التفاوض السوري الإسرائيليمعقل زهور عدي

تفسيران للمفاوضات السورية ـ الاسرائيلية

null
معقل زهور عدي
حتي الآن لا أحد يدري تماما الآفاق الحقيقية للمفاوضات السورية ـ الاسرائيلية التي تجري في تركيا، لكن يمكن القول ان ثمة احتمالين:
الأول ان تكون تلك المفاوضات مناورة سياسية واسعة، الهدف منها امتصاص حملات الضغط الأمريكية والعزلة التي تسببت بها للسياسة السورية، وتفادي مخاطر ما يمكن ان تقدم عليه الادارة الأمريكية الجريحة في العراق من اجل التعويض عن الفشل وسقوط الهيبة مع اتضاح عجزها عن السيطرة وتوجيه الأحداث وفق أجندتها المعلنة في المنطقة.
وفق هذا الاحتمال يكون هدف السياسة السورية غير المعلن هو كسب الوقت ريثما يحين وقت الانتخابات الأمريكية في الخريف القادم، باعتبار ان كل المؤشرات تشير الي ميل الادارة الأمريكية القادمة لبدء عملية مراجعة للسياسة الأمريكية في العراق والمنطقة باتجاه التراجع عن أفكار المحافظين الجدد نحو سياسة أقل تطرفا وأكثر براغماتية.
يدعم ذلك التفسير عدم ظهور تذمر واضح من جهة ايران من المفاوضات الجارية في تركيا، وكأن القيادة الايرانية مطمئنة لهدف ومآل تلك المفاوضات.
في الحقيقة أظهر تحالف ايران ـ سورية ـ حزب الله خلال السنتين الماضيتين قدرا من الفعالية والتماسك بحيث يصبح من غير المفهوم والمنطقي ان تعمد سورية للاستغناء عنه من أجل بديل غير واضح وغير مؤكد.
يجادل البعض بأن السياسة الاسرائيلية الماكرة لا يمكن ان تنخدع بمناورة كهذه لكن الواقع ان اسرائيل أيضا ربما كانت بحاجة لقدر من التهدئة حولها لتتفرغ لمواجهة خطر كبير يهددها وهو الخطر الايراني.
هكذا تكون للطرفين مصلحة في مناورة كهذه لا يسفر عنها شيء حقيقي علي صعيد الاتفاق النهائي.
ووفق ما يبدو علي سطح الأحداث فقد ساهم مجرد بدء المفاوضات في تركيا بصورة رسمية ـ وان غير مباشرة ـ والاعلان عنها بالفعل في احداث ثغرة في الحصار المضروب حول سورية رغم ان الادارة الأمريكية ما زالت غير راغبة في تخفيف ذلك الحصار.
يحيلنا مثل ذلك الاحتمال الي التروي في اتخاذ المواقف واطلاق الاحكام، سواء لجهة التأييد الذي يتصف بشيء من الخفة والتهافت او لجهة الاستنكار الذي يتصف بالتسرع والدخول في معارك وهمية.
لكن ماذا عن الاحتمال الآخر؟
يتمثل الاحتمال الثاني في وجود مسودة اتفاق يجري التمهيد لاعلانها في الوقت المناسب، فربما تكون اسرائيل قد ادركت بعد حرب تموز (يوليو) 2006 أكثر من أي وقت مضي مدي محدودية قدرتها العسكرية مما دفعها للبحث في شروط ارساء حالة سلام تعاقدي مشابه لتجربتها مع مصر والأردن والتي تعتبر ناجحة من وجهة نظر اسرائيلية حتي الآن. علي اية حال ليس جديدا التفكير الاسرائيلي في اهمية ارساء تسوية مع سورية باعتبار ان ذلك يمكن ان يكون مفتاحا للتطبيع مع جميع الدول العربية والدخول لأسواق الخليج من الباب الواسع.
لكن ما ينبغي التفكير به أيضا هو الثمن الباهظ الذي ستطالب به اسرائيل لقاء جلاء قواتها عن الجولان المحتل الذي يشكل موقعا استراتيجيا ممتازا وموردا مائيا هاما ومنطقة زراعية وسياحية طالما حلمت بها الأطماع الصهيونية.
في مرحلة ما قبل حرب تموز (يوليو) 2006 كانت المعادلة السياسية الاسرائيلية للسلام تتحدد بالسلام مقابل السلام بدلا عن السلام مقابل الأرض، بكلام آخر سوف نغض الطرف عن دفع الجيش الاسرائيلي نحوكم او ضربكم بالطيران مقابل نسيان الجولان لعقود قادمة، كما انكم ستجدون انفسكم مجبرين علي توقيع معاهدة سلام معنا والاعتراف بنا بغض النظر عن عودة الجولان اليكم او بقائه تحت يدنا فقط لتأمنوا شرنا وقوتنا .
علي الأرجح فان حرب تموز (يوليو) 2006 قد قضت علي تلك المعادلة، وأجبرت الاسرائيلي علي التفكير مليا في تقديم بعض التنازلات التي لم يكن مستعدا لتقديمها، كما ان تغير موازين القوي الدولية وانكفاء مشروع الهيمنة الأمريكي قد أحدثا أثرها أيضا في اجراء مراجعة للسياسة الاسرائيلية ربما تكون قد مهدت لاعادة بعث مسألة التسوية مع سورية من جديد.
ترغب اسرائيل بدون شك في انهاء تحالف سورية مع ايران وحزب الله، لكن السؤال الذي يبقي معلقا هو حول استعداد اسرائيل لتقديم ثمن لذلك مثل الانسحاب من الجولان. في المرحلة القادمة يبدو ان الصراع يتجه بصورة خاصة نحو ايران وحزب الله كهدفين لكل من الولايات المتحدة واسرائيل بينما لا يبدو مركز سورية محسوما سواء أتم التوصل لاتفاقية تسوية او لم يتم.
يمثل الاحتمال الثاني تحديا حقيقيا للفكر السياسي الوطني ـ الديمقراطي في سورية، وربما يصبح محطة رئيسة للفرز السياسي داخل التيارات المعارضة، واذا كان من المبكر الحديث عن اتفاقية لم تتحدد بنودها بعد، فان من غير المبكر القول ان موازين القوي الدولية والعربية في الصراع مع العدو الصهيوني ليست مناسبة اليوم لانتزاع تنازل منه بحجم الانسحاب من الجولان دون ثمن باهظ.
ما من سوري ولا عربي الا ويرغب في عودة الجولان اليوم قبل الغد، لكننا نرغب في عودته كما عاد جنوب لبنان محررا عزيزا، اما الاتفاقيات والمعاهدات التي تتم في ظروف اختلال التوازن فمن حقنا ان نخاف منها، ونحسب لنتائجها الف حساب.
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى