صفحات سوريةمعقل زهور عدي

ملاحظات حول مشروع اعلان المبادىء

null

معقل زهور عدي

بتاريخ 9/2/ 2008 نشر حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي وهو أكبر حزب سياسي معارض في سورية ورقة بعنوان

مشروع اعلان مبادىء للحوارالوطني الديمقراطي

ملاحظات حول مشروع اعلان المبادىء -1

في البداية ينبغي التوقف عند السياق السياسي الذي دفع بفكرة اعلان المبادىء لحيز الوجود ، هل جاءت الفكرة ضمن سياق تجاذبات التيارات السياسية داخل اعلان دمشق ، كرد فعل تجاه الخلافات التي حدثت والتي اتخذت طابع الصراع لتغليب طرف على طرف ، وبالتالي لاعطاء ذلك الخلاف بعدا سياسيا – فكريا ؟، هكذا يصبح مشروع اعلان المبادىء مجرد ورقة ضغط اضافية لتعديل ميزان القوى المختل ضمن الاعلان ، وضمان اعادة هيكلة الاعلان وفق أسس جديدة تعكس ميزان القوى الحقيقي بين الأطراف المتحالفة وتؤمن لقوى محددة الضمانات الكافية كيلا تتعرض للاقصاء او التهميش مرة ثانية.

في هذه الحالة لن يكون للاعلان سوى قدر محدود من القيمة والأثر السياسيين ، لاحقا سيتم وضعه على الرف ، بذمة أرشيف واسع لبيانات واعلانات هي بنت لحظتها وأيضا فقيدة تلك اللحظة .

لكن الأمر سيكون مختلفا اذا نظرنا لمشروع اعلان المبادىء في سياق سياسي آخر. لنلاحظ أن مشروع اعلان مبادىء ثان تم تقديمه من قبل طرف خارج اعلان دمشق ( الديمقراطيين الاجتماعيين ) ، وربما يقوم طرف ثالث بتحضير تصوره لاعلان مبادىء أو على الأقل لمضامين اعلان مبادىء ( حزب العمل الشيوعي ) .

لنتذكر أيضا محاولة لم يكتب لها النجاح لاطلاق تيار وطني – قومي – ديمقراطي – اجتماعي منذ قرابة سنتين (بالتحديد حزيران -2006) ضمت كلا من ( ناشطي مناهضة العولمة ، لجنة العمل الوطني في محافظة حماة ، هيئة الشيوعيين السوريين ،حزب العمل الشيوعي ، لجان احياء المجتمع المدني ، وناشطين ومثقفين منهم سوسن زكزك ، كاسر صالح ، حديثي مراد ، عبد الحميد المقداد ، د.نبيل مرزوق ، ابراهيم كيكي ) .

في هذا السياق هناك من يريد تطوير صيغة تحالف استراتيجي لفئات اجتماعية محددة ( الطبقة الوسطى التي يزداد تهميشها والعمال والفلاحون ) ، ببرنامج اجتماعي أكثر وضوحا ، وبرنامج سياسي يتضمن مناهضة مشروع الهيمنة الأمريكي على المنطقة العربية ، وتبني نهج المقاومة بمعناها الأوسع ، وكبند رئيسي مناهضة الاستبداد والسعي لتحقيق الحريات ودولة القانون .

تحالف كهذا يختلف في الوظيفة عن تحالف اعلان دمشق ، اعلان دمشق في الجوهر تحالف تكتيكي لقوى سياسية واجتماعية متباينة متفقة على عنوان واحد ( تحول سورية من دولة شمولية يتم فيها احتكار السلطة الى دولة ديمقراطية تعددية ) ، في الحقيقة كل الاشكالات التي نشأت حول اعلان دمشق تعود لافتقار الوضوح حول وظيفة ذلك التحالف ومحاولة اضفاء الصفة الفكرية – السياسية عليه .

في أول نقد لي لاعلان دمشق كتبت أن خطأ اعلان دمشق ( كنص ) أنه أقحم نفسه فيما ليس له فيه ، فليس مطلوبا منه تقديم رؤية فكرية –سياسية ، مثل تلك الرؤية ستكون موضع خلاف وتجاذب ، للأسف فان البعض أحل رغبته الذاتية (مكان الوظيفة الموضوعية )في تذويب الأحزاب والايديولوجيات والتخلص منها لصالح (حزب جامع) جديد هو اعلان دمشق ، وبذلك وضع بيده أكبر معول في هدم تلك المحاولة السياسية الهامة .

لكن حتى اذا اتفقنا على الوظيفة التكتيكية لاعلان دمشق لن تنتهي المسألة ، اذ يبقى السؤال: كيف هو طريق التغيير الوطني – الديمقراطي؟، فعليا هناك من يرى أن لابد من الاستعانة بقوى خارجية ( دول كبرى ، مجتمع دولي ، دول اقليمية الخ..)، آخرون يرون أن مخاطر ذلك التوجه أكبر من ان تحتمل ، ففتح الباب للتدخل الخارجي ( خاصة للدول الكبرى ) سوف يؤدي لاحقا لعرقنة سورية او لبننتها على الأقل وهو مصير أسوأ من أي استبداد ، وكي لايظن البعض أن تلك المخاوف تعبر عن رؤية انعزالية مغرقة في التشاؤم أورد هنا فقرة من حديث المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي الذي يقول في هذا السياق : (إن النظام السوري غير محبب، ويجب أن تتوافر لدى السوريين الفرصة للتخلص منه، ولكن القوى الخارجية ستدفع الأمور إلى الأسوأ. والأسباب التي تجعل الولايات المتحدة معادية لسوريا ليست أسباباً جذابة. وفرنسا أيضاً، بحسب ما أعرف)( من الندوة المنشورة تحت عنوان هل آن الأوان لخلع الضرس السوري لنعوم تشومسكي وجلبير أشقر Noam Chomsky and Gilbert Achcar : Perilous Power- the Middle East and US Foreign Policy, Editor Stephen R. Shalom, Penguin Books Ltd.2007).

وطالما وضع الطرف الليبرالي الاستعانة بالقوى الخارجية في صلب استراتيجيته للتغيير الديمقراطي فسيبقى محقا في شعوره بأن الطرف الآخر يلعب دور عرقلة الحركة والتقدم نحو الأمام ، وسيبقى الطرف الوطني الديمقراطي محرجا الى أقصى حد في الانخراط ضمن استراتيجية كهذه .

كل ذلك أصبح الآن برسم الماضي ، واذا حاولنا تصور عملية افتراضية لاستعادة اعلان دمشق ، سنجد أن كل تيار يريد ان يسحبه الى منطقة أبعد بكثير مما كان الحال عليه قبل المجلس الوطني باتجاهه الخاص ، فالتيار الليبرالي يعتبر أن اعلان دمشق أصبح أقرب ما يكون اليه مستمدا من نتائج ( انتخابات المجلس ) مشروعيته التي تكرست بالتضحيات المقدمة عبر الاعتقالات .

بينما يبحث التيار الوطني – الديمقراطي في كيف يمكن تخليص الاعلان من تأثير وهيمنة التيار الليبرالي سياسيا وهيكليا !

واقعيا أصبح هامش التقاطع بين التيارين أضيق من أي وقت ، وباستثناء مسألة الحريات ، والوقوف ضد الاعتقال السياسي ، لم يعد ثمة ما يمكن اللقاء حوله.

على أية حال ثمة شعور عارم ضمن التيار الوطني الديمقراطي بضرورة تبلوره كتيار فكري – سياسي بغض النظر عن احتمالات ماسيؤول اليه اعلان دمشق .

لقد تبخر تماما وهم تقديم التنازلات الفكرية بحجة الوصول الى قواسم مشتركة ، وبدا واضحا اليوم أكثر من أي وقت أن تقديم تلك التنازلات ليس مضرا بصاحبه فقط ولكنه عمل مجاني ولاضرورة له .

فالتحالف يقتضي تحديد التخوم قبل تحديد المشتركات ، والتنازل عن المبادىء والهوية الفكرية يعني وضع الأساس لانفجارات وخلافات لاحد لها ، ولطالما تمت مهاجمة ( الايديولوجيا والايديولوجيين ) لكن أحدا لم يفطن لمساوىء وعيوب الانتهازية الفكرية والعدمية والميوعة في التعامل مع المبادىء.

من حق أطراف ذلك التيار ( بل من واجبها ) أن تعمل على تبلور خطه الفكري – السياسي بكل الطرق بعيدا عن ابتزاز شق المعارضة ، فالمعارضة منقسمة فعليا لتيارين منذ زمن طويل وذلك ليس سرا ، وليس المجال مناسبا للحديث عمن بدأ بشق المعارضة حقا ، حسبنا العمل على ادارة الخلاف بطريقة مسؤولة وديمقراطية

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى