صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

هل من مستقبل للأحزاب غير الإسلامية في العالم العربي؟

null


محمد سيد رصاص

شهدت الساحة العربية صعوداً للتيار الاسلامي بعد هزيمة حزيران1967، وانحساراً لكافة التيارات السياسية اللادينية، طوال العقود الأربعة المنصرمة على تلك الهزيمة، فيما أدت هزيمة 1948 إلى انحسار الليبراليين لصالح القوميين وإلى تراجع اليسار الماركسي بسبب موقف السوفييت المؤيد لقيام دولة اسرائيل، ليعود الأخير وينتعش على إثر الدور الذي لعبته موسكو في تأييد العرب بحرب 1956 وما بعدها.

كانت ظاهرة صعود الاسلاميين عامة بين الرباط والبحرين، ولو أن المجتمعات العربية التي توجد فيها أحزاب تقليدية(السودان، مثلاً)، أوحياة حزبية مستديمة (=المغرب)، قد كان تقدم الاسلاميين فيها بوتيرة لاترتفع إلى مستوى المجتمعات العربية الأخرى، فيما كان وصول الاسلاميين للحكم في الخرطوم، عبر انقلاب عسكري عام1989، مؤدياً في النهاية إلى اضعاف نفوذهم الاجتماعي، بالقياس إلى الثمانينيات، وخاصة بعد الحركة التي أبعد فيها الرئيس البشير حليفه الترابي عن الحكم في عام1999.

لم تتوقف هذه الظاهرة رغم هزائم الحركات الاسلامية المعارضة أمام أنظمة الحكم القائمة، في سوريا ومصر وتونس والجزائر، ورغم فشل تجربة الاسلاميين السودانيين في الحكم، حتى عندما بان في النصف الثاني من التسعينيات بأن هناك بداية انحسار للمد الاسلامي، على إثر تلك الهزائم وبعد انفكاك التحالف الذي كان قائماً بين الغرب والحركات الاسلامية ضد موسكو حتى عام1989، ليعود المد الاسلامي إلى قوته القديمة على إثر (11 أيلول) و(سقوط بغداد).

خلال الفترة المذكورة، لم ينتعش تيار سياسي آخر، بموازاة الاسلاميين، باستثناء التيار الليبرالي الجديد، الذي كان انبثاقه مرتبطاً بمراهنات على الحالة الأميركية بالمنطقة بعد سقوط بغداد بيد الأميركان عام2003، ولم يكن ظهوره مبنياً على عوامل اجتماعية أفرزتها البنى المحلية، ليظل ضمن نطاق مثقفين وسياسيين كانوا بمعظمهم ضمن الشيوعية السوفياتية والحركة الماركسية في زمن الحرب الباردة، فيما ظل القوميون والماركسيون في حالة تراجع دائم من حيث القوة كانت مستمرة طوال فترة ما بعد حزيران 1967 لم يستطيعوا خلالها ايقاف التراجع أوالتخفيف من وتيرته داخل البنية المجتمعية وفي عقول وقلوب الناس.

هنا، يلاحظ بأن قوة الاسلاميين لا تأتي فقط من فشل القوميين في تجارب السلطة، ولا من فشل اليسار الماركسي في أن يكون بديلاً للأحزاب القومية العربية، وإنما أيضاً من قدرتهم على التعبير عن طبقات وفئات اجتماعية كانت متضررة من التجارب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي طبقها القوميون بالسلطة (والحزبان الحاكمان بعد الاستقلال في تونس والجزائر)، حيث استطاع الاسلاميون ايجاد تعبير ايديولوجي ـ سياسي ـ ثقافي رأت تلك الطبقات والفئات (وخاصة ضمن الفئات الوسطى المدينية ومن النازحين الريفيين للمدن الكبرى) مصالحها في حمل ذلك التعبير ضد الأوضاع القائمة، فيما أتى عامل إضافي، بعد (11أيلول) و(غزو العراق)، زاد الاسلاميين قوةً، لينضاف هذا إلى ما يحصل بفلسطين، التي أصبحت فيها الحركة الاسلامية، أي (حماس)، في صدارة المواجهة بعد توقيع حركة فتح لاتفاقية أوسلو عام1993.

يقود ذلك السياق، من حراك التيارات السياسية العربية بعد تاريخ 5 حزيران 1967، إلى طرح أسئلة كبرى: هل مستقبل المشهد السياسي العربي ستعتمد مفاتيحه على فشل أو نجاح الاسلاميين في تحقيق أهداف مجابهتهم المزدوجة الراهنة، مع بعض الأنظمة العربية ومع واشنطن، مضافاً إلى البوادر التي تدل على غوص(حماس) في مآزق كبرى من خلال تجربتها الراهنة في غزة؟….. أم: أن المستقبل السياسي العربي سترسم خريطته المقبلة أيضاً عوامل جديدة، من أهمها الإتجاه الراهن ـ في أنظمة التجارب القومية وفي تونس والجزائر ـ إلى نموذج الليبرالية الاقتصادية المفتوحة، وما يعنيه هذا من تحولات طبقية واجتماعية جديدة، ستؤدي إلى نشوء أحزاب ليبرالية تعبر عن الصناعيين والتجار ورجال الأعمال وفئات التكنوقراط ، وفي مقابلها أحزاب يسارية ستكون تعبيراً وانبثاقاً عن آلام ومترتبات ولادة الطور الاقتصادي ـ الاجتماعي الليبرالي، ليصبح (الاقتصاد) و(الاجتماع) لهما مكانة كبرى في عوامل التحريك السياسي بالمجتمعات العربية، وليس فقط عوامل (فلسطين) و(الغرب)، وإن كان من الصعب تحديد نسب التحريك لكل واحد من هذه العوامل بالمستقبل العربي، وخاصة إذا ظلت قضيتا (فلسطين) و(العراق) من غير تسوية وحل؟…… أو: أن آليات الوضع القائم ستظل فاعلة، إذا لم تحصل تلك التسوية في فلسطين والحل في العراق، ليظل (القومي ) و(الوطني) متصدرين السياسة العربية على حساب (الاقتصادي) و(الاجتماعي) و(الديموقراطي) ومن دون روابط مفهومية وبرنامجية تربط هذا بذاك، بما يعنيه كل هذا من استمرار تصدر الاسلاميين للحراك السياسي والثقافي التحتي بالمجتمعات العربية، وخاصة مع استمرار التيار الليبرالي الجديد في مراهناته على واشنطن كعامل “تغييري”، ومع فشل القوميين واليساريين في مشاركة أو نزع تصدر الاسلاميين لعملية مجابهة الغرب واسرائيل؟.

المستقبل – الخميس 21 شباط 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى