صفحات العالم

هل من مشكلة مياه بين سوريا والأردن؟

سليمان الشّيخ
بدأت لجان فنية سورية ـ أردنية محادثات في العاصمة السورية دمشق اعتبارا من 27/9/2009، لإعداد جدول أعمال اللجنة العليا الأردنية ـ السورية المشتركة التي سيرأسها رئيسا الوزراء السوري محمد ناجي العطري، ونظيره الأردني نادر الذهبي. ومن بين المسائل المطروحة للتداول والمراجعة على جدول الأعمال مسألة الدراسات الهيدروليكية لحوض نهر اليرموك، وكميات المياه المفترض إسالتها في مجراه والواصلة إلى سد الوحدة. فهل هناك مشكلة مياه بين سوريا والأردن في ما يتعلق بمياه نهر اليرموك وسد الوحدة، خصوصاً وأنه لم يتم تخزين السد تماماً بالمياه، ولم تتدفق إليه لتملأه بكامل سعته (110 ملايين متر مكعب) حتى اليوم، مع أنه أنجز قبل سنوات؟.
لا شك أن الشح في نزول الأمطار، خصوصاً في المواسم المطرية في السنوات الأخيرة، وتزايد عدد السكان في المدن، زاد من احتياجاتهم للمياه والكهرباء، خصوصا في مدينتي دمشق وعمان، ما دام الكلام يتعلق بنهر اليرموك الذي يمر بين البلدين، وإقامة سد تخزيني للمياه بينهما، إن ذلك أدخل تعقيدات جديدة فيما يتعلق بمياه الشفه والري وتوليد الكهرباء في البلدين. فكما شهدت وتشهد مدينة دمشق تقنيناً للطاقة الكهربائية في صيف بعض السنين، فإن مدينة عمان أخذت تشهد تقنيناً قاسياً كذلك في الأعوام الأخيرة في تدفق مياه الشفة لسكانها، وتحتاج كل صيف إلى نحو 50 مليون متر مكعب من المياه، زيادة على ما يصلها كي يمكن لسكانها الارتواء. وقد تمت معالجة هذا الأمر جزئيا في أعوام سابقة، من خلال مبادرة سلطات المياه في سوريا إلى تزويد الأردن بنحو 20 مليون متر مكعب من المياه في مواسم الشحائح الصيفية المتكررة كما أن الأردن يستعيد نحو 20 مليون متر مكعب من مياه بحيرة طبرية صيف كل عام، بعد توقيع اتفاقية وادي عربة بين إسرائيل والأردن عام 1994، والتي نصت في أحد بنودها على تخزين كميات من المياه في الشتاء من قبل الأردن في بحيرة طبريا، على أن يتم استعادتها صيفاً.
هذا الوضع بات مقلقاً، وأخذت المشكلة الناتجة عنه تزداد تفاقماً وتعقيداً، وتتكرر كل صيف، خصوصا وأن إسرائيل استحوذت على مياه نهر الأردن الأعلى بفروعه وروافده التي تصب فيه من لبنان ـ الحاصباني والوزاني وبريغيث ـ ومن سوريا ـ بانياس والقاضي (دان) وغيرهما، وحوّلت مياهه إلى الساحل الفلسطيني المحتل، وإلى النقب جنوب فلسطين. ولم تعد تخرج من بحيرة طبرية إلى المجرى القديم وصولاً إلى البحر الميت، إلاّ كميات من المياه زائدة الملوحة، إلى درجة أن السمك لا يمكنه أن يعيش فيها. كما أن بقايا المياه المتدفقة من مجرى نهر اليرموك لا يمكنها أن تقلل كثيراً من حدة الملوحة الزائدة فيها، إذ تبلغ نسبة الملوحة في المياه الخارجة من بحيرة طبرية والمتجهة إلى البحر الميت نحو 350 جزءا في المليون. في حين إنها لا تزيد عن عشرين جزءاً في المليون قبل دخولها البحيرة.
ذكرنا أن بقايا مياه ما زالت تجري في حوض نهر اليرموك، خصوصاً في فصل الشتاء، فلماذا تدنت المياه في هذا المجرى؟ علماً أن تصريفه السنوي كان يزيد على 500 مليون متر مكعب قبل ذلك، وما حكاية مشروع السد الذي حمل أسماء عدة، وجرى الحديث عن ضرورة إنشائه منذ خمسينات القرن الماضي، إلاّ أن ذلك لم يتم إلاّ في عام 2005، وبصورة غير كاملة، بعد أن جرى التواضع لجهة حجم إنشاءاته وطوله وارتفاعه، وفي كمية المياه التي يمكن أن يحجزها؟.
“الوحدة” على اليرموك
ينبع نهر اليرموك من السفوح الجنوبية الشرقية لجبل الشيخ ـ مستودع مياه المنطقة ـ ولا يأخذ شكل نهر دائم الجريان إلا بعد منطقتي مزيريب وتل شهاب في سوريا، حيث يتغذى بكثير من الينابيع هناك، ويقع نحو 5500 كم مربع من حوض اليرموك البالغ 7584 كم مربعاً ضمن الأراضي السورية، والتي تغذيه بنحو 80 في المئة من مياهه. أما الباقي فيقع في الأراضي الأردنية، ويلتقي اليرموك بمياه نهر الأردن الخارجة من بحيرة طبرية بعد مسافة تقدر بثمانية كيلومترات. وتصب المياه بعد هذا الالتقاء في البحر الميت، بعد أن ترفده بعض الفروع والينابيع والروافد. يبلغ طول النهر نحو 57 كم مربعاً مربع، يجري نحو 47 كم منه في الأراضي السورية. وتختلف غزارة تدفق مياه النهر بين فصلي الشتاء والصيف، حيث تصل إلى نحو 100 متر مكعب في الثانية شتاء لتنخفض في فصل الصيف إلى نحو 7 متر مكعب في الثانية.
منذ أوائل خمسينات القرن الماضي جرت محاولات وطرحت مشاريع عدة لإقامة سدود على النهر، وتم اختيار مواقع لها، إلاّ أن ذلك كان يصطدم بعقبات وخلافات، كانت توقف المضي قدماً في إنشائه. من بين تلك المشاريع يمكن ذكر المشروع الذي تبناه مؤتمر القمة العربي الأول عام 1964، والذي نص على إنشاء هيئة فنية عربية لإقامة سدود على مياه نهر الأردن وفروعه، بما فيه نهر اليرموك، في سوريا والأردن ولبنان. وفعلاً فإن تلك الهيئة التي ترأسها المهندس صبحي كحالة، باشرت دراساتها وأعمالها وإنشاءاتها، إلاّ أن عدوان عام 1967 على بلدان عربية عدة، أوقف مشاريع الهيئة، ودمر ما كانت أنجزته من تخطيطات ومشاريع، من بينها الإنشاءات التي كان قد تم إنجازها بين سوريا والأردن، في منطقة المخيبة لإنشاء سد على نهر اليرموك، حيث أفادت مصادر عدة أن من ضمن أسباب العدوان وأهدافه كان تدمير وتعطيل مشاريع المياه العربية تلك.
من ضمن المؤشرات المهمة في هذا المجال، أن مشروعاً أميركياً أطلق عليه اسم “مشروع جونستون” هدف إلى تقاسم مياه نهر اليرموك بين سوريا والأردن وإسرائيل، قدم وطرح في خمسينات القرن الماضي، في محاولة لحل القضية الفلسطينية، بما فيها مشكلة اللاجئين. إلاّ أن الخلاف على توزيع الحصص المائية، وعدم عدالة المشروع تجاه القضية الأساسية، أي القضية الفلسطينية ومتفرعاتها، عطل المشروع، ليتم سحبه من التداول. مع ذلك بقي الاحتياج الأردني، والسوري إلى حد ما، في تزايد وبحاجة إلى حلول، وتم طرح مشاريع عدة لبناء سدود على نهر اليرموك، حيث يعتبر الأردن من أفقر عشر دول بالمياه في العالم، من بينها مشروع سد المخيبة وسد المقارن وسد خالد بن الوليد, لكن لم يكتب لها التنفيذ لأسباب عدة، ثم أخيرا سد الوحدة الذي تم الاتفاق على إقامته بين سوريا والأردن عام 1986، وبقي يراوح بين التعطيل والتسويف استناداً إلى تعلات كثيرة، إلى أن تم وضع حجر الأساس لبنائه عام 2004، وتم إنجازه في العام التالي، لكن بمواصفات للبناء متواضعة عما كان عليه الأمر من قبل، إذ أن سعته وصلت إلى نحو 110 ملايين متر مكعب، وطوله إلى نحو 485 مترا، وارتفاعه إلى نحو 96 مترا وعرضه عند قاعدته إلى نحو 110 أمتار. وتوزعت نسب المياه حين الاتفاق على أن يستفيد الأردن بنحو 80 مليون متر مكعب سنوياً، منها 50 مليوناً للشرب، و30 مليوناً للري، ويحجز الباقي للاستفادة منه وقت الحاجة. وجرى الاتفاق أيضا على أن يولد السد طاقة كهربائية بمعدل 1880 ميغاوات في مرحلة ثانية تحول إلى سوريا. لكن الملاحظ أن حصة إسرائيل من مياه النهر ـ اليرموك ـ بقيت، وعلى الرغم من بناء السد، تزيد على نحو 25 مليون متر مكعب سنوياً. علما أن اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، كرست النسبة نفسها من مياه النهر لإسرائيل أيضا، كما إن إسرائيل وافقت على أن يضخ الأردن نحو 20 مليون متر مكعب من مياه اليرموك في فصل الشتاء إلى بحيرة طبرية، على أن يستعيدها في فصل الصيف، وهذا ما حصل في سنوات سابقة على سبيل المثال.
أين المشكلة؟
هكذا وبعد هذا الزمن الطويل من التعطيل والتأجيل والتسويف والتهديد من قبل إسرائيل في بعض المراحل، فإن سد الوحدة وقد أنشئ أخيرا على نهر اليرموك، ما زال مثار لغط هنا وهناك، فلماذا يتردد في أجهزة الإعلام أن هناك مشكلة ما، أو أزمة مياه بين سوريا والأردن، خصوصاً في ما يتعلق بالحصص وأمور أخرى تتعلق بالسد ومياه النهر؟.
لقد طالب الجانب الأردني ـ حسب بعض أجهزة الإعلام ـ بتعديل الاتفاق المتعلق بالاستفادة من مياه نهر اليرموك وسد الوحدة الموقع بين الطرفين عام 1987، بحيث يتم تخزين سد الوحدة قبل أن تستفيد سوريا من تخزين سدودها، أو على اٌلأقل بما يضمن تزامن التخزين في السدود السورية مع بدء التخزين في سد الوحدة، إلاّ أن الجانب السوري أعلن بأن الاتفاق بين البلدين نص على بدء تخزين السدود السورية أولاً ـ كونها تقع في أماكن تسبق موقع السد ـ ثم يجري تخزين السد بعد ذلك. إلاّ أن الجانب الأردني ذكر بأن الجانب السوري زاد من عدد السدود الصغيرة والآبار التي أقامها في حوض نهر اليرموك، في حين أن الجانب السوري نفى ذلك، وذكر أن منشآته أقيمت خارج الحوض. وذكّر بأن شح المياه وقلة الأمطار عانت منهما سوريا أيضا، وأن التخزين التجريبي في السد يجب أن يعتمد على معطيات المواسم المطرية في كل عام. أما بالنسبة إلى تعديل الاتفاق المائي بين البلدين، فإن هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي عالي المستوى.
من الواضح أن خلافاً فنياً تحددت معالمه، وهو في الأساس يتعلق بمسألتين مهمتين: الأولى تتعلق بآلية تطبيق التخزين في السد، والثانية تحديد كمية مياه الجريان الدائم في مجرى النهر. فهل يمكن أو يفترض باجتماعات المجلس السوري ـ الأردني التي يتم التحضير لها والتي كانت تأجلت غير مرة، أن تتوصل إلى حلول لهذه الإشكاليات؟ علما أن موضوع المياه أصبح من أكثر الموضوعات إلحاحاً وأهمية.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى