بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

دعوة لإنقاذ اسم سيدتنا البتول

null
بدرالديـن حسن قربي
كثيراً ما يطلق اسم الأسد في سورية على معالم عمرانية ومشاريع تنموية من بحيرة الأسد إلى مكتبة الأسد وقاعة الأسد ومدارس الأسد ونوادي الأسد الى آخر هذه السلسلة الطويلة من الأسماء حتى أنهم أخذوا الطريق من قصيره اختصاراً للتاريخ والحضارة فقالوا سورية الأسد. وكأن سورية لم يمرّ في تاريخها علماء أعلام ولاشخصيات بارزة ولا رجال أفذاذ يستحقون أن تطلق أسماؤهم على شيء من معالمها.
لاشك أن حرص النظام على نسبة كل إنجاز إلى شخص رئيسه أمر له مايبرره في طبيعته وتركيبته. ولكن مايلفت النظر أن إنجازاً حقيقياً يسجل له بامتياز وهو له (خص نص) كأحد معالم القمع والقهر والإذلال آثر لسبب ما ألا يسميه باسمه قد يكون شطارة أو حرفنة رغم أنه يعبر عن كنهه ويتوافق مع طبيعته وهو معلم من معالمه، وتنازل عنه خرقاً لعادة ومخالفة لعرف وتقليد، وليبدو وكأن كلام الأعداء في قولهم عنه بإطلاق اسمه على كل شيءٍ غير صحيح.
ونحن هنا إذ نذكر السجون السورية تجديداً وبناءً وضبطاً وربطاً وما حدث ويحدث فيها تعذيباً وقتلاً، وهو أمر بات معروفاً لكل مواطن بأنه إنجاز من إنجازات النظام لهذا الوطن المعطاء، وإن تكرم لأمر ما بألا يسمّى باسم الأسد أباً أو ابناً، وإنما أطلق عليها أسماء مختلفة لاتشير إليه ولاتظهر ارتباطاً فيه رغم الصلة البنيوية والوثيقة بينهم.
نستحضر هنا ذكر حضارة تدمر ومملكتها التاريخية في سورية القديمة منذ آلاف السنين التي خلدوها لنا بسجن اسمه تدمر، اسم يعرفه السورييون جميعاً وتقشعر منه أبدان أهل الفكر والعلم والرأي كأقبح سجون العالم وأوسخها كلما ذكر اسم تدمر.
فلسطين التاريخ والأرض خلدوها لنا بسجن فلسطين في مدينة دمشق كفرع قبيح لأقبح الفروع الأمنية، ويتكلم عنه السورييون في المشارق والمغارب بكل ماهو شين وعار مقروناً باسم فلسطين التي بات ذكرها يذكّر المقموعين والمضطهدين باللاشعور بأشهر أمكنة القمع وأقذرها.
مجمع سجون كفر سوسة وسجن صيدنايا العسكري التي تعتبر أيضاً من إنجازات النظام الأمنية لم يطلق عليها اسمه وهو مايدعو للحديث عنه، ولاسيما أن سـجن صيدنايا وأخباره الأخيرة قتلاً وترويعاً وما قيل عن إهانات للقرآن الكريم من قبل السجانين، دفعت به فجأةً إلى تقدم الأخبار.
وبمناسبة الأحداث الأخيرة في السجن الأسدي في مدينة صيدنايا والسجالات والقرقعات التي استدعاها كتبة النظام في هذا الشأن عن المبالغات والتهويلات لما قيل في هذه القضية من قبل معارضي النظام متناسين حقيقة أن السجن هو نفسه بأحجاره وزنازينه وكل مافيه ينطق أن النازيين الجدد والقامعين وأعداء الإنسان وقيم الحضارة هم الذين أقاموا هذا البناء وليس المعارضين في مكان يفوح بعبق التاريخ إنساناً وأرضاً وحضارةً مما يشكل اعتداءً على التاريخ والإنسان والأرض والحضارة.
قدّمت ألمانيا سـيارة المرسيدس المعروفة على مستوى العالم بعلامتها المميزة، فكانت محبة القامعين والمستبدين لهذه السيارة المتميزة، ورغبتهم في تقليد الألمان في الصناعة والابتكار والاختراع، دافعاً لهم على مايبدو إلى أن يبنوا لنا سجن صيدنايا العسكري على شكل علامة مرسيدس الدولية، فأخذوا من الاختراع الألماني علامته، ووضعوها في بناء فات على الألمان النازيين أيام زمان أن يبنوا مثله.
قد يجادل كتبة النظام وجلادوه فيما قيل ويقال عن ممارسات كانت، وأعمال وحشية حصلت في السجن المذكور، وتكذيباً للسبب الذي أشعل السجناء وكأن ماقيل عن إهانة القرآن أمر من المستحيل حصوله في سجن صيدنايا الدانماركي. وأنا هنا لست في موطن الجدل فيما قيل ويقال، ولكنني متأكد يقيناً عن سجينٍ في تدمر على أعتاب السبعين من عمره، كان السجناء من حوله ينادونه (الحاج)، جاءه يوماً أحد السجانين العتاولة العلوج وقال له: أصحيح أنك حجي..!!
قال: نعم..
قال: إذن أنت رأيت الكعبة..!!
قال: نعم.!!
فمدّ إليه حذاءه ورفعه باتجاه فمه، وقال له: قبّل قبّل الحجر الأسـود.
منطق الأحداث يقول أن ماحصل في سجن تدمر يمكن له أين يكون في سجن صيدنايا العسكري، ولم لا…!!؟
ومع كل ماسبق، فقد يكذّب ويجادل عن أنظمة القهر من يكذب ويجادل، ولكنكم – ياأيها الناس – تعرفون أن السجن الذي يناضل عنه المناضلون بنضالهم، ويجادل عنه المجادلون بحججهم وأراجيفهم هو سجن له شهرته وسمعته بالممارسات المعروفة والمشهودة عن الأنظمة الشمولية. ولو لم يكن كذلك لأطلق عليه النظام اسمه تيمناً وتبركاً، ولكن ما حصل أن النظام السوري ربط اسم السجن باسم مدينة صيدنايا التاريخية عن قصدٍ أو غير قصد، وهو في الحالين ربط يسيئ للمدينة مكاناً وتاريخاً وإنساناً ولمحبي السيدة مريم العذراء في كل أصقاع الأرض خصوصاً.
فالمعروف أن اسم مدينة صيدنايا وفي رواية أخرى سيدنايا معناه باللغة الآرامية والسريانية (سيدتنا) ولهذه التسمية عند المسيحيين قصة وتاريخ ليس مكانها هنا، وإنما مفادها أن اسم المدينة جاء من اسم سيدتنا البتول مريم العذراء عليها السلام بما له من المكانة والتقدير والاحترام عند أهل الأرض.
دعوة كريمة نطلقها بهذه المناسبة، ليقودها من شاء من رجالات العلم والفضل والفكر في كل أنحاء الأرض، ويحملها من يحب من رجالات الكنيسة في المشرق والمغرب، ويدعو إليها رجالات حقوق الإنسان والدفاع عنه لرفع اسم سيدتنا العذراء البتول من اسم السجن الذي يفترض بداهة أن يحمل اسم أصحابه المؤسسين كباقي أعمالهم وإنجازاتهم، وليسموه ماشاؤوا من سجن القائد، أو الباسل أو سجن الأسد أو المرسيدس أو سجن التحرير أو المقاومة والممانعة إلى ماهنالك من أسماء، المهم ألا يكون مرتبطاً باسم امرأة فاضلة قديسة أحبت وابنها عليه السلام العالم، وعملا لسعادته وتخليصه من شقائه. نتمنى لهذه الدعوة الكريمة أن تحملها كل المؤسسات والجمعيات الإسلامية والمسيحية وكل منظمات حقوق الإنسان العربية والإقليمية والدولية دفاعاً عن سـيدتنا، وإقصاءً لاسمها عن الزج به في هكذا تسميات لأماكن يهان فيها الإنسان وتداس فيها كرامته فضلاً عن أنه لايليق بقداستها. فلقد عرف الناس جميعاً أن اسم سيدتنا اسم كريم وله ماله من التكريم ويكفينا أن نشير أن الله سمّى باسمها سورةً من أكبر سور القرآن حتى جاءنا زمان يطلق اسمها على أعتى سجون الإرهاب والقمع في العالم.
دعوة نطلقها إلى كل محبي سيدتنا البتول والعذراء مريم عليها السلام أن يعملوا لكسر هذا الربط بالتي هي أحسن بين هذا الاسم الطاهر مع واحد من أعتى معاقل القمع والقهر في صيدنايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى