صفحات أخرىفلورنس غزلان

أمن الخطأ أن تتقدم سوريتي على عروبتي ؟

null


فلورنس غزلان

أخرج من أشلائي المبعثرة ومن أوجاعي التي لا حصر لها.. لأرفع صوتاً مخنوقاً وعويلاً صامتاً ينحدر إلى الأعماق عله يطفيء لهيباً يستعر حقداً وغضباً لا أريده أن يضعف طاقتنا الداخلية ولا تصميمنا على الاستمرار وإمكانية الصراع…فلا مهرب لنا ولا مناص أمامنا… لن يتمكن منا اليأس ولا القنوط…نحاول أن نمد جسراً من التواصل والحوار الحضاري ــ إن جاز التعبير ــ إنها محاولة لرأب صدع من صدوع تنخر وتقيض كل ما بني خلال أعوام ..

أود مثلكم لملمة الجراح…والخروج من الصدمات المتلاحقة رغم قوتها…الخروج من حالة الشكوى..من حالة التمزق والاختلاف، من حالة الاحتراق البطيء الذي يصبه النظام ويريد لنا أن ننتهي…معتقدا أنه سينتصر…معتقداً أنه سيتمكن منا…معتقداً أنه سيظل الوحيد الأوحد…يريد إغراق الوطن من جديد في الظلام ..في الجوع والحرمان…القهر، القمع، انعدام الحرية ..تسجيل الوطن والمواطن في خانة الخراف..يسوقنا للذبح دون اعتراض.. تركيع وتطويع مستمر ومُمنهج ..جاعلاً من الوطن مُلكية مَلكيةً ( بفتح الميم) حصرية لآل السيادة المطلقة لأبد الآبدين …

لن أناقش الخذلان والتخاذل عند البعض..وقد سطرنا وسيلنا الكثير من الحبر.. ولن أناقش المهاترات ولا الفلسفات حول المباديء والأولويات في السياسة…ولا حول الثوابت …ويبدو أن لكل مبادئه وأولوياته وثوابته…والاختلاف عليها ليس خطأً و ترتيبها وأبجديتها ليس جريمة …كما أنه لا يستحق تخوينا ….و لا يستحق انفصالا، أو تقطيعا للجسد المعارض…لو احتكمت الأطراف للعقل وللمصلحة الوطنية..

ألا يحق لنا …أن نجعل من سوريا هاجسنا الأول؟ ..

ألا يَحقُ لنا أن نجعل من لُقمة المواطن قضيتنا الأولى؟…ألا يَحقُ لنا أن نجعل من حقوق المواطن السوري مشكلتنا الأهم ؟

أليس من الأولى أن نركز اهتمامنا على قضاياه الاقتصادية والاجتماعية ، وأن نحاول البحث فيها وبمسبباتها وبطرح همومه اليومية الصحية منها والتعليمية؟…,أن نضع أمامه دراسات يُعدها متخصصين في كل ما يعترضه من مشاكل وما يلحقه من غُبنٍ وإجحاف، وأن نسدد سهامنا ونركز جهودنا لكشف الخطأ وتعرية الفساد ومرتكبيه ، أن نضع اليد على كل مُلتبس ومُبهم ..وأن نسعى في الوقت نفسه لنقل الوطن من حالة الاستبداد والشمولية إلى الحرية والديمقراطية التي ننشد…بدلا من تناول التهم وتلفيق الحُجج..كي نُخرج أنفسنا من دائرة الشك السلطوية ومن يصب في خانتها…

كم من الأحاديث والحوارات دارت بين الذات و الآخر..مقصودة أم عفوية..صادقة أم مهادنة؟!…لكن الجميع يعتقد أنه يملك الحقيقة!…الجميع يعتقد أنه على صواب ، الجميع يعتقد أنه الأعظم..الكل يجد في نفسه ابن الوطن وحامل رايته…حريته على كفه ومقاليد الخلاص فيما يطرح من فكر، وحين ينعطف… يتصور أنه الأصدق!!، وما يُجري من إسقاطات وما يحبط من مؤامرات …وما يدرس من مخططات وما يقدم من مقترحات ابتعد فيها عن الواقع أم اقترب..قرأ فيها الزمان والمكان والمعطيات أم ظل يراوح في خطاب الأمس …..ساهم في بناء وإعادة بناء الذات والفكر وما طرأ عليه من صدأ أو تآكل …أو ما طور فيه وأحدث وجدد.. حسب ما يتطلبه الزمن وما تحتاجه المرحلة وما يريده الشارع الوطني.. لكنه يظل يرى الآخر ولا يرى الذات…يرى العيب في الآخر ولا يقرأ عيوبه…فهل من مخرج أمامنا؟..

بكل تأكيد أن لدى كل طرف من أطراف المعارضة بعض الحق…وهذا البعض يختلف نسبيا.. يتوافق هنا ويتنافر هناك…يتنافس هنا ويتنابز هناك…يقفز ويتقافز يثبت ويحاور ويناور .. لكني أعتقد أن ضعف البصيرة الناقدة للذات، هي ما يتحكم في الأسلوب والطريقة لمعالجة الهوة القائمة…مَن بدأ وشرع أسلحته في تقطيع الأوصال …مَن يقطن في بيت من زجاج ويقذف حجارته كالأعمى على كل من يعتقد أنه ينافسه على قلب الوطن والمواطن …أو كل من يتقدم عليه خطوة في كسب الوقت …ثم يستغرب ويصاب بالدهشة حين تسقط شظية ما فوق رأسه…ناسيا أو متناسيا القول المأثور (إن الباديْ أظلم)…حين يرد الآخر عليه مستخدما بعضاً من وسائله وطرقه… التي لا يفهم سواها… بعد طول بال وسكينة وانتظار عله يثوب لرشده ويتعقل …عله يُعمل الضمير الوطني ويختار الوطن قبل الأشخاص والمواقع…مع أنها مواقع وهمية لا غير…ثم تنتابه العصبية ويصاب بالتوتر فيشحذ سيوفا باتعة وباترة مستنجداً بالأخلاق.. ..رغم أنها لم تكن من أسلحته ولا من مفردات قاموسه حين يشن هجومه على مَن كان طيلة مسيرته من حلفائه ومن المتعاونين معه من أجل مصلحة لا علاقة للذات فيها …إنما الغاية الأولى والوحيدة والهدف الأسمى هو الوطن والمواطن…

سورية اليوم في حالة اختناق داخلي وحصار عربي ودولي…لهذا يستخدم النظام وسائله القمعية والتنكيلية موجها حرابه للوطنيين الأشراف زاجاً بهم في سجونه موجهاً لهم تهماً لا تتوفر في أي قانون تعسفي من القوانين الكونية ولا تعرفها نواميس الدساتير العالمية الأكثر ديكتاتورية..( إضعاف الشعور القومي، وهن عزيمة الأمة، الانتساب لجمعية سرية تعمل على قلب نظام الحكم، نشر أنباء كاذبة، إثارة النعرات الطائفية…الخ).

إن النظام يستخدم أبناء الوطن ومثقفيه كورقة ورهائن ابتزاز في ميزان سياسته الخرقاء مع العالم، كما ينشط اليوم ويلعب في ورقة جديدة هي ورقة القمة القادمة، التي يعمل جاهدا على عقدها في دمشق عله يصيب مكسباً لبنانياً وعربياً…فيفتح نافذة في جدار الحصار …وإلا.. فإنه يسير في طريق الخراب مستخدماً أذرعته اللبنانية وساحة لبنان مخرجا وملعبا…ولو كان الجحيم نتيجته وطريقه…فقد عرفناه يعمل على مبدأ( فرق تسد) ويقيم أعراسه على المآتم …ينصب انتصاراته فوق جثث الآخر

ويكسب حروبه مستخدما أراض أخرى وشعوبا دفعت وتدفع ثمن ألعابه البهلوانية في سياسته الخرقاء وكي يخرج من محنته يساوم ويناور . لأن انعقاد القمة دمشقياً يشكل له نصراً لمدة عام، يتربع خلالها على رئاسة القمة ويحدث خرقاً في جدار الحصار وفي جدار المحكمة الدولية، التي تقترب ساعتها..

هناك من يتخوف ويرسل إشارات خشيته من بطش النظام السوري لبنانياً ومناطقياً ..ملتمساً بعض التفهم العربي المتقي للشر ، الذي يعمل على إنجاح القمة ليجنب النظام الدمشقي هوة أوقع نفسه ويريد أن يوقع المنطقة فيها مستخدما ورقة لبنان وانتخاب الرئاسة فيها ليعود للحوض العربي عن طريق عودته للبنان من خلال إغراقه وإضعافه، لا من خلال إنقاذه وتسهيل مهمة انتخاب رئيس تم التوافق عليه، ففي التعقيد بقاءه وفي الانهيار استمراره ……..لماذا؟!!

أسأل أصحاب هذه النظرية الخائفة من بطش النظام وتاريخه الدموي، هل من ضمان لهذا التاريخ ولهذه الذراع؟…هل يمكن لهذا النظام لو فتحت له أبواب العودة العربية أن يترك لبنان يقرر مصيره ؟ أو أن يلتزم بالقرارات العربية ؟..ألا تصبح شوكته أكثر إيذاءً وأشد بطشاً؟، وكيف يمكن تجنيب المنطقة شروره وتحالفه الإيراني وحزب الله وحماس؟…وكلها أوراق يلعب بها ملوحاً مهدداً كلما رأى تشدداً ولمس تعنتاً عربياً أو دولياً حياله؟ هذا جانب له علاقة مع المنطقة والعالم …ناهيك عن العلاقة الأهم بالنسبة للنظام وهي الداخل، حيث يزيد من ضغطه وقمعه مغلقاً عيونه صاماً آذانه على كل النداء آت العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان في سورية ومن أجل إطلاق سراح معتقلي الرأي والضمير في سجونه…يريد تمرير رسالته للداخل ..لأنه كما نعلم منقطع ومنفصل عن شعبه …وما يفاقم من عزلته عن المواطن الضغط المعيشي وحِدته المتفاقمة يوما بعد يوم متمثلة بزيادة الأسعار وانتشار الفساد، الذي تزكم رائحته أنوف المواطن العاجز المُجَوَع .. ــ رغم أنه لم يولي يوماً اهتماماً لوضع المواطن ـــ

لكن الجوع كافر…ولكم أن تقرأوا تسعيرة السلع الضرورية في صحف النظام نفسه لتعرفوا أن سورية ليست بعيدة عن الجوع ، وأنها قاب قوسين من الكفر…

الحدث الأهم ، الذي زاد من حدة توتر النظام ونرفزته، اغتيال مغنية في وسط دمشق، وفي المنطقة الأشد كثافة أمنية…وهذا يجعل النظام يخسر الكثير من هيبته عربياً وداخلياً…فقوة بطشه الأمنية تنحصر إذن في قمعه للمواطن!!، وهذا يعني أيضا ولدى كل مواطن يدرك حقيقته، أنه مخترق أمنياً…وأن ساحته أشد ضعفاً من لبنان نفسه

لأن إسرائيل ( إن كانت هي المسؤولة أو غيرها)، لم تستطع خلال ربع قرن من الزمن اختراق أمن الجنوب وحزب الله، لكنها وصلت لمغنية سورياً!…لماذا؟

لأنها تمكنت من اختراق الأمن السوري وتجنيد بعض المقربين من مغنية ودائرته السورية، ولهذا صدر تكذيب ورفض للجنة أمنية مشتركة مع حزب الله وإيران…كي لا ينكشف مدى ضعف الحلقة الأمنية ومدى اختراقها..وبعد أن أعلن حسن نصر الله الانتقام وترك بابه مفتوحا على كل الاحتمالات والوسائل، فهذا يعني أن المنطقة ربما مقبلة على حرب اغتيالات وتفجيرات…ولن يكون لبنان وحده مسرحها…أو مسرح ردود أفعالها.

ما أردت قوله من هذا الاستعراض المبسط، هو مدى حاجتنا في المعارضة السورية لوقفة مع الضمير، وقفة مع سورية الوطن لا سورية النظام، فهل من العيب أن أنظر لمصلحة جاري العاطل عن العمل، أو ابني المريض المحتاج لدواء، أو ابن صديقي الطالب في الجامعة…وأن أبحث عن معاناته قبل أن أبحث عن حل للقضية الفلسطينية؟

ولا أعني هنا أن أقف على الحياد مما يجري في فلسطين أو العراق أو لبنان ، لكنه علي أن أولي الاهتمام الأول لما في سورية…لن أتمكن من تحرير شبر في فلسطين دون أن أكون حرة ومكتفية اقتصاديا واجتماعياً وأنعم بحقوقي أولاً …أمارس حريتي في التعبير والتظاهر والتحزب وتنظيم جمعيات ونقابات…الخ، ثم أحرر ما اقتطع من أرض سورية أي الجولان، وبنفس الوقت أسعى مع الجوار لإقامة علاقات حسنة على أساس احترام السيادة والحدود والالتزام بالقوانين الدولية…..كيف يمكن أن أدعم حركات التحرر في دول أخرى مجاورة وأرضي محتلة؟ …أليس الأولى أن أحرر أرضي أولا؟…وهل يمكن تحرير الجولان من لبنان على سبيل المثال؟….هل من المعيب أن أهتم بسوريتي قبل اهتمامي بالعروبة؟ ألا يحتوي الوطن على مواطنين من اثنيات مغايرة ، لكنهم مثلي أبناء سورية، ومثلهم في أوطان أخرى؟ …هل يحق لي أن أُضفي عليهم قوميتي وألغي قوميتهم لمجرد أن العرب يشكلون الأكثرية؟…أليس من الأجدر إذن البحث عن حلول في إطار كل قُطر على حدة …وحسب حجم ونوع المشكلات ؟…

ــ باريس في 21/02/2008

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى