعة مع انتزاع المجتمع المدني مكاسب عدة مثل حرية الصحافة وحرية الرأي والإتاحة للاعبين سياسيين مستقلين بكل معنى الكلمة، أبرزهم الإخوان المسلمون، بمساحة للتنظيم والتنافس ـــ وإن كان عبر الإنابة. لكن هذا لا يعني ان الامر نفسه يمكن ان يحدث في سوريا. وقد كان الرئيس السوري بشار الأسد محقا في تصريحه في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال في 31 يناير بأن سوريا ليست مصر. والعكس صحيح.
فبالرغم من أن نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك كان شديد القمع، لكن المساحة العامة في مصر كانت أكثر انفتاحا بكثير منها في سوريا. فقد انتشرت الصحف المستقلة والأحزاب وتعزز حضور الناشطين السياسيين في مصر في الجزء الأكبر من العقد الماضي، مما أتاح لهم استقطاب الأتباع وتعبئة الأنصار من خلال أشكال متعددة من التواصل الشبكي. ومع مرور الوقت، توسعت مقومات التحرك الجماعي والفسحة المتاحة له إلى حد كبير. فبين عامي 2004 و2010، شهدت مصر ما يزيد على 6000 احتجاج متوسط وصغير الحجم، ومعظمها احتجاجات عمالية، مما خلق مستوى معينا من التمكين الفردي والجماعي خلال العقد المنصرم ـــ وأطلق عملية إعادة تسييس المجتمع ـــ وهو ما ليس موجودا إلى حد كبير في سوريا.
المعارضة مفككة
فضلا عن ذلك، وعلى الرغم من تفاقم الاستقطاب الاجتماعي والفقر وتدهور شبكات الأمان الاجتماعي في سوريا، فإن الظروف الاقتصادية والاجتماعية لا تشبه أبدا تلك التي يعاني منها المصريون في الإجمال. كما أن عدم تجانس المجتمع السوري (لناحية السياسة والمنطقة والجماعة والمذهب والإثنية) يزيد من حدة الانقسامات ويحول دون أن يكون هناك تماسك في صفوف المعارضة. ولذلك من المستبعد حدوث تظاهرات في سوريا يكون لها مفعول كرة الثلج وتتسبب بردود فعل عنيفة جدا من جانب النظام.
.. ولا هي تونس أو ليبيا
القرارات الفردية والجماعية لا يحفزها فقط التواصل الاجتماعي والسماح القانوني والتحرك الجماعي. وإلا ما كانت الثورة التونسية لترى النور، إذ إن التونسيين كانوا يعيشون في أجواء أمنية لا تجيز التنظيمات المستقلة والتحركات الجماعية، كما هو الحال في سوريا إلى حد كبير. بيد أن الدولة والنظام والحكومة في تونس لا تتداخل بالقدر نفسه الذي نجده في سوريا، ومن المؤكد أن أجهزة القمع والجيش في تونس لم تكن متلاحمة حول رأس السلطة كما في سوريا. ولذلك، ليس واردا أن يتخلى الجيش والأجهزة الأمنية السورية عن الأسد كما فعل نظراؤهم التونسيون مع بن علي.
في الوقت نفسه، بالرغم من وجود نية ومنطق للمحاربة عند قادة النظام السوري، كما يفعل نظراؤهم الليبيون، فإن علاقة التجاذب بين النظام السوري ومجتمعه أعمق بكثير من العلاقة ما بين النظام الليبي ومجتمعه، حيث يوجد انشطار كبير في الطبقات القيادية العليا المتوهمة. على سبيل المثال، عزز النظام السوري طبقة من التجار عابرة للطوائف وفي معظم الأحوال متجذرة في جهات تقليدية من المجتمع ــ وإن كان ليحصل تحرك في سوريا فمن المحتمل أن يأتي من المدن الشمالية.
عند الحديث عن احتمال اندلاع احتجاجات داخل سوريا، غالبا ما تتم الإشارة إلى موقف دمشق المقاو.م لتعليل الأسباب التي تجعلها بمنأى عن مثل هذه الانتفاضات، والمقصود بذلك موقف المواجهة السوري ضد السياسات الغاصبة لإسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة، الذي يمنح النظام شكلا من أشكال الشرعية القومية العربية. وفي شكل خاص، يُعتبَر دعم سوريا لحزب الله وحماس أداة فريدة وشرعية أبان مواجهة الامبريالية. فاستمر الرئيس بشار الأسد، لفترة على الأقل، في تسجيل نسب جيدة في استطلاعات الرأي في مختلف أنحاء المنطقة مقارنة بالقادة العرب الآخرين ويتمتع بتأييد بارز من عدد من الركائز الشعبية.
عامل «المقاومة»
ومع ذلك، لا يمكن الركون بالمطلق إلى مسألة شرعية المقاومة، وذلك انطلاقا من معطيَين اثنين: أولا، حتى في مصر حيث كان مبارك يُعتبَر رجل الولايات المتحدة وشريك إسرائيل المتواطئ معها، لم تكن هذه نقطة أساسية بالنسبة إلى المتظاهرين. ثانيا، تدخل المنطقة حقبة جديدة، حيث يمكن أن يصبح موقف المواجهة السوري أقل فرادة، مع اتخاذ مصر وحكومات عربية أخرى مواقف أكثر استقلالية وانسحابها من الفلك الأميركي الصلب.
من الصعب الإحاطة بالعلاقات السببية، إذ إن العوامل المعنية تتغير بصورة ديناميكية. صحيح أن مواقف المواجهة التي تتخذها سوريا ضد إسرائيل والولايات المتحدة تلقى ربما شعبية متزايدة في المنطقة، لكن مواطني الدول العربية السائرة على طريق الديموقراطية سيرغبون في حكومات أكثر تجاوبا معهم في سياساتها الداخلية والخارجية. سوف يصطدم النظام السوري بهذا المطلب عندما يحين الوقت. أما في الوقت الراهن، فهناك عوامل عدة تحول دون اندلاع ثورة في سوريا، إلا إذا وقع حدث استثنائي مثل لجوء النظام إلى العنف المفرط في رده على تظاهرة أو حادثة ما. إذاً الأجدى بالمراقبين ألا يحبسوا أنفاسهم.
ينشر بترتيب مع نشرة الإصلاح العربي الصادرة عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=683933&date=12032011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى