صفحات العالم

الحرب ليست نزهة

غسان شربل
حديث الحرب مفتوح في الشرق الأوسط. كثيرون يجزمون بحتمية وقوعها. تساؤلاتهم تتركز على التوقيت. لهذا تغرق المنطقة في السيناريوات. مسؤولون كثر تحولوا الى محللين. واضح ان العرب لا يملكون القدرة على منع الانزلاق الى الهاوية. قرار اطلاق الحرب ليس في يدهم. وكذلك قرار منعها.
قرع طبول الحرب لا يعني بالضرورة الوقوع فيها. لا شيء يوحي ان ادارة باراك اوباما راغبة في شن حرب على ايران. واضح انها ليست جاهزة ايضاً. الإدارة نفسها مهتمة بتنفيذ وعود اوباما الانسحاب من العراق وفق الجدول المعلن. انفجار الحرب قد يجعل القوات الأميركية في العراق هدفاً لهجمات. قد يرغمها على العودة الى القتال داخل المدن والقرى. ثم ان مسار الحرب في افغانستان لا يسمح لواشنطن برفاهية فتح جبهة ثالثة مع ايران. تحتاج اميركا الى وقت لترتيب اوراقها وانتشار قواتها. تحتاج ايضاً الى استنفاد كل سبيل آخر قبل اللجوء الى آلتها العسكرية.
الحرب على ايران ليست نزهة. لا بد هنا من الالتفات الى ان اميركا ليست في افضل ايامها. اثمان الأزمة المالية العالمية كانت باهظة. الإنفاق في العراق كان خيالياً. الرأي العام الأميركي ليس جاهزاً لتقبل مغامرة من هذا النوع الآن. الوضع الدولي ليس مناسباً ايضاً. تقبّل روسيا فكرة العقوبات ضد ايران لا يعني ابداً تقبّل حرب اميركية عليها. موقف الصين واضح ومعروف. اوروبا ايضاً معنية بالعقوبات ولا تتحدث عن الحرب.
يصعب الاعتقاد ايضاً ان ايران ستبادر الى اشعال الحرب. نتيجة الحرب لا تخفى على الإيرانيين انفسهم. الضربات الخارجية لا تسقط نظاماً من قماشة النظام الإيراني لكنها ستعيد البلد برمته عقوداً الى الوراء. لا تستطيع ايران الحاق الهزيمة بأميركا في غياب تورط اميركي بري. تستطيع فقط إلهاب المنطقة والتسبب بخسائر كبيرة فيها. في حديث الحرب لا يمكن تناسي النفط وممراته وأسعاره.
لا تستطيع اسرائيل التعايش مع ايران نووية. هذا ما يؤكده المسؤولون الإسرائيليون. يقولون ايضاً ان اسرائيل ستتحرك منفردة اذا وقع العالم في خطأ التباطؤ او التردد. لكن هذا السيناريو لا يبدو سهلاً. الحرب ليست فقط الضربة الأولى. ستحتاج اسرائيل سريعاً الى مشاركة اميركية او الى دعم اميركي واسع. يصعب الاعتقاد ان اسرائيل تستطيع استدراج اميركا الى الحرب بهذه الطريقة.
صعوبات اخرى تعترض الحرب الإسرائيلية على ايران. مهاجمة المواقع النووية الإيرانية ستعني ايضاً الاصطدام بترسانة «حزب الله» في لبنان. اي محاولة برية لسحق «حزب الله» قد تعني صداماً مباشراً مع سورية. جبهة غزة قد لا تبقى هادئة ايضاً. الحرب على لبنان لم تعد نزهة بعد «حرب تموز».
يصعب الاعتقاد ايضاً ان «حزب الله» يمكن ان يبادر الى اطلاق الحرب. تهديدات اسرائيل المتكررة للحكومة اللبنانية تنذر بأخطار غير عادية. لا تستطيع اسرائيل اقتلاع «حزب الله». لكنها تستطيع الحاق دمار هائل بلبنان وإغراق الحزب في تداعيات هذه الخسائر. لا شيء يضمن بقاء الحرب في حدود مسرحها الأول. يصعب على الحزب اتخاذ القرار وحده. لهذا يستبعد ان يبادر الحزب الى اطلاق الحرب او توفير ذريعة للعدو لإطلاقها.
تغرق بعض عواصم الشرق الأوسط في سيناريوات الحرب. لكن قرع الطبول لا يعني بالضرورة انها صارت حتمية او وشيكة. اكثر من اي وقت مضى يعرف الجميع ان الحرب ليست نزهة
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى