صفحات سورية

أين أنتم يا شباب سورية من كل ما جرى ويجري في الساحات العربية ؟

null
محمد فاروق الإمام
في منظر مهيب وسط اكتظاظ ميدان التحرير بالقاهرة بمئات الألوف من شباب مصر وقف رئيس الوزراء المصري المكلف عصام شرف على منصة وسط أمواج من الشباب الهادر بشعارات الثورة التي أطاحت بطاغية مصر حسني مبارك، مخاطباً جماهير ثورة 25 كانون الثاني أنه (قدم إلى الميدان لأنّه كُلِّف بمهمة تحتاج إلى إرادة وصبر، ولا يوجد مكان أكثر من ميادين التحرير في كل مصر ليُستمد منها الصبر والعزم).
وقال شرف: (لذلك المهام الملقاة على عاتقي، والتي أحاول أن أحققها، هي طلباتكم، وأبذل كل جهدي في سبيل ذلك، وفي الوقت الذي لا أستطيع أن أحقق فيه طلباتكم فسأكون معكم وليس هنا).
وتابع شرف قائلاً: (أنتم أنهيتم الجهاد الأصغر وأمامكم الجهاد الأكبر وهو أن تستعيدوا مصر، فأنتم قمتم بشيء عظيم جداً والشيء الأعظم أن نعيد بناء مصر إنشاء الله)، مشدداً على (ضرورة بناء مصر الحرية، حيث الرأي خارج السجون، وأن يكون أمن المواطن في القمة، وأن تكون أجهزة الأمن في خدمة الوطن والمواطن). وختم شرف متوجهاً إلى المعتصمين في ميدان التحرير: (هناك طلبات كثيرة سنعمل عليها، وأدعو الله أن ييسّر أمري وأن أستحق ما أكرمني به، وارفعوا رؤوسكم فأنتم مصريون).
نعم آن لشباب مصر بعد سنوات عجاف من العبودية والذل والمهانة والفقر والبطالة أن يفخروا بمعجزة حققوها بصبرهم وجلدهم وثباتهم وتضحياتهم معجزة ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني التي نقلت مصر من بلد مستعبد إلى بلد حر ترفرف في سمائها رايات العزة والكرامة، ويفخر أهلها بأنهم مصريون.
شباب العرب يتطلعون بعيون تصبو لفعل ما فعله شباب مصر ولفعل ما فعله شباب تونس.. شباب العرب الذين لا يزالون يرزحون تحت نير ظلم الطغاة والمتجبرين والفاسدين في بلادهم، حيث يذوقون مر العذاب والقمع والإرهاب يتطلعون لاقتباس وهج ثورة شباب تونس وشباب مصر وينقلوا بلدانهم إلى مصافي الدول التي تنعم شعوبها بالحرية والكرامة والعزة وإنسانية الإنسان.. فهبت جماهير الشباب في ليبيا، وهبت جماهير الشباب في اليمن، وهبت جماهير الشباب في العراق، مقدمين أرواحهم وقوداً للتغيير والإطاحة بأنظمتها الشمولية المستبدة المستأسدة على شعوبها والخانعة لأعداء الأمة، ولا تزال ساحات مدن هذه البلدان تدور فيها المجابهات بين أنظمة متهالكة على كرسي الحكم ومتشبثة بصولجان السلطان، وبين شباب متطلع إلى الحرية والانعتاق من زنازين القهر وأقبية التخلف.
وأمام هذا المشهد الرائع الذي شهدناه في ميدان التحرير بالقاهرة يوم الجمعة الماضية، وقد حقق شباب مصر انتصارهم على مافيا النظام الاستبدادي وبلطجيته.. لابد من أن نستذكر سورية ونستنهض شبابها ونستنهض فيهم العزة والكبرياء والكرامة (الشعب السوري ما بينداس) وآن له أن ينفض عن كاهله غبار السنين العجاف (48 سنة).. سنين القهر والذل والتفقير والتجهيل والتخلف، فالأمم تحيا بشبابها وتتقدم بسواعد فتيانها، وشباب سورية هم الأجدر في قيادة مسيرة التغيير وكسر حاجز الخوف لطالما أن دمشق الفيحاء كانت على الدوام قلب العروبة النابض وشريان حياة الأمة الذي كان ينبض بدماء الشباب على مر العصور والأحقاب، وإذا ما تعثر كل هذه السنين فلابد له من النهوض ليجلي ظلمة هذا الليل الطويل ويعيد لغوطة دمشق ربيعها ولسماء دمشق صفاءها، ويتقدم المسيرة مسيرة التغيير في الوطن العربي ليعود هذا الوطن أمة واحدة إذا ما اشتكى عضو من علة في تطوان راح صداها يهز بغداد.
فإذا ما تمكن النظام السوري لفترات من التلاعب بعواطف الناس والشارع العربي بوهم مواجهة الاحتلال الأمريكي والتضامن مع المقاومة الفلسطينية ودعم المقاومة الوطنية في لبنان، ورفع شعار خيار المواجهة والصمود والتصدي والتحدي والتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، عبر إعلام كاذب رخيص يردد اسطوانة مشروخة ممجوجة على مدار الساعة باتت لا تجد عند الجميع آذاناً صاغية وقد سقطت كل أوراق التوت عن عورات هذا النظام، فالسكون الذي يعيشه الجولان المحتل منذ العام 1974 بعد اتفاق فك الاشتباك عند الكيلو (54)، واستباحة الطيران الإسرائيلي لسماء سورية من عين الصحاب والقصور الرئاسية إلى العمق السوري (دير الزور)، ولهاث النظام بمناسبة وغير مناسبة في استجداء الوسطاء للتوسط لدى العدو الصهيوني وأمريكا في البدء بمفاوضات دون شروط مسبقة مع الكيان الإسرائيلي لعقد اتفاقية شبيهة باتفاقية (كامب ديفيد) التي باتت على كف عفريت بعد انتصار الشباب في ساحة التحرير وطرد حسني مبارك.
وقنع النظام بما حقق من خلال هذه السياسة البالية من مكاسب لا تسمن ولا تغني من جوع، بدلاً من أن يقوم بالإصلاح والتغيير والسير نحو تطلعات الشعب السوري نحو الديمقراطية وأمانيه في الانعتاق من قمقم القهر والإذلال والفقر والفساد والتخلف، ووقف تغول الأجهزة الأمنية في قمع الشباب وسوق قادة الوطن وعلمائه ومثقفيه ونشطائه إلى المحاكم العسكرية وإيداعها خلف القضبان في السجون والمعتقلات، وإذا ما بقي النظام السوري باتباع هذه السياسة الظالمة العقيمة فإنه سيجد نفسه أمام انتفاضة جماهيرية كتلك التي حدثت في تونس والقاهرة لم تعد تكتفي بالمطالبة بالإصلاح والتغيير بل ستطالبه بالسقوط والرحيل، وإذا ما حدث ذلك فإن النظام سيظل هو المسؤول عن جر سورية إلى نفق المجهول وتداعياته.
أنظمة الاستبداد التي لا تزال سادرة في غيها ومتجاهلة كل ما حدث ويحدث في الساحة العربية تصر على أنها محصنة وفي منآى عما حدث ويحدث، ولم نسمع ولو لمرة واحدة أن أحد هذه الأنظمة استبق وصول هذا الطوفان إلى بلده، وجنبه الخراب والدمار والدماء، وأقر بالواقع واعترف بحق شعبه بالحرية ونزل على إرادة الجماهير واكتفى هو وعصابته وحاشيته ما حقق كل هذه السنين من مكاسب وما نهب من أموال.. لم نسمع منهم إلا الصلف والغرور والإصرار فحاكم مصر كان يصر على القول: إن مصر ليست تونس حتى سقط شر سقوط، وكذلك كان حال القذافي المتهالك الذي كان يقول: ليبيا ليست تونس ولا مصر، حتى انتفضالشباب وأعلنوا ثورتهم، وهاهم على قاب قوسين أو أدنى من النصر ودحر طاغيتها الجبان، وكذلك الحال بالنسبة لليمن والعراق التي تشهد ساحات مدنها عصيانات مليونية تتحدى صلف الحكومات ورصاص بنادق أمنها. ولم نلحظ حتى الساعة أي بوادر تلوح في الأفق تشير إلى أن حاكم دمشق وعى الحقيقة وأنه سيعمل على تجنيب سورية من الدخول في أتون العاصفة، ويبادل السوريين حباً بحب كما يقول وكما دون على صوره المعلقة في كل مكان (منحبك)، ونرجو أن لا يكون حبه لسورية كحب القذافي لليبيا، لأنه إذا ما أصر على إدارة ظهره لكل ما يجري في الساحة العربية، فإنه سيفيق في يوم قريب ويشاهد قد كتب على صوره الموزعة في كل الساحات والميادين والمؤسسات العامة والخاصة (منكرهك.. منكرهك.. ارحل.. ارحل).
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى