صفحات سوريةمحمد علي العبد الله

الأقربون أَولى بالتهدئة والتفاوض

null
محمد علي العبدالله (*)
لعل أكثر الأسئلة التي تطرح حول التهدئة التي خاضتها حركة حماس مع إسرائيل هو سبب قبول الحركة اليوم ما رفضته بالأمس، فالحركة كانت ترفض بالمطلق مجرد الحديث عن التهدئة قبل فتح المعابر، وأعلنت مراراً أن العمل المسلح (الجهاد) هو الوسيلة الوحيدة لتحرير الأرض ودحر “العدو الصهيوني”، فما الذي “عدا ما بدا” لتوافق حماس اليوم على التهدئة التي رفضتها أمس؟.
وافقت حماس على الدخول في التهدئة وهو الأمر الذي يعتبره المراقبون إيجابياً ويتمنون استمراره لتجنيب الشعب الفلسطيني في غزة المزيد من المآسي والكوارث الإنسانية، ولمنح فرصة للضغط السياسي لفك الحصار عن قطاع غزة بعد أن حولت إسرائيل حياة أكثر من مليون فلسطيني إلى ما يشبه الكابوس.
التبرير الوحيد الذي تجده لدى حماس هو أن الحركة ملتزمة بالتهدئة طالما أن العدو الصهيوني ملتزم بها، في حين تكثر التحليلات في الطرف المقابل عن الدوافع الخفية لحماس.
فثمة رأي يقول إن التفاوض السوري ـ الإسرائيلي غير المباشر آتى أُكله سريعاً، وحققت إسرائيل شيئاً من المكاسب السياسية المرجوة من المفاوضات (التي يبدو أنها طالت وترهلت ولن تنتج شيئاً إذا لم ترعها الولايات المتحدة نزولاً عند رغبة الطرف السوري) وأن دمشق استخدمت “مونتها” على حركة حماس لفرض تهدئة في قطاع غزة من شأنها إزالة بعض العوائق من درب المفاوضين. أمر أحرج حركة حماس ووضعها في موقع صدام مع الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تماهت معها سابقاً ضمن أيديولوجية التحرير بالسلاح، لا سيما عندما أقدمت حماس على مفاجأة الجميع بإعلانها “أن من يطلق الصواريخ من قطاع غزة لا يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية”، ما دفع كتائب شهداء الأقصى لإتهام حماس “بالخيانة الوطنية”، ودفع حركة الجهاد الإسلامي أيضاً لإتهام حماس بالخيانة، ويعتقد أنها السبب في غياب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي عبد الله شلح وحضور نائبه بدلا عنه في اجتماع لجنة المتابعة للقوى والفصائل الفلسطينية الذي عقد في دمشق مؤخراً بعد إعلان التهدئة.
في حين يرى رأي آخر لا يقل أهمية أن حماس أدركت أنها وصلت إلى طريق مسدود نتيجة ما ارتكبته من أخطاء وما نتج عنها من تدمير لحياة الفلسطينيين في قطاع غزة تتحمل الحركة المسؤولية الكبرى عما جرى فيها بعد أن فشلت سياستها التي انتهجت العنف والسلاح بوقف هجمات العدو الإسرائيلي على القطاع أو إيقاف الاغتيالات في صفوف كوادرها أو فتح أي معبر من معابر غزة، لا سيّما أن أي نظرة علمية وعملية للحصاد (السياسي والعسكري) الذي كسبته حماس خلال نيف وعام على احتلالها القطاع يظهر تدني شعبية الحركة بشكل ملحوظ، وجهر سكان القطاع )من غير المحسوبين على فتح) بالتعبير عن سخطهم من الحركة ومن مواقفها، وتحميلها مسؤولية انقطاع الوقود والكهرباء والدواء عن غزة، سخط يتفاقم يومياً بتفاقم المعاناة وإدراك الفلسطينيين لحصيلة “عمليات” حماس العسكرية، ففي الوقت التي تشير الأرقام (الجزيرة نت) الى أن حماس والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها أطلقوا نحو 4360 صاروخاً وقذيفة هاون على قرى وبلدات متاخمة لقطاع غزة أسفرت عن مقتل أربعة إسرائيليين فقط. في حين استشهد نحو 380 فلسطينياً على أيدي قوات الاحتلال وفقاً لبيانات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة. ناهيك عن أن 118 فلسطينياً قضوا في حوادث داخلية في غزة.
أما الرأي الثالث فهو كناية عن مزيج بين الرأيين السابقين، فالحركة وجدت نفسها في مأزق يتفاقم مع تفاقم معاناة الفلسطينيين التي تراها الحركة بأم عينيها يومياً، في حين ترى في العين الأخرى أن حليفتها في الممانعة (دمشق) بدأت مفاوضات سلام غير مباشرة مع إسرائيل برعاية تركية، فقررت التراجع عن سياساتها والمضي بالتهدئة تمهيداً للتفاوض من منطلق “الأقربون أولى بالتهدئة والتفاوض”. ولم تكتف حماس بالتهدئة فقط، بل بدأت بمطالبة السلطة الفلسطينية بتوسيع التهدئة لتشمل الضفة الغربية!!.
وبعيداً عن الغوص في مآثر سياسة حماس في تكريس الإنقسام الفلسطيني، والتفريط (عبر الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي العربي والإقليمي) باستقلالية القرار الفلسطيني الذي دفع الشهيد ياسر عرفات حياته ثمناً لها. لا تستطيع الحركة أن تنكر أنها تشعر بحرج شديد من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، فالتصعيد في المطالب بداية والذي لم يرتكز على أي نقاط قوة واقترن بخطاب بعيد عن المنطق والعقل يغفل ميزان القوى المختل بشكل واضح للعيان، وتخوين فئة كبيرة من الفلسطينيين طالبتها سابقاً بوقف إطلاق صواريخ لم تنجح إلا في منح إسرائيل مبررات قوية لتنفيذ اعتداءاتها على قطاع غزة، وقبولها التهدئة اليوم بشروط رفضتها سابقاً دون توضيح مبررات الرفض السابق والقبول الحالي، سيكون لها أثر واضح في الإنتخابات التشريعية القادمة، سيما أن التهدئة الأخيرة تمثل نهاية المغامرة التي بدأتها “حماس”، ولم تجن منها سوى تعرية نفسها من ذريعة المقاومة.
(*) كاتب وناشط حقوقي سوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى