صفحات الناس

بطل من سورية

null

زين الشامي

منحت الرئيسة الايرلندية ماري ماكاليز في دبلن جائزة لحقوق الانسان الى المحامي السوري المعتقل أنور البني تسلمتها زوجته السيدة راغدة عيسى بالنيابة عنه، وحصل البني على جائزة «فرونت لاين» (الخط الأمامي) التي تكافئ سنوياً منذ 2004 مدافعين عن حقوق الإنسان حياتهم في خطر.

الحق كله مع الرئيسة الايرلندية ان تمنح هذا المحامي هذه الجائزة ومبروك للشعب السوري هذا التكريم. يستحق أنور وجيه البني هذه الجائزة عن كل جدارة كونه محامياً مشاكساً يحترم المبادئ والقيم القانونية التي درسها في جامعته وفي ما بعد سعى إلى تطبيقها وممارستها في حياته اليومية، فهو من أبرز وأشجع المدافعين عن حقوق الإنسان في سورية. كان صوته كالسيف يشق الصمت ويتحدى بطش وجبروت آلة القمع في سورية رغم «النصائح» كلها التي كان الأصدقاء يسدونها له بالتحسب والتعقل. «فأنت يا أنور مفيد لحركة التغيير وأنت خارج السجن وليس داخله»، لكن أنور لم يصمت.

هو اليوم ومنذ أكثر من عامين يقبع في غياهب السجن، لم يستطع النظام في دمشق الذي يحتكر وسائل الإعلام الرسمية كلها ويشرف ويراقب الإعلام «الخاص» والذي يملك نحو مليوني بعثي وعشرات الآلاف من عناصر الأمن، ومئات الآلاف من عناصر الجيش، والآلاف من المحافظين ورؤساء البلديات والمخاتير والأبواق لم يستطع أن ينتصر على جرأته وتصريحاته وشجاعته وانحيازه لحقوق الناس المساكين والمظلومين والمقموعين… لم يستطع أن ينتصر عليه إلا بسجنه. هل يعقل وهل تتخيلون أن يخاف نظام بأكمله من رجل واحد اسمه أنور البني؟ نظام بأكمله، وتاريخ طويل وعميق في القمع وتكميم الأفواه، لم يستطع أن يواجه الحقائق التي كان يكشفها أنور البني، حقائق عما يجري داخل المعتقلات وخارجها من تعذيب وقهر للسوريين.

كان أنور البني شجاعاً ومؤمناً بحتمية التغيير لدرجة أن الأصدقاء كانوا يلومونه على «فلتان لسانه» هنا وهناك، لقد كان لا يخشى من عناصر الأمن وكتاب التقارير ويوجه انتقاداته للنظام و«حزب البعث» وأجهزة المخابرات التي تخيم على الفضاء السوري كله بفم ملآن وقلب شجاع وأينما حل وجلس ووقف.

أنور البني كان يملك سيارة صغيرة وقديمة جداً ومهترئة جداً من نوع «فيات» يعود تاريخ صنعها إلى ما قبل أو منتصف السبعينات. دائماً متسخة ومغبرة وأضواؤها وماكبحها بحاجة إلى تصليح وصيانة دائمين.

مرة انتظره اثنان من عناصر الأمن وأزلامه أمام منزله في أحد أحياء دمشق، وحينما خرج بتلك السيارة لحقوه بدراجة نارية، إذ كان متجهاً صباحاً باتجاه الفرن لجلب الخبز لأسرته، وأمام الفرن هجموا عليه كما الكلاب المسعورة، كان أحدهم يحمل عصا، حطموا زجاج نافذة السيارة، كان يخرج من عيونهم حقد رهيب، أوسعوه ضرباً وهو داخل سيارته خلف المقود وعلى مرآى من الناس كلهم الذين لم يملكوا إلا الصمت، لقد كانوا يعرفون لمن هؤلاء الزعران يتبعون، كانوا من إحدى المفارز الأمامية المتقدمة لترهيب الشعب.

هشموا وجهه الغض وأدموه ولم يكونوا يعلمون أنهم بفعلتهم سيجعلون كلمات أنور وصوته وقناعاته وأفكاره تزداد نوراً وألقاً ووضوحاً ورسوخاً.

بعد ذلك بفترة ليست بالقصيرة وفي ما كان خارجاً من قصر يسمى «القصر العدلي» وسط دمشق، ارتمت أمامه «داعرة» وبدأت بالصراخ على مرأى من الناس بأن أنور البني تحرش بها… هل لكم أن تتخيلوا ما وصل إليه نظام حزب «العبث» من دناءة وانحطاط؟ لقد حاولوا تلويثه وهو النقي الشفاف كما الكريستال البوهيمي.

كان يدخن نوعاً رخيصاً من التبغ السوري الصنع وسيجارته قلما تنطفئ، كانت ترافقه حينما يتكلم، وهو دائماً كان يتكلم وينتقد.

الرئيسة الايرلندية حيّت «التضحيات الجمة» التي بذلها المحامي السوري الذي يرأس منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان أغلقتها السلطات السورية فيمارس بعد أسبوع واحد فقط على تأسيسها. وقالت الرئيسة الايرلندية: «ان تكون بطلاً لحقوق الإنسان يعني غالباً أن تكون في غالب الأحيان وحيداً. لهذا السبب من المهم للغاية وجود دعم دولي وتشجيع واعتراف بأولئك الذين يخدمون قضية حقوق الإنسان». ونوهت ماكاليز أيضاً براغدة رفقي عيسى «الزوجة الشجاعة لهذا المحامي الشجاع». إن راغدة أيضاً مثل أنور بطلة سورية حقيقة لمن لا يعرفها وهي فوق ذلك أم عظيمة وسيدة جميلة.

محكمة الجنايات في دمشق كانت قد حكمت على البني في 24 يونيو الفائت بالسجن لمدة خمسة أعوام وبدفع غرامة مالية قدرها مئة ألف ليرة سورية بتهمة «نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة». تخيلوا أن شخصاً مثل أنور البني «يوهن الأمة» في ما الآلاف من أركان وقادة حزب «العبث» ينهبون ويسرقون ويكذبون ويعيثون فسادا في الأرض كل يوم ولا أحد يستطيع اتهامهم بأي شيء. وكم هي مفارقة وغرابة أن يستطيع رجل واحد بسيارة مهترئة وتبغ رخيص ولا يملك إلا سلاح الكلمة ان «يوهن نفسية أمة»؟ ما أضعفك يا «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» رجل واحد يستطيع وهنك!

اعتقل البني في مايو 2006 مع تسعة معارضين اخرين بعد توقيع إعلان «بيروت ـ دمشق، دمشق – بيروت» الذي دعا إلى إصلاح العلاقات بين لبنان وسورية.

أيها العزيز انور البني… أنت بطل حقيقي من بلدي. شكراً لك أيتها الرئيسة الأيرلندية وشكراً لكم يا شعب ايرلندا حيث تفكرون بنا، رغم أنكم خلف المحيطات ويفصل ما بيننا عشرات الآلاف من الأميال في ما مسؤولونا ينكلون بنا ويسجنوننا لمجرد كلمة ورأي وفكرة وضحكة ساخرة مرة
الرأي الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى