الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةحسين العودات

الديمقراطية الإيرانية

حسين العودات
عبر عدد من السياسيين والصحافيين والمحللين الإيرانيين في الحوارات التي بثتها القنوات الفضائية قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية عن فخرهم بما سموه (الديمقراطية الإيرانية) التي اعتبروها ديمقراطية ناضجة وشفافة تستجيب لحاجات المجتمع الإيراني، ومنسجمة مع ظروفه وخصوصيته.
وبالغ بعضهم (ومنهم الرئيس أحمدي نجاد) في تقويم هذه الديمقراطية فاعتبرها من أفضل الديمقراطيات في العالم، وأكثرها تعبيراً عن واقع الناس ومصالحهم، وغالى البعض الآخر فطالب البلدان العربية والإسلامية أن تعتبر هذه الديمقراطية نموذجاً، تطبقه فوراً، لما فيه من خير لها، وضمان للمشاركة الشعبية في تسيير أمور البلاد، وصولاً إلى المساواة والحرية والعدالة.
هل الأمر كذلك؟ وهل الديمقراطية الإيرانية ناضجة وشفافة فعلاً وتستجيب لحاجات الناس، وتستوعب خصوصياتهم، وتصلح لأن تكون نموذجاً يحتذي؟.
أظن أن الواقع يشير إلى غير ذلك، وأن المدقق في شأن نظام الحكم الإيراني، لا يرى ما يراه المتحدثون السابق ذكرهم، ويؤكد الدارسون والمراقبون والسياسيون الجادون الباحثون عن الوصول إلى تلمس الحقيقة ومعرفة مناخها، أن ما يقال عن اكتمال الديمقراطية الإيرانية واستجابتها لحاجات مجتمعها، وإمكانية الاعتماد عليها للوصول إلى الحكم الصالح.
وصيانة الحريات وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد وتعميق سبل النقد والرقابة، وضمان حرية الأحزاب والصحافة واحترام حقوق الإنسان وغير ذلك، إنما هو وهم وربما لغو، ينم إما عن جهل بالديمقراطية أو عن إصرار على الدعاية المسطحة للنظام الإيراني.
تعالوا نتفق في البدء على أن العملية الانتخابية سواء كانت انتخابات رئاسية أم برلمانية أم استفتاء أم ما في حكمها، ما هي إلا إجراء أو وسيلة تشكل جزءاً صغيراً من مسيرة العملية الديمقراطية وآلياتها، فالديمقراطية هي نهج واسع كامل متكامل يشمل جميع جوانب الحياة، ويرسم مسيرة الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويتضمن مفهوماً محدداً للدولة ووظائفها ودورها في المجتمع والحياة.
كما يحدد العلاقة بين الدولة وفئات المجتمع الأخرى ومؤسساته، سواء منها مؤسسات المجتمع المدني أم المنظمات الأهلية. كما يحدد إذا كانت الدولة (قابضة) أو (منسقة)، والمسافة بين الدولة والحكومة، وفيما إذا كان النظام السياسي ـ الاجتماعي رسم العلاقة بين الدولة (محددة الوظائف) والحكومة (محددة الصلاحيات) والمجتمع وهيئاته (محددة الأدوار) ويقوم على فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحماية استقلاليتها، ويحترم حرية الأفراد وحقوق الجماعات في المجتمع الواحد، والاختيار الشعبي الحر لمن يكلفون بمهمة تولي الحكومة وإدارة الدولة، على أن يكون الاختيار تداولياً.
فالديموقراطية هي نهج حياة، وآليات وإجراءات ومهمات، تسبق العملية الانتخابية، وترافقها وتتبعها، إنها عملية مستمرة متواصلة بسلسلة من الحلقات المتداخلة المتجددة. وهي تتطلب توفير شروط وظروف تتعلق بالمجتمع والدستور والقانون والممارسة، قبل العملية الانتخابية ومن ثم بعدها.
فهل حققت الديمقراطية الإيرانية هذه المعايير؟
أشير في البدء، إلى أن نظام الحكم الإيراني لا مثيل له في العالم، فجميع السلطات موكولة للمرشد الأعلى للثورة حسب الدستور، فهو صاحب القرار (فوق رئيس الجمهورية) والقائد الأعلى للجيش والحرس الثوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى وله صلاحيات غير محددة في كل مجال.
أما رئيس الجمهورية فهو السلطة التنفيذية فقط ولأن المرشد الأعلى هو الولي الفقيه في الوقت نفسه، فقد أصبح لقراراته طابعاً (شبه مقدس) فرأي الولي الفقيه لا يناقش لأنه معصوم عن الخطأ، وبالتالي فله الحق في إلغاء مؤسسات الدولة جميعها أو إلغاء قراراتها، ولنتذكر أن الولي الفقيه غير منتخب من الشعب بل يختاره مجلس الخبراء المعين بدوره.
من المفترض أن مجلس الشورى هو المجلس التشريعي، ولكن نظام الحكم الإيراني وضع فوقه مجلساً أو هيئة أخرى، هي مجلس تشخيص مصلحة النظام وصيانة الدستور، التي من حقها أن توقف أو تلغي أي قرار يتخذه المجلس التشريعي. وهذا المجلس (أي مجلس صيانة الدستور) معين بدوره وليس منتخباً من الشعب، وعلى ذلك فإن من يقول بعدم وجود مجلس تشريعي حقيقي في إيران لا يبتعد رأيه عن الصواب.
علماً بأنه من حق هذا المجلس (مجلس صيانة الدستور) أن يرفض ترشيح أي مواطن إيراني للمجلس التشريعي أو لرئاسة الجمهورية دون أن يشرح الأسباب، فقد رفض المجلس مثلاً ترشيح عشرات الإيرانيين والإيرانيات لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الأخيرة، وأبقى على أربعة مرشحين فقط، ورفض أيضاً في آخر انتخابات تشريعية عشرات المرشحين لأسباب قدرها بنفسه وحسب معاييره لا معايير الدستور.
ولا يحق لأحد من هؤلاء الاعتراض على قرارات المجلس لا أمام القضاء ولا أمام أية جهة أخرى، باستثناء الشكوى إلى المرشد الأعلى الذي أثبت في الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي أنه ليس على الحياد ولا على مسافة متساوية من الجميع فهو طرف وليس حكماً.
لقد رسم الدستور الإيراني بعد الثورة عام 1979 ديمقراطية حسب الطلب والقياس، مهمتها الأولى دعم النظام السياسي، وإتاحة الفرصة له لتحقيق حماية ذاتية، تعتمد على آلياته نفسها، ولم يهتم الدستور بمعايير الديمقراطية المتعارف عليها، كمرجعية المواطنة، وحرية الاختيار، وتداول السلطة، وعدم تنصيب أحد غير منتخب وإعطائه صلاحيات تقويم أعمال المجلس المنتخب، والقبول بدور للحرس الثوري قد يفوق دور الشعب.
في ضوء هذا كله افترض أن الزعم بوجود ديمقراطية إيرانية (مميزة) بل حتى وجود ديمقراطية في إيران، هو زعم بعيد عن الحقيقة، لا ينبغي الاعتداد به، وحبذا لو كان المحللون والسياسيون الإيرانيون أكثر تواضعاً.
البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى