بدر الدين شننصفحات أخرى

سيدي إفني أكثر من قضية وطنية

null
بدر الدين شنن
السبت .. في السابع من حزيران.. 2008 .. أصبحت سيدي إفني مدينة مميزة في خرائط المغرب الجغرافية والسياسية والاجتماعية .. أصبحت حاضرة في نشرات الأخبار المحلية والعربية والدولية .. تحولت إلى رمز يمثل كل الناس البسطاء المقهورين .. الناس المحرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة ، الذين يحاصرهم الفقر الأسود والخوف من الغد والحرمانات التي لاتحصى .
في ذاك السبت التاريخي من حزيران .. حدث الاعتصام الشعبي .. الطبقي .. أمام الميناء .. احتجاجاً على التوزيع غير العادل لعوائد الثروات الوطنية والناتج الاجمالي الوطني بين التقسيمات الجهوية والطبقات الاجتماعية .. احتجاجاً على الغلاء وانخفاض الأجور والبطالة .. ذاك السبت الذي تحول إلى انتفاضة .. وإلى مواجهات ..
كان يمكن لهجوم السلطات المغربية القمعي المتوحش ضد المعتصمين على عتبة الميناء ، أن يمر دون أصداء وارتدادات ، تفضح الديمقراطية الناقصة .. تفضح أظافر المخزن المخبأة داخل القفازات المخملية ، التي تستخدم بغريزة سادية عندما يتعلق الأمر بالطبقات الشعبية وبالمهمشين ، كما كان يمر مثله من هجمات السلطات على المناضلين والاعتصامات والمظاهرات في الماضي ، ويدرج ضمن لائحة المظالم السرية ، ويستقر في أرشيف البوليس .. وفي زوايا الذاكرة السياسية والشعبية .
يبد أن مبادرة القوى اليسارية السياسية والنقابية قد غيرت بنتائج هجوم السبت العنفي المخزني .. وحولت متراس الأجساد المتلاحمة المنتفضة ، الذي أرادت السلطات بالقوة المفرطة ، أن تجعل منه مقبرة لروح التمرد على الظلم الاجتماعي والسياسي ، وحصراً في سيدي إفني ، حولته إلى متراس وطني ، تجلى بمسيرات التضامن ، التي انطلقت من مختلف مدن المغرب .. وتلاقت وتعانقت في شوارع وساحات سيدي إفني . وأضافت لاعتصام المدينة الشجاعة أبعاداً وقيماً هي أوسع من مساحة مسرح ومطالب المعتصمين . وجعلت من الاعتصام تعبيراً تتكثف فيه كل الاحتجاجات الشعبية والاجتماعية الصامتة والناطقة ، التي صنعتها تجارب الماضي ، وتستدعيها مستحقات المستقبل . وجعلت المعتصمين يمثلون كل المضطهدين في المغرب ، وبخاصة المهاجرين المحرومين من دفء الأهل والأحبة والوطن ، الذين يهيمون في متاهات الاغتراب بحثاً عن الزاد والأمان .. يمثلون ضحايا زوارق الموت والحراقة البؤساء جرياً نحو شواطيء مجهولة المصير .. يمثلون العاطلين عن العمل الجامعيين والشغيلة اليدويين والعمال المحرومين من شروط الأمان في العمل ، الذين يتساقطون من الأبنية الخالية من أ سيجة الأمان ، أو يموتون حرقاً أو تسمماً في المعامل .. يمثلون الرؤية السليمة لحل أزمة الشغل البديلة للهجرة الذليلة ، وكسر معادلة الهجرة حلاً للبطالة ، بتوظيف ثروات الوطن في خطط تنموية صناعية وزراعيةوعمرانية وسياحية .
ومن خلال حركة أبطال الحدث في السبت الحزيراني ، التي كسرت حواجز الصمت والخوف ، وكسرت معادلة الهجرة حلاً للبطالة والفقر والعجز ، ومن خلال مبادرة اليسار السياسي والنقابي الصحيحية ، أصبحت قيمة اعتصام سيدي إفني تتجاوز حيزها المكاني لتغطي الوطن المغربي كله .. أصبحت قضية وطنية . بل وأصبحت ، من خلال التحدي النضالي الشعبي ، الذي قدمته سيدي إفني في مواجهة حصار القمع والمنع والقهر ، ومن خلال نهوض اليسار السياسي والنقابي للتلاقي والتفاعل الحي العملي مع الحدث ومنحه الأبعاد التي يستحقها ، والتي يتعين تعميمها للقيام بنضالات أوسع على مستوى مسرح البلاد كلها ، اصبحت أكثر من قضية وطنية . لأنها قدمت المثال النضالي الجماهيري .. المثال اليساري السياسي والنقابي في خضم الصراعات من أجل التغييرات الاجتماعية والسياسية المطلوب إنجازها على مستوى البلدان العربية كلها .
ويمكن بكل إنصاف ، اعتبار السبت ” الإفني ” في السابع من حزيران علامة لافتة في تاريخ النضال السياسي الاجتماعي في المغرب ، بل وفي البلدان العربية . خاصة وأنه جاء بجديد بالغ الأهمية بالنسبة للشعوب العربية ، التي تمر في ظروف شبه مماثلة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ، والتي تمر أيضاً في حالة إحباط شديدة ، نتيجة حالة التخبط ، في تحديد الخيارات والآليات الأكثر نجاعة في نضالها من أجل تحقيق تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية حاسمة . فجميع الشعوب العربية تتعرض لاضطهاد الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية والمفوتة ، وتحتل مسألة الحرية وحقوق الإنسان الرقم الأول في أولوياتها ، وتكابد ، ماعدا البلدان البترولية ، من سياسة أنظمتها الموالية للعولمة الرأسمالية واقتصاد السوق والتجارة الحرة ، التي أوصلتها أدنى مستويات الفقر والتجويع .
الجديد في سبت سيدي إفني البطولي ، أنه حقق إلتفاتة جادة فيما يتعلق بالخيارات والآليات ، التي يتعين تحديدها وا ستخدامها في الصراعات السياسية والاجتماعية القائمة على مساحة البلدان العربية باشكال مختلفة دون ا ستثناء .. والتي يمكن اختزالها بكلمات محددة .. الاعتصام .. الانتفاضة .. التضحيات .. نهوض ووحدة اليسار السياسي والنقابي .. الذي يتعين أن يكون رافعة النهوض الوطني الديمقراطي الاجتماعي .
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى