صفحات سوريةنصر حسن

جَرَّة ُ النظام السوري وبَحْصَة ُ” السلام “!.

null
د.نصر حسن
يستمر النظام السوري في نهج القمع الخداع والمساومة على المستوى الداخلي كما الخارجي  ,مراهناً على تكرار كسب الخارج وتغطيته وستر عورته , الخارج الذي طالما دق طبول الحرب ضده , موحياً أنه المتصدي له في سورية ومحيطها , وما حصل في باريس هو بعض فصوله التي عكست التحول السريع إلى نقل بعض مايجري سراً ليصبح جهرا , وبدت سرعته إنقاذاً إسعافياً له من وضع داخلي على شفى الانفجار , وعلى هدى مصلحة الجار يتذبذب النظام السوري بين النقائض عله يحظى بتجاوز مايحيق به من أخطار داخلية وإقليمية , فمن الدوحة إلى استانبول إلى باريس , تجمع الفرقاء الأعداء على مسرحية , ليس لها عنوان أو تفسير سوى تجديد  بيعته وتغطيته ووإنقاذه من وضعه المنهار ” بسند جرة النظام ببحصة السلام ” , واهماً أن محطة باريس الساركوزية , سوف تسحبه إلى مرحلة الغفران والرضى والانفتاح والكسب والجمع والضرب أيضاً !.
وعليه , بات ضرورياً طرح السؤال , ماذا سيكسب النظام السوري بمراهنته على الخارج الذي يعرف أرشيفه صفحة صفحة بالتفصيل ؟! ماذا سيكسب من مقامرته بشعبه وحقوقه وأرضه ومصالحه الاستراتيجية وإصراره على أن يكون جلاداً في ” صناعة الإرهاب ” ؟! ماذا سيربح النظام عندما يخسر الشعب ويخسر محيطه العربي ظاناً أنه كاسباً حوض المتوسط  الشمالي ؟! ففي عرف السياسة والتجارة وبداهتهما, أن المسؤولية هي فن الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية , التي تفرض حداً أدنى من الاتساق والتوازن بين القول والفعل , بين الأخذ والعطاء ,بين التمسك بالثوابت والمصالح والمرونة التكتيكية على طريقها , بين الانغلاق والانفتاح مشفوعة بقدر معين من التماسك الداخلي , أهو التمادي في لعبة الممانعة الغوغائية الخاوية  وتتكرار أطوارها  باستمرار ؟, أم أنها  لعبة التضاد والتعاكس الطفولي والارتماء المتهالك في أحضان الغرب ؟!, بعد أن أدى النظام وظيفته في إلغاء كل محددات الدولة الوطنية , وأجهض كل مظاهر المجتمع المدني وصور الحرية والتعبير والمشاركة الشعبية , وأوصل سورية إلى حالة من الضعف والتمزق لامثيل لها في تاريخها , الحالة التي لن تنتج سوى مزيداً من زعزعة الاستقرار الداخلي وخلخلة البناء الوطني على طريق الانهيار !.
والحال بماهي عليه من الانحدار, بات ضرورياً قراءة سريعة لمقاربات النظام للوضع الداخلي بكافة مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والحقوق إنسانية , ففي واقع الشعب السوري المحروم من كل مظاهر الحياة والمنتهك في كافة حقوقه وغياب كل معايير الدولة كبنية وآلية وقيم وقوانين , بات أن نذكر أيضاً , أن حرية الرأي والتعبير والمعارضة الوطنية الديمقراطية السلمية وعلاقات المجتمع المدني هي أوليات صفات الدولة ! وفي كل الدول الديمقراطية وشبه الديمقراطية في العالم ينظر إلى المعارضة على أنها سلطة يجب احترامها وسماع صوتها ولايجوز المساس بحريتها وعملها ,وأكثر من ذلك يتوجب على الحكومة حتى تمويلها !.
فأين أنت أيها النظام السوري من حقوق الشعب وأسس الدولة ؟وأين أنت أيتها “الدولة الأسدية  ” القمعية من أبسط حقوق المواطنين ؟ وأين أنت أيها العالم الحر من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان في سورية ؟ وأين دور المنظمات والواجهات المدنية في العالم ؟ أين أنتم من هذا الطغيان الذي يجري في سورية ؟!, أين أنتم ؟!وسجناء الرأي في سجن صيدنايا يتم تصفيتهم بشكل مروع  في زنازينهم ويتم تشويه نبل مطالبهم , وطاغية دمشق يتم استقباله وتسويقه في عصر حقوق الإنسان والثورة المعلوماتية وقيم الحياة الجديدة في عاصمة التنوير والحرية وحقوق الإنسان في العالم ,… ولاحياء ولاحياة لمن تنادي !.
فليس خافياً أنه في عصر العولمة وثورة المعلومات الرقمية والتكامل الإنساني الحالي ، ضاقت مساحة العالم وتقاربت الجغرافيا , وغدت السياسة الداخلية جزءاً لا يكاد يتجزأ من السياسة الخارجية, والعلاقات الداخلية أصبحت مترابطة عضوياً مع العلاقات الدولية ؛ والنظام السوري لازال أصماً  أمام رأي الشعب وحقوقه ,والمثقفين ورأيهم ,ونقد المجتمع المدني العالمي المتواضع هو الآخر!، ولم يدرك بعد أنه باستمراره في نهج احتكار السلطة  ومصادرة الحريات والحياة وزيادة وتيرة القمع والمساومة ,تزداد تبعيته وهوانه وعجزه وعزلته الداخلية والخارجية , ويتجذر ضعفه وتتقلص مصداقيته وينحصر دوره في تنفيذ سياسات خارجية على النقيض من مصالح الشعب ,  ولم يستوعب بعد أيضاً أن الانفتاح على الخارج يتطلب انفتاحاً مماثلاً على الداخل , ومقدمته  الرضوخ إلى حقوق الشعب واحترامها ,والتخلي عن  سلوك الدولة الأمنية والمسار القمعي التعسفي ,والانتقال إلى الإطار الوطني القانوني الإنساني  في العلاقة مع  الشعب .
فالمطلب الضروري والممكن الآن وبإلحاح , هو ليس المصالحات والمساومات على المستوى الخارجي , بل هوالإنفتاح على الداخل وعلى الشعب وسماع صوته ومعايشة همومه وإرجاع حريته وعتق سجناؤه والكشف عن أحياؤه وأمواته والإعلان عن المفقودين والمنسيين في السجون , وحل مشاكله وتأمين أمنه واستقراره ولقمة عيشه واحترام كرامته وتجبير إرادته المكسورة , ومعالجة نتائج  العملية المنظمة لعشرات السنين من تجهيل الشعب وتجويعه والقضاء على الثقافة والفكر والسياسة !,يليه الانفتاح على الخارج وقيم الحداثة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني بخطاب عقلاني لاتشوبه غوغائية خطاب الممانعة وآليات  الفساد ونهب الثروة , أي التحول إلى قيم الحرية والعدالة والمساواة التي هي مقدمة المناعة والقوة أمام كل الأعداء ,وبداية الطريق نحو الحداثة المطلوبة والمؤجلة على شماعة الوحدة والتحرير والصمود والسلام “العادل والشامل”  ! الذي لم ينتج سوى التمزق والفقر والجوع والتسول على أرصفة الخارج والتخلف الذي لامس الانحطاط ! .
فمسوؤلية النظام تأسيساً على وظيفته , هي  ليست انتهاك الحريات والبطش والقمع والنهب والسلب و الاقصاء والقضاء على حرية الرأي , وليست تغريب المواطن في وطنه وتوهين الروابط الوطنية , وليست بناء السجون والمعتقلات وتوسيع المقابر , وليست تعميم الفقر والجوع وفقدان الكرامة الإنسانية , وليست تشريد الطاقة العلمية والفكرية  الوطنية , وليست تهجير أبناء الوطن في شتات الأرض , بل الاقرار بدور الشعب ومشاركته في الحياة السياسية وتداول السلطة  واحترام حقوق الإنسان والتوجه الفعلي نحو قيم العصر والتطوير وتحديث السياسة والإقتصاد والمؤسسات والتعليم والإعلام وسيادة القانون والإقرار بحقوق المواطنة بدون تمييز بما فيها حقوق المواطنين الأكراد  ومعاملة المواطنين وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، تمهيدا للتّقدم المتدرج إلى الحداثة السياسية والديمقراطية, هذه هي بعض معايير العصر ,وهذا هو طريق الانفتاح ,وهذا هو طريق الحفاظ على المصالح والحقوق ,وهو بمحصلته طريق الاستقرار والتقدم والكرامة الإنسانية .
فالخيار الأمني القمعي الذي  يتمسك به  النظام السوري على المستوى الداخلي  والمحاط  بحاضنة لفظية غوغائية متناقضة ,وخطاب سياسي متهالك ,ووضع اقتصادي خانق, وحالة اجتماعية وأهلية محتقنة, وفساد وفوضى تضرب أطنابها في طول سورية وعرضها , يزيده إصرار النظام السوري على توهين قيم المواطنة ومصادرة الحريات واستمرار العمل بقوانين حالة الطوارئ على شماعة الممانعة المهزلة , بل وأخطر من ذلك حينما يسكب الزيت على النار المشتعلة تحت رماد البطش في مقاربات وتصريحات خطيرة طائشة غير مسؤولة , عندما يصر النظام على الغي والتفريط بالمصالح والأمن الوطنيين, ولاهم له سوى الحفاظ على سلطته وفساده وضعفه, وربط الشعب السوري وأحراره وسجناء الرأي والمثقفين والسياسيين والمعارضين الديمقراطيين السلميين ونشطاء حقوق الإنسان ” بالإرهاب ” تلميحاً وتلويحاً لمن يعنيه الأمر…! فهل طريق الانفتاح والسلام بدايته هذه المقاربة البائسة  الخطيرة التي سوف تضاعف حالة الاحتقان وعدم الاستقرار والتطرف والعصبية بماهي خدمة لامثيل لها لمهندسي ” الفوضى الخلاقة ” ؟!. فأين ستكون نهاية هذا السلوك المتهافت وتلك الممارسات الهزيلة ؟!.

بقي أن نقول :  أن الربح هو في كسب الشعب , وآلية  ذلك المباشرة هي الانفتاح عليه , والاقرار بمشاركته في الحياة العامة وفي تحديد  مصيره , وليس في  الشغب والمقامرة بحقوقه ومصالحه وأمنه وسلمه وتطوره , وأيضاً ليس بالارتهان البائس المهين لحبال الخارج ,التي كانت حبال نجاة للطغاة حيناً , وحبال مشانق لهم حيناً آخر ! .
والنظام السوري  يغريه طعم الحاجة إلى دوره  , فباستمرار تسول السلام في باريس وقبلها وبعدها , هو هو ثابت لم ولن يتغير , لأنه بنية وعقلية وآلية وعلاقات بينية من نوع ” خاص الخاص ” ووظيفة يؤديها , يعيش على منظومة فريدة من البطش والفساد والنهب والعجز والمتاجرة , نظام استهلك كل محددات الدولة المادية والروحية والاجتماعية والفكرية التاريخية , نظام يواكب العالم بكل متغيراته عبر شبكة من المحفوظات التي أكل عليها الدهر وشرب وأصبحت نشاذاً وملفوظات , نظام هجر الوطنية وقيم الشعب وتاريخه مفترقاً عن إحداثيات العصر , يستمر بهذا الحال البائس على أشلاء مملكة الرعب والعنف والتطرف والجماجم!.
نظام أخذته العزة بالإثم ….  وأدمن على انتهاك حقوق شعبه وإفقاره وحصاره وإضعافه , وامتهان كرامته وكسر إرادته !…أهي دورة جديدة بمظهر وغطاء السلام المشروخ والتطبيع الممسوخ هذه المرة ؟! السلام الذي لم يعد الشعب السوري ولاشعوب المنطقة تكن له أي احترام , ولا توليه أي اهتمام ,وباتت سمعته وشعبيته في الحضيض ؟!.
أم أنه جنون السلطة والفردية والضعف وانعدام الثقة بالشعب والنفس معاً ؟!  التي تنتفي أمامها كل أشكال المصالح والقيم والكرامة والحقوق ؟!.
أم أخيراً هو جنون الجبن والخوف من الآتي , وتعلقاً واهياً بوهم ” سند جرّة النظام ببحصة السلام ” جرّة النظام التي ضاقت بحملها … وفقدت توازنها ….وانقلبت عاليها سافلها …فتشظت وظهر مافيها من قبح وغرائب وعجائب …وتهافت ونقائض …!.
لارهان على استمرار النظام في إثمه على مستوى الداخل والخارج…وانحداره إلى ربط العقول والبطون والألسن والعيون…ذلك النظام الركام الذي لم تسعفه نفسه وخطورة أعاصير الواقع السوري والعربي والعالمي على فهم نهاياتها ونتائجها…التي كانت هي مقدمة سقوط أعتى الطغاة,وتشاوسيسكو واحداً منهم  وذكراه قريبة , يخاف منها بعضهم ,ويتناساها بعضهم ,ويساوم على النفاذ بريشه كثرتهم…!.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى