صفحات العالم

صواريخ كلينتون

محمد ابرهيم
لم تجد وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون وسيلة عملية لإقناع مستمعيها في المؤتمر السنوي للوبي الاسرائيلي في اميركا (إيباك) سوى اثارة موضوع التطور في تكنولوجيا الصواريخ وعلاقته بأمن اسرائيل.
قبل ذلك اشارت الى ان التزام الولايات المتحدة بأمن اسرائيل لا يتزعزع وبالتالي طرح الموضوع هو من قبيل الهم المشترك للحليفين في المرحلة الجديدة من الصراع العربي – الاسرائيلي.
الصواريخ التي تزداد دقة وقدرة، والتي تغطي كل الارض الاسرائيلية هي ما ينبغي أخذه في الاعتبار بحسب كلينتون، التي لم تنقصها الاشارة الى ان اقرب اعداء اسرائيل اي “حزب الله” و”حماس” يطوران باستمرار مقتنياتهما منها.
لم تقتصر وسائل الاقناع التي استخدمتها كلينتون على هذه الناحية، لكنها، ولا شك، كانت الوحيدة التي بقيت في اذهان مستمعيها من بين المناشدات التي استعملتها لاقناعهم باهمية العودة الى المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين، واهمية الوصول الى تسوية ضمن صيغة دولتين وشعبين.
بقيت في الاذهان لانها تشكل مادة لكل السيناريوات الحربية التي يتم تداولها في اسرائيل، على مختلف المستويات، والتي لا يبدو انها اجابت على معضلة الاختلاف الجذري للاهداف العسكرية الراهنة عما اعتادته اسرائيل في صراعها مع العرب منذ الحرب الاولى عام 1948.
هذا الوضع يشبه من ناحية ما المعادلات التي كانت سائدة في الحرب الباردة. ليس هناك توازن في ما يتعلق بسلاح الردع النهائي، اي النووي، طالما ان اقرب الاطراف من حيازته في جانب اعداء اسرائيل، اي ايران، لا يزال بعيدا عن تشكيل اي تهديد. لكن هناك توازن، بمعنى ان هناك قدرة مستجدة لدى اعداء اسرائيل على الوصول الى مدنييها اينما كانوا.
هنا لا بد من التمييز بين القدرات التدميرية المتفاوتة لدى كل من اسرائيل والاطراف المرشحة للدخول في حرب معها، لكن شبح مواجهة شاملة، وهو ما تدرسه وتحضر له اسرائيل، لا بد ان يعني تضافر ترسانات صاروخية عدة، من ايران الى غزة، تستطيع ان تتسبب بخسائر اسرائيلية قد لا تكون متوازنة مع الخسائر المقابلة، الا انها ليست متوازنة ايضا مع الخسائر التي اعتادتها اسرائيل في حروبها السابقة مع العرب.
ما يعطي هذا الموضوع حساسية اضافية هو التشويش الذي اصاب العقيدة القتالية الاسرائيلية التي تقوم على مبدأين: نقل المواجهة مباشرة الى ارض العدو، والحسم السريع للمعركة. ورغم كل ما يقال عن الدروس التي استخلصتها اسرائيل من حرب تموز 2006 على لبنان، فان اتساع رقعة المواجهة المفترضة يطرح علامات استفهام حول قدرة اسرائيل على ممارسة مثل هذه العقيدة، خصوصا ان اي حسابات عسكرية لا بد ان تأخذ في الاعتبار احتمال تحول المواجهة الجزئية مواجهة شاملة.
من هنا، فإن ما طرحته كلينتون امام “إيباك” قد يكون بداية تفكير استراتيجي اميركي جديد يضع في حسابه نهاية حقبة القدرة على الحسم العسكري بمقاييسه السابقة، دون ان يعني ذلك ان امن اسرائيل من الزاوية الدفاعية مهدد فعلا، وانما قد يعني ان التهديد الحقيقي لهذا الامن هو الاستمرار في العقيدة القتالية السابقة التي تكشف نقاط الضعف الاسرائيلية. هذا الوضع الذي ربما تحاول ادارة اميركية عاقلة تجنبه لانه اقرب الى توريطها مباشرة في حروب اسرائيلية.
هذا الواقع الاستراتيجي لا ينتظر ان يتغير في مستقبل قريب، طالما انه لم يحظ بحل على مستوى عالمي اوسع، اذ لم تحلّ الولايات المتحدة مشكلة عدم كفاية الانظمة المضادة للصواريخ على صعيد شامل، وحتى اقليمي.
وهذا الواقع هو أساس الاستعجال الذي ربما نشهده اميركيا لاستغلال ما تبقى من قوى عربية قادرة على عقد تسوية مع اسرائيل وتطبيقها على الارض. وهو ربما ايضا الاساس الذي يكشف ان الحكومة الاسرائيلية الحالية ليست المؤهلة للتناغم مع ما تعتبره واشنطن مصلحتها ومصلحة اسرائيلية في وقت واحد. اما وسائل التغيير في اسرائيل فمعروفة ومختبرة في اكثر من ادارة اميركية سابقة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى