صفحات العالم

نهاية فلسطينية

ساطع نور الدين
هي علامة جديدة من علامات نهاية القضية الفلسطينية.
أن تقرر إسرائيل بناء ما يعادل بلدة او حياً يهودياً جديداً في قلب القدس الشرقية المحتلة، من دون ان تشتعل الارض تحت أقدام الإسرائيليين، ومن دون ان تنقطع الاتصالات والمفاوضات مع الإسرائيليين، ومن دون ان تنفتح الحدود امام المقاومين، ومن دون ان يسحب السفراء من تل ابيب، ومن دون أن تغرق شوارع العواصم العربية بالتظاهرات والاحتجاجات، ومن دون ان يتنادى الزعماء العرب الى اجتماعات عاجلة تبحث في الردّ على ذلك التحدي، وتناقش مقاطعة ومحاسبة الدول التي تدعم إسرائيل.. فذلك مما لا يدع مجالاً للشك في أنها النهاية فعلاً.
هي نتيجة طبيعية لمسار طويل من الهزائم المتلاحقة، لا أحد يعرف متى بدأ وكيف سيختتم. المهم ان قضية وطنية وقومية، انسانية واخلاقية، تضيع امام اعين الجميع، وتتبدد معها تجربة كفاحية ترسخت على مدى قرن مضى، وتسقط معها ثقافة سياسية ارتقت بالوعي الفلسطيني والعربي العام الى مستويات رفيعة، وضعته في مسار تنافسي او تعاضدي مع ثقافات غربية وشرقية متقدمة، يستخفّ في بعض الأحيان بالكيان الصهيوني المزروع في قلب الوطن العربي ويعتبره حالة عابرة او طارئة مرشحة للزوال بين لحظة واخرى.
هذا في التاريخ، اما في السياسة، فان القرار الاسرائيلي يكاد يكون نموذجياً في تعبيره عن احتقار الفلسطينيين وازدراء العرب، وعن الاستهزاء بفكرة التفاوض، المباشر او غير المباشر، التي لا تستند الى اي موازين قوى فعلية، ولا تقوم الا على محاولة استرضاء الحلفاء الأميركيين والأوروبيين الذين كانوا يظنون ان حملتهم العسكرية على الأطراف الشرقية للعالم الإسلامي تستدعي تقديم هدية الى الجمهور العربي تتمثل في دولة فلسطينية… لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن إسرائيل لا تريد أن تكون جمعية خيرية، ولاحظوا ان العرب لا يلحّون على مثل هذه الهدية، كما ان الفلسطينيين ليسوا جاهزين لتلقيها!
ثمة تفسير موارب لهذا القرار الإسرائيلي يفيد بأن حكومة بنيامين نتنياهو ضخّمت الخطر النووي الايراني من اجل ان تبتز الغرب وتحقق مشروعها السياسي الأهم وهو تغيير وجه القدس المحتلة وهويتها وتركيبتها السكانية تمهيداً لسحبها نهائياً من جدول اعمال اي مفاوضات. لكن الغرب لا يبدو بحاجة الى مثل هذا الابتزاز، ولا يبدو انه مستاء من السلوك الاسرائيلي او قلق من تداعياته على جدول اعماله في العالمين العربي والاسلامي، وهو لا يتوقع سوى الحد الادنى من الاحتجاجات العربية والإسلامية التي لا تتعدّى المزايدات المتبادلة بين الممانعين والمعتدلين، الذين يحتلون الشاشات الفضائية.
وفي السياسة ايضاً، كان رد الفعل الاميركي مهيناً: البيت الابيض يصدر بيان الإدانة الاول من بضعة سطور، ثم يحيل الأمر الى نائب الرئيس جو بايدن الموجود في اسرائيل، لكي يتولى التوسع في الإدانة، فاذا هو يعبر عن الحاجة الى بناء الثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وينصح بالتعامل مع الأمر الواقع الجديد.. وعدم التفكير في التخلي عن خيار التفاوض، لان الرئيس باراك اوباما، الذي لم يعد يريد حتى أن يقابل أي مسؤول عربي، ما زال يعمل لتنفيذ رؤية الدولتين التي ورثها عن سلفه.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى